قيادة المرأة للسيارة .. دعوة للتأمل!!
علي بطيح العمري
في اعتقادي أنه لم تحظ قضية من قضايانا بالنقاش والتحاور بل حتى الخصام حولها مثل ما حظيت به قضية قيادة المرأة للسيارة ، واعتقد أن السبب هو حجم هذا الموضوع وكونه يمس شريحة كبيرة من المجتمع.
اليوم سأتحدث عن ذات القضية لكن من زوايا أخرى بغض النظر عن رأيي الشخصي في المسألة سواء كان بالتأييد أو الرفض ، وذلك لأن مسألة كهذه لها أبعادها السياسية والاجتماعية بل حتى الدينية.
وإذا أردنا أن ننظر إلى الموضوع من عدة زوايا فأغلب آراء المؤيدين تدور حول حالات خاصة فهم يشيرون إلى أن هناك نساء لا عائل لهن ويحتجن القيادة لظروفهن الخاصة ، لكن بطبيعية الحال فوجود ظروف خاصة لدى نسبة ضئيلة لا يكفي أن يكون سبباً لتعميم الفكرة ، وهناك من يقول إن المرأة تقود السيارة في البادية فما المشكلة أن تقودها في المدينة ، وهذا صحيح لكن اللبيب يدرك الفرق بين مجتمع البادية والمدينة وشتان ما بينهما ، وثالث يعول على كثرة السائقين الأجانب وخطرهم الواضح على الأسرة ، لكن السماح للمرأة بالقيادة لا علاقة له بالسائقين وفي دول الجوار المرأة تقود السيارة وفي ذات الوقت يستقدم السائق.
هناك من يعول على أن القضية هي قضية اجتماعية بالدرجة الأولى فالرأي الشرعي أن قيادة المرأة الأصل فيه الإباحة وكما يقول عائض القرني إن قيادة المرأة للسيارة لم ترد في سورة الأنفال أو التوبة ، وأنا لا أعتقد أنها من السبع الموبقات ، لكن القضية تنتقل إلى دائرة سد الذرائع المترتبة على قيادة السيارة والتي سأذكر بعضها بعد قليل ، وقاعدة سد الذرائع ليست قاعدة أصولية فقهية فحسب بل إنها قانونية واجتماعية أيضاً ، إضافة إلى ما ذكر هناك كذا تصريح لمسؤول سعودي بأن القضية تعود إلى المجتمع وأن الأب والزوج والأخ إذا رضوا فالدولة لا تخالف رأياً اجتماعياً..
هذه بعض الآراء المطروحة والتي تتردد بين الفينة والأخرى .
ولكن قبل السماح بالقيادة أو حتى الإبقاء على الرفض للقضية هناك الكثير من الجوانب التي ينبغي النظر إليها بعين الحرص على وحدتنا وعلى مجتمعنا ، ولعل منها:
أولاً: هناك نمو سكاني هائل في المملكة إضافة إلى أعداد غفيرة من الوافدين الذين وبحسب سجلات وزارة العمل أنهم في ازدياد ، هذه الأعداد وهذا النمو تطلب وجود ملايين السيارات في شوارعنا مما سبب الزحام والاختناق المروري لحركة السير ، ولعل وسائل الإعلام لا تبخل علينا حينما تطل بشكاوى الناس من هذا الزحام وأن الواحد يقضي الساعات ليقطع مسافة قصيرة ، فلو سمع للمرأة بقيادة السيارة هل ستزداد المشكلة أم ستقل ، وهل ستكون حركة السير عسيرة وهي اليوم شبه عسيرة أم ستكون في انسيابية تامة؟
ثانياً: الحوادث المرورية في ازدياد وبنظرة خاطفة لصفحات الصحف فالقتلى والجرحى بالعشرات ، وأكثر مسببات الحوادث هي السرعة وطيش الشباب وتهور السائقين لأن "المرور" والدوريات الأمنية (مع تقديرنا للمخلصين منهم الذين يحاولون إنعاش هذا النظام) في سبات عن تطبيق أنظمة المرور الوقائية وعلى سبيل التمثيل لا الحصر خذ مخالفة السرعة (مثلاً) باعتبارها من أكثر أسباب الحوادث باعتراف المرور فالناس اليوم يسرعون ويفتعلون السرعة الجنونية مع أنه لا يخلو طريق من طرقنا من لافتة مرورية كتب عليها "الطريق مراقب بالرادار" ، وهذا الرادار الأكيد أنه معطل أو لعل أدركته "نومة" أهل الكهف!! سؤالي هنا لو سمح بقيادة المرأة هل ستزداد هذه الحوادث أم تقل؟!
ثالثاً: هيئة كبار العلماء تأسست بمرسوم ملكي والهدف من تأسيس هذه الهيئة هي أن تكون مستشاراً شرعياً لولي الأمر "الملك" ، ولذا فالدولة تعتمد رأيها وتجنح إلى موقفها في القضايا التي لها صلة بالجانب الشرعي ، وموقف الهيئة حتى الآن هو رفض قيادة المرأة ، سؤالي هل سيسمح بموضوع كهذا في ظل معارضة الهيئة بكل رجالاتها خاصة إذا علمنا أن القرار قبل إقراره وتعميمه يفترض أن يمر على جهات الاختصاص في شتى المجالات ذات الصلة والمختصة بالموافقة؟
رابعاً: بعض شبابنا مصاب بسعار جنسي فقد تحولوا إلى مطاردين للمرأة ومغازلين للجنس الناعم حتى لو كانت المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً ، واسألوا الأسواق والمراكز التجارية إن كانت تنطق .. صحيح أن "البنت" قد تكون سبباً مباشراً في وقوع التحرش عليها نتيجة لباسها المخصر أو حركاتها الإيحائية أو تجولها بين المحلات بلا هدف أو غاية ، ومع أن الهيئة مشكورة لها مواقف في ردع هؤلاء وقمع حركاتهم وتمرداتهم والقبض على من تسول له نفسه .. لكن هذا السعار موجود بيننا رغم هذا التشديد بل حتى أمام مدارس البنات غدا سمة للشباب مما يدل على أن هذا السعار لو ترك لازداد أكثر وأكثر .. فلو قادت المرأة السيارة خصوصاً عند مرورها بالأماكن التي ذات الكثافة الشبابية والمرتادة من قبل الشباب هل ستزداد المطاردات أم أنها ستتلاشى؟!
خامساً: بعض الأسر تعاني من هروب الفتيات واختفائهن ، صحيح أن البيت قد يكون السبب لأنه تحول إلى جحيم لا يطاق للشابة لكن بالتأكيد ليس كل الهروب سببه البيت الطارد ، هذا أمر والأمر الآخر لدى غالبية النساء ولع بالخروج وحب التجول والتسوق فلو قادت المرأة السيارة هل سيزاد الخروج للحاجة ولغير الحاجة وسيتكرر الهروب من البيت أم أن هذه القضايا لا وجود لها إلا في ظل عدم القيادة؟!
سادساً: المرأة لو قادت سيارتها كيف يتعامل معها رجل المرور هل ينزلهامن السيارة وهل سيقتادها للتوقيف!! وهل يحرر لها المخالفة وفق هويتها أم على لوحات السيارة!! هل سيقوم المرور بتخصيص توقيف نسائي بجانب الرجالي! أم سيقوم "بالدمج" بين المخالفين والمخالفات!
أخيرا..
كما قلت من قبل أنا أطرح هذه الأفكار فقط بغض النظر عن تأييدي للقضية أساساً أو معارضتي لها ، ولكنها خواطر جالت في نفسي ، لأننا حينما نطرح رأياً ما يهم المجتمع فعلينا النظر في الأبعاد المتعددة والزوايا المختلفة للقضية وأن ننظر لكل اتجاهات الموضوع بعينين لا بعين واحدة ، والأهم أن نختار ما فيه صالح بلادنا ووطننا العزيز وأن نقول آراءنا بعقلانية وبلا انفعال.
ولكم تحياااتي.
ليل الاثنين 20/6/ 1432هــ
للتواصل
alomary2008@hotmail.com
التعليقات (0)