مواضيع اليوم

قوى الأمر الواقع تلغي نتائج الانتخابات وتملي ارادتها على الاكثرية

عبدو شامي

2009-08-07 12:42:32

0

 

قوى الامر الواقع تلغي نتائج الانتخابات وتملي ارادتها على الاكثرية

 

نجحت قوى الأمر الواقع المسلحة في احتواء نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وإلغاء مفاعيلها السياسية والدستورية عبر الإلتفاف على قواعد اللعبة الديموقراطية، بعد فرضها على الأكثرية بقوة السلاح صيغة حكومية تتنكر للارادة الشعبية التي عبرت عن نفسها في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وكان لافتاً طوال فترة التشكيل، تصرُّف حزب ولاية الفقيه كأنه الرابح في الانتخابات النيابية، في حين تصرفت الأكثرية كأنها الخاسرة!
ففور اعلان نتائج الانتخابات دعت الأكثرية الى تأليف حكومة وحدة وطنية متنازلة عن حقها في تشكيل حكمومة أكثرية، ثم قبلت بالتخلي عن نصاب الثلثين داخل الحكومة ورضيت بالنصف زائداً واحداً(أي16وزيراً) دون ثلث معطل للمعارضة، ثم ما لبثت أن تخلت عن هذا النصف جزئياً وأعطت المعارضة ثلثاً معطلاً مموّهاً. ولم يقف المشهد الهزلي عند هذا الحد، بل أوحى تفاؤل الرئيس نبيه بري بقرب الاتفاق على شكل الحكومة العتيدة، ثم إعلانه وجزمه من قصر بعبدا في 29/7/2009 بأن:"العملية السياسية المتعلقة بتأليف الحكومة انتهت وبقي أمر تقني هو الأسماء والحقائب"، وذلك قبل إعلان الرئيس المكلف نفسه، أوحى وكأن مهمة تأليف الحكومة وترؤسها قد أوكلت الى المعارضة متمثلة بشخص الرئيس بري، وأن الرئيس المكلف الحقيقي سعد الحريري وفريقه السياسي لا يملكان سوى التسليم بالامر الواقع والخضوع لإملاءات المعارضة.
أما نتائج المشاورات فقد أفضت الى اعتماد صيغة 15ـ 10ـ 5، يحصل فيها رئيس الجمهورية على حصة وازنة في الحكومة من خمسة وزراء من طوائف متعددة، يأتي ضمنهم وزير سني يحظى بموافقة الأكثرية بحيث يؤمّن لها الأكثرية المطلقة (النصف +1) اذا ما خرج عن إرادة رئيس الجمهورية في موضوع تعذّر التوافق عليه بين الطرفين، في حين تحصل الأقلية على حصة تحتوي على ثلث معطل مضمر أومستتر، بعدما وافقت وساهمت في اختيار "الوزير الوديعة" في حصة رئيس الجمهورية الذي يؤمّن لها هذا الثلث، ونعني بذلك الدكتور عدنان السيد حسين المدعوم من الثنائي الشيعي والذي يصنف في خانة النخبوية الشيعية المتعاطفة مع خط ما يسمى بـ"المقاومة" وجسمها السياسي؛ وهو من أطلقت عليه بعض أوساط المعارضة تسمية "الوزير الضامن".
وبذلك تكون المعارضة قد نجحت في اعادة إنتاج اتفاق الدوحة معدلاً، والتمديد لمفاعيله، بعد وضع مسحة من "الماكياج" التمويهي عليه لتكييفه بالحد الأدنى مع نتائج الانتخابات النيابية لكن صورياً، أي شكلاً لا مضموناً.
وهذا يعني أن فريق 8آذار قد حقق انجازاً تاريخياً بفرض عرف "فيتو" التعطيل مداورة في الحكومة العتيدة، حيث بات لكل من فريقي الأكثرية والمعارضة نسبة الثلث المعطل داخل الحكومة، ما يشكل مقدمة لتعديل اتفاق الطائف بما ينسجم مع الحجم الجديد المتعاظم للحزب المسلح الذي يحتكر طائفته ويسعى جدياً نحو المثالثة مهما حاول التنكر لذلك.
هذا، وتعدّ الحكومة الجديدة ملغومة بالثلث المدمر والقاتل، على الرغم من محاولات بعض قادة الأكثرية والمعارضة نفي تلك الحقيقة المرة عن اللبنانيين، وجمهور ثورة الأرز منهم خصوصاً. ففضلاً من الشرح المتقدّم، ليس أدل على تضمّن الصيغة المتوافق عليها ذلك "الفيروس" القاتل ـ الذي لا بد أن يكشف عن وجهه يوماً ماـ من البيان الذي وزعه حزب ولاية الفقيه في 30/7/2009، فقد تضمن موقفاً لأمينه العام حسن نصرالله اكد فيه ان: "الحكومة العتيدة هي حكومة شراكة حقيقية"؛ وقال: "انجزنا خطوة مهمة جدا، وانا لا اريد ان اقف عند الشكليات ولكن اؤكد لقواعد المعارضة وقواها جميعا ان الحكومة التي ستشكل هي حكومة شراكة وطنية حقيقية". وإذا ما تتبعنا مفهوم الحزب للشراكة الحقيقية، فسنجد أنه يعتبرها مرادفة للثلث المعطل، بدليل قول أمينه العام في خطابه الشهير في 15/5/2009الذي اعلن فيه السابع من ايار يوماً مجيداً من ايام المقاومة في لبنان: "اي احد يريد ان يكون شريكاً حقيقياً في البلد يفتش عن الثلث الضامن في الحكومة". وكلام القيادي في الحزب نواف الموسوي في 28/4/2009 يعبرعن المفهوم ذاته عندما اعتبر:" ان المشاركة الحقيقية لا تكون الا بالصيغة التي تمتلك فيها مكونات مجلس الوزراء حق النقض". وإذا تأملنا قليلاً، سنلاحظ أن الصيغة التي تحدث عنها الموسوي هي الصيغة الحكومية ذاتها التي فرضها الحزب على الأكثرية اليوم، عبرالتهديد المبطن بالعودة لاستعمال السلاح في الداخل إن هي لم تتجاوب مع مطالبه، مع العلم أن هذا التهديد بحد ذاته شكل من أشكال ذلك الاستعمال الممنوع؛ فمخطئ من يظن أن سلاح الحزب لم يعد موجّهاً للداخل بغرض تحقيق مكاسب سياسية.
ونحن إذ نعيد التأكيد على أن تلك الصيغة المخزية التي جرى اعتمادها في تشكيل الحكومة الجديدة قد فرضت بقوة السلاح، لسنا في وارد اختلاق الحجج لتبرير خضوع الأكثرية لإملاءات المعارضة وإهدائها انتصارها مخالفة بذلك إرادة الجمهور الإستقلالي والسيادي الذي منحها ثقته في السابع من حزيران الماضي، بل تلك حقيقة مثبتة بالوقائع التي تلت تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.
فعشية بدء الرئيس المكلف مشاوراته مع الكتل النيابية حول نظرتهم لشكل الحكومة العتيدة، افتعلت ميليشيات المعارضة في 28/6/2009 أحداث عائشة بكار الدموية موقعة قتيلة وستة جرحى؛ وكان ذلك كافياً في إيصال الرسالة لقوى الأكثرية. وفي17تموز2009، اطلق حسن نصرالله سلسلة مواقف في هذا المعنى، كاشفا انه لم يطلب من الرئيس المكلف اي ضمانات لسلاح المقاومة او لقرارات المحكمة الدولية، ما يذكرنا "بمعادلة السلاح يحمي السلاح" التي أرساها خلال حوادث السابع من أيار الإرهابية. وتابع في الخطاب نفسه:"بعد الانتخابات تصرفنا على اساس اننا قبلنا بنتائج الانتخابات، ودخل البلد في مرحلة هدوء وانتظار،إن ايجابية المعارضة وقبولها النتائج اخذا البلد نحو الهدوء"؛ وان اللبيب من الاشارة يفهم. ولم يكتف الحزب بذلك التهديد المبطن، بل تجاوزه الى التهديد الصريح في 25تموز 2009، حين قال أمينه العام خلال لقاء جمعه مع مغتربين لبنانيين:" ان الحزب جبل راسخ والمحكمة الدولية لاتهز شعرة واحدة في الحزب، وكل من يقف خلف هذه الامور سيندم، وليعلم الجميع ان ما فعلناه في 7 ايار كان مجرد هز اليد، ونحن اقوياء لدرجة تمكننا من قلب عشر طاولات لا طاولة واحدة".
المشكلة في لبنان هي أن قوى 14آذار التي منحها الشعب الأكثرية في الانتخابات النيابية وبالتالي منحها السلطة، لا تملك السلطان لكي تمارس أكثريتها وسلطتها في الحكم، فليس لها سوى رئاسة الوزراء مجردة من حكومتها، أما القصر الجمهوري فليس بيدها، ورئاسة مجلس النواب محرمة عليها. على عكس قوى المعارضة أو الأقلية الخاسرة في الإنتخابات، فهي قوى الامر الواقع التي لها سلطان وبأس وقوة، ما يخولها التحكم بالسلطة وفرض شروطها وسياساتها على الأكثرية بالتهديد والوعيد.
ومهما حاولت قوى الأمر الواقع تفريغ انتصار قوى الأكثرية من مضامينه، يبقى للأكثرية وجمهورها السيادي شرف وانجاز الوقوف في وجه المشروع الخارجي الذي تتبناه قوى الأقلية والحؤول دون وضع يده بالكامل على البلاد، بعدم تمكينها اياه من الجمع بين السلطة والسلطان بشكل رسمي في آن معاً.
وطالما أن ثمة أكثرية تحمل شعار "لبنان أولاً" و تلتزم بمبدأ "لبنان الاعتدال والمناصفة والعيش المشترك أولاً"، وتسعى لتطبيق قناعاتها، فإن جمهور الحرية والسيادة والاستقلال الذي انتفض في 14آذار2005 دفاعاً عن تلك المبادئ، سيبقى يراهن على الأكثرية التي أنتجها في ذلك اليوم التاريخي المجيد، مستعداً لجميع العواقب، ومتحدياً كل الصعاب. 
                                                                                                                                            عبدو شامي

 

قوى الأمر الواقع تلغي نتائج الانتخابات وتملي ارادتها على الاكثرية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !