في المغرب قد تقوم الدنيا و لا تقعد بسبب حفلة لحفنة من الشواذ، أو بسبب دعوة افتراضية إلى حرية الإفطار العلني في رمضان، أو حتى بسبب تعري ممثلة في مشهد درامي على خشبة المسرح...
يمكن لقائل أن يقول : إن ذلك يعبر عن تشبث المغاربة بهويتهم الثقافية التي لا يسمحون بالإساءة إليها. و الحال أن التفاعل مع الأحداث الجارية و الإرتباط بنبض الشارع هما المعبران الحقيقيان عن حياة المجتمع و ديناميته. لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو: ما الذي يعنيه هذا التفاعل و الإرتباط؟. ذلك أن الإلتفاف حول " التفاهات" و النفخ فيها إعلاميا لا يخدم في نهاية المطاف إلا الذين اختاروا اغتيال العقل الجمعي و نجحوا في توجيهه عن القضايا الحقيقية و الملحة التي تتعلق بالواقع اليومي للمواطن المغربي، و إغراقه في نقاش عقيم حول مفاهيم يراد لها أن تكون محور الإهتمام بدل الالتفات إلى الهم اليومي المرتبط بالقدرة الشرائية و الشغل و الصحة و التعليم و غيرها من شؤون الحياة اليومية التي تمس المواطن .
إن الذين اختاروا أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على الشرف المغربي، و باتوا يقدمون دروسا في الأخلاق و العقيدة على أعمدة الصحف و في المنتديات العامة بمناسبة أو بدونها، إنما يساهمون بذلك في لعبة التضليل الإعلامي التي لطالما كانت سياسة ناجحة انتهجتها عدد من الدول لتوجيه الأنظار عن القضايا الإجتماعية التي تمس المواطن مباشرة إلى أمور أخرى. و يمكن لهذا الأسلوب التضليلي أن ينجح في إقناع الملايين من المغاربة للتظاهر من أجل العراق و فلسطين... في الوقت الذي لا يجد هذا المواطن أمام إكراهات الواقع و متطلبات الحياة إلا أن يسلم أمره لله دون أن يحرك ساكنا، لأنه تعلم أن الصمت في مثل هذه الأمور حكمة. و هو في أحسن الأحوال يكتفي بالتأفف تعبيرا عن عدم الرضى، ثم يجد نفسه بعد ذلك قانعا بالنصيب و مستسلما لقضاء " أصحاب الحال"...
يبدو أننا لا نطرح الأسئلة الصحيحة. لذلك نشغل أنفسنا بملهاة تلو الأخرى في مشهد يتكرر باستمرار، و معه يستمر نفس الجمود و يتكرس نفس الواقع. فما الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة لنا في هذه المرحلة؟. هل هو التعري في مشهد مسرحي أم التعري العام الذي طال جيوب المغاربة في ظل لهيب الأسعار؟.هل هو الجدل بخصوص زيارة مرتقبة لشيمون بيريز إلى بلادنا أم النقاش حول تردي الخدمات الإجتماعية؟. هل هو أداء لاعبي المنتخب المغربي لكرة القدم أم أداء وزراء الحكومة المغربية؟. هذه الأسئلة و غيرها تعبر عن خلل في تصنيف و ترتيب الأولويات، يراد بموجبه للمواطن المغلوب على أمره أن يتفاعل مع كل ما هو ثانوي و بعيد عن همومه اليومية، بينما في كل ما يتعلق بتكاليف حياته، يبدي انخراطا عجيبا في نغمة اللامبالاة الجماعية، مرددا لازمة: العام زين... محمد مغوتي.
التعليقات (0)