قيس مصطفى في " أبحث عنك على google "
مقترحات للحب العصري
دلدار فلمز
" وإذا كنت ستأتين / عندما أكون جالساً في نفسي / ثم تطلبين أن أحضر لك قهوة / فلا تجيئي "ص51
قيس مصطفي صوت شعري متفرد ومتميز منذ مجموعته الأولى " أبحث عنك على google)) " الصادرة مؤخراً عن الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008.
ليس من السهل أن تكتب في هذا الزمن بصوتك الخاص بين عشرات ممن يكتبون الشعر دون أن تعطي اعتباراً للآراء والتصنيفات الجاهزة والسائدة أو أن تكون كسمكة سلمون سابحة عكس التيار وهذا ما نتلمسه ونقرأه في صفحات المجموعة آنفة الذكر.
يقوم قيس مصطفى, هذا الشاب النحيف الطويل ذو الشَعر الخرنوبي, الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين بعد, باقتحام فضاء المشهد الشعري على طريقته ومن خلال نظريته ومعرفته بنفسه وبالحياة العصرية من حوله, واستطاع الدخول بشكل هادئ ومنسجم مع ذاته وقناعاته مشتغلا ومخترعاً طريقته الملتبسة التي ترتقي إلى المعرفة, المغامرة,الرؤية والحدس. عوضاً عن أن يكتب قصائد متكلسة متعفنة منتهية الصلاحية التي غالبا ما تكون مجرد أصداء باهتة لترجمات وشعراء يكتبون باللغة العربية متظاهرين باستعارة بلاغتها:
" كنت تكرهين شقائق النعمان / وهذا يجعلك، أول امرأة تكره شقائق النعمان/ ما يعني أنك ضد مجرى النهر/ الأمر الذي يجعلني أعتبر/ أنه وحتى هذه اللحظة/ حتى أن اللحظة الصامتة/ تعرف/ أن الأسماك الميتة وحدها/ تجري مع النهر/ حتى أن اللحظة الصامتة/ تعرف أنك آخر امرأة أحببتها " ص11
من زخم العشق وطرائق تواصل العشاق مع بعضهم البعض والتعبير عن آليات التفاهم المعاصرة ومن موقعه كشاعر عاشق, يكتب احتراقاته ومشاعره وآلامه في صمت وتأمل, إنه قادم إلى الكتابة عبر بابها الواسع مثقلاً بالعشق والمعرفة بالإضافة إلى إلمامه بمجمل أمور الحياة العصرية ويقترح نفسه من خلال مفردات تجرى في عروقها دماء نقية لا تريد أن تشبه إلا ذاتها ويأخذ من الحب ثيمة أساسية لجميع قصائده, ويواجه خساراته التي تهاجم أعماق قلبه المهشم:
"تبرم الفتاة النحيلة، زمبرك ساعتها, وأنا منخطفٌ لمعصمها, هكذا/ أسألها, عما تقوم به, وهي تتمسح بجسدي وتقول: أنا التي أعبئ الساعات/ بالزمن........." ص73
أنه يستمتع بلحظاته التي ينقلها إلى صفحاته البيضاء ويجسدها كالزاهدين الحالمين, يتأمل الحياة بعنفوانها ومفاصلها ولحظاتها ويتناولها عبر فلتر ذاته وإحساس الكائن الفردي, ويطلعنا على أنفاس روحه العصرية الغنية بالهواجس والتطلعات والآراء والابتهالات ليختصر المسافة بيننا وبين وما يجري ويحدث في حياة هذا الجيل الجديد من الشباب. له سلوكه المختلف في الحب والعيش ومناقشة علائق الأشياء بعضها ببعض بمفردات تخلو من البلاغة والرطانة ويختار كلماته حيثما تشاء الحالة ويوظف منها ما هو أقرب إلى الطفرة تحديدا تلك التي أنتجتها تحولات ثورة التكنولوجيا وما رافقها من مصطلحات وتسميات وافدة في تعاملنا اليومي علماً أن المجتمع لا يزال يتلقى هذه التحولات وتسمياتها بشيء من الإحساس بالغربة رغم أنه يتعامل مع ما تفرزه هذه التغيرات من أنماط وأساليب العيش ضمن إيقاع الحياة العصرية التي تفرض بدورها وسائل وتقنيات حديثة:
"غداً عندما أموت منتحراً/ ويخرج النعاة من سماعة تيلفونك/ سيدفنونني في أرض مالحة/ غريبٌ, وقلبي موحش/ تجمع الصراصير أحشائي في بطونها/ عظامي ستخرج من القبر/ وتقرع طبل أذنيك" ص91
لا يتردد قيس في استخدام كل ذلك في قصائده بدءاً بالمفردات وانتهاءً بالموضوع, وحتى عنوان مجموعته يدل على ذلك بشكل واضح وصريح, وبهذه الأدوات يقترح قيس تجربته الشعرية الأولى لغة وأسلوبا.
مقترحات شعرية وتوغل في مساحات شاسعة من الصمت والفراغ وفي المحصلة قصائد مستلة من مفاصل الحياة وصخبها يرصدها بمفردات منسجمة مع بعضها البعض حيث المبنى والمعنى .
السفير 14- 2-2009
التعليقات (0)