مواضيع اليوم

قُبلتي المهرّبة على يده

رؤى نزار محمد

2010-09-16 19:48:53

0




أعــود للقُبَل، لا السحرية التي تُوقظ حسناء نائمة في غابة من سُبَات دام دهراً، لحظة يضع أمير يعبر الغابة، شفتيه على شفتيها. ولا تلك التي يعود بمفعولها الضفدع أميراً، كما كان، من قَبل أن يحلّ به قصاص ساحرة شرِّيرة.
لا أعتقد أنّ بيننا مَن يُصدِّق اليوم، ما قرأه في قصص الطفولة من خرافات حُسمت مآسيها بقُبلة. لكن مازلنا، على الرغم من ذلك، نحلم بتلك القُبلة إيّاها. ننتظرها من دون أن نعترف بذلك، مراهنين على معجزتها وبركاتها.
هذا الصيف، أحضرت معي إلى "كــان" نسخة رخامية مُصغّرة من قُبلة رودان الشهيرة. كانت أختي صوفيا (خرِّيجة الفنون الجميلة)، قد أهدتني إيّاها، بعد زيارتها إيطاليا منذ سنوات. واحتفظت بها في صالوني في برمانا بتواطؤ بطلي خالد بن طوبال مع تمثال فينوس. حملتها بيدي طوال الرحلة، خوفاً عليها. وكنت أبتسم والعاشقان الرخاميان يعبران متعانقين ممرات الأشعة الكاشفة، غير آبهين بتلصُّص رجال الجمارك أو دهشتهم، وهم يعثرون عليهما مختبئين ملفوفين داخل منشفة.
هل ثمَّة أجمل من قُبلة مهرّبة؟ أذكر أن نزار قباني في آخر مرّة، حضرت لأُودّعه في منزله في بيروت، قبل مغادرته إلى لندن ساعتها، بدا لي كئيباً وهو يُضيِّفني من برّاده كوب عصير، وشوكولاتة كانت على طاولته. وعندما أصبح صهيل أحزانه أكبر من أن لا أسمعه، أخذت يده اليمنى ووضعت عليها قبلة تحريضية على الفرح، ووشوشته "ستكتب أشياء جميلة بهذه اليد.. عدني بذلك!". عادت له العافية، وابتسم وهو يتأمّل يده. تنبّهت لحظتها إلى أنني تركت آثار أحمر شفاهي عليها. وعندما حاولت مُعتذرة، مسْحَ حمرتي سحب يده. وعلّق بين المزاح والجدّ "لا تمسحي قبلتك أُريد أن أُصرِّح بها لرجال الجمارك". لم أسأله وهو مفتي العشّاق، إن كان الأجمل التصريح بقُبلة.. أم تهريبها؟ على الأقل لإقناع البوليس البريطاني، عندما يعثر عليها، بأنّ العرب لا يُهرِّبون المتفجرات والقنابل فحسب. بعضهم يهرِّب القُبل ومناشير الحرّية، ويعلن نفسه شيخاً من شيوخ الحب قبل مجيء زمن السيّافين وشيوخ الموت. أليس هو القائل: "غنّيت النساء حتى صرتُ شيخاً من شيوخ الطُّرق الصُّوفيّة، وصار قلبي ملجأً لطالبات العشق والحياة والحرّية؟". وعلى الرغم من كونه لم يعرض سوى ما تعرضه أميركا اليوم من خدمات، بل وتأمر به من حقوق وحريات للمرأة، فقد هُوجم وحُورب من الذين انقلبوا اليوم على أنفسهم وتقبَّلوا هذا "الأمر" الواقع، عندما غَــدَا أمراً أميركياً، يدخل ضمن موسم الهجرة إلى الديمقراطية الإجبارية.
وعلى ذِكر أميركا، فتمثال "القُبلة"، أحد أشهر الأعمال العالمية. لم يكن على ذوق الأميركيين في القرن التاسع عشر. وأثناء معرض كان مُخصَّصاً لأعمال صاحبه النحات الفرنسي رودان، تم وضع التمثال الضخم في قاعة منفصلة لمنع الجمهور من زيارته، بحجة أن التمثال واقعي أكثر من اللازم! ولا لوم على الأميركان، إن هم قاطعوا القُبل. فعندما كان "عنترنا" يُنشد في ساحة الوغى "وددت تقبيل السيوف لأنها.. لمعت كبارق ثغرك المتبسّم". ما كانت أميركا قد وُجدت بَعدُ. لقد اكتشفت فنّ التقبيل في عشرينات القرن الماضي، أيام السينما الصامتة. ثم نضجت شفاهها على يد هوليوود في الخمسينات. فقد كان الكاوبوي، وهو يطارد المطلوبين للعدالة، أو يُبيد الهنود الحمر، يسرق بين منازلتين وجثتين قُبلة شرهة من غانية صادفها في (بـــار).
اكتشفنا بعد ذلك أن كلّ الحرائق، التي أشعلتها هوليوود كانت، بحطب مغشوش وأعواد ثقاب مُبلّلة. فهاري غرانت رمز الوسامة الرجالية وسيِّد الأدوار العاطفية، كان في الواقع شاذاً لا يُحب النساء. ومارلين مونرو القنبلة الشقراء، كانت حسب شهادة من ضمّوها إلى صدورهم، أو قبّلوها مُكرهين في مشهد سينمائي، امرأة من سلالة الإسكيمو بشفتين جليديتين مُحرقتين. أما وودي آلن الذي يُوحي بمعشر مرح ودافئ، فقد صرّحت زميلته، الممثلة هيلينا كارتر مؤخراً، بأنّ معانقته في السينما كمعانقة حائط برلين.
الخُلاصــــة، في ما يخصُّ القُبل، لا تصدِّقوا ما تقرأونه من خرافات حول تلك القُبل السحرية. ولا تتأثروا بما تشاهدونه من قُبل محمومة في الأفلام الهوليوودية. لا تحتكموا لغير شفاهكم. فليس ثمّة من قُبل بالوكالة!

 الرائعة احلام

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات