كان القائد يُرسل لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في ميدان القتال طالبا المدد، فعلى سبيل المثال أرسل له سيدنا سعد بن أبي وقاصٍ في موقعة القادسية في بلاد العراق يطلب المدد، فأرسل إليه رجلٌ واحد وقال له في رسالة مرفقة:
(أرسلت إليك المقداد بن عمرو ولن يُغلب جيشٌ فيه المقداد بن عمرو)
وصدقت فراسته، فإن العدو تناوش الجيش وهمَّ بعض أفراد الجيش بالتخاذل والرجوع للخلف،فصاح المقداد وهجم بمفرده على الجيش المتقدم من الفرس وتحمَّس لخروجه نفرٌ من المسلمين وكان ذاك سبب النصر.
يقول في ذلك الإمام محي الدين بن عربي رضي الله عنه:
(لو ظهرت روح أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه، لهزمت جيشاً بأكمله)
ليست العبرة بالجسم وقوة الجسم .. ولكن العبرة في الروح التي تسكن هذا الجسم،
يقول في ذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه:
علىّ ثيابٌ لو يُباع جميعها بفلسٍ *** كان الفلــس منهــــن أكثــــرا
وبينهما نفسٌ لو يُقاس ببعضها *** نفوس الورى كانت أعزّ وأكبرا
وما ضرَّ نصلَ السيف إخلاقُ غمده *** إذا كان عضباً حيث وجهته فرى
ليس المهم الزّى، ولا المهم في المظهر!! ولكن المهم من يسكن في هذا المظهر الذي فيه اليقين،وفيه التمكين، وفيه صدق الإيمان، وفيه صلابة العقيدة التي تلقاها من حضرة النبي، أو من ينوب عنه صلوات الله وتسليماته عليه.
وحاصر عمرو بن العاص حصن بابليون في مصر، وطال الحصار،
وعلم أن الروم جاءهم مدد .. وبلغ عددهم مائة وعشرين ألف مقاتل،
وكان جملة ما معه من جنود المسلمين أربعة آلاف، فأرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب المدد، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه أربعة آلاف جنديّ، ومعهم أربعة رجال، وأرسل مع الجيش رسالة قال فيها:
(أرسلت إليك أربعة آلاف جندي، وأربعة رجال هم:
الزبير بن العوام ومسلمة بن مخلد وعبادة بن الصامت والمقداد بن الأسود، وكل رجل منهم بألف فيكون جيشك إثني عشر ألفا،
ولا يُهزم جيش من إثنى عشر ألف مقاتل)،
(أخرجه أحمد عن ابن عباس)
فالرجل بألف، هذا المعنى مُقتبسٌ من قول الله تعالى:
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) (120النحل)
رجلٌ واحد .. ولكن يساوى أمة، ليس في مظهره ولا قوته البدنية،
ولكن في جوهره وخبره وقوته الروحانية وصلابته القلبية،
ونفسه القدسية التي غُذِّيت بما عند الله عزَّ وجلَّ من اليقين.
ربَّىَ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الأجلاء على هذا،
ففجَّر فيهم هذه الطاقات الربانية التي استودعها فيهم رب البرية،
وكل إنسان فيه طاقات لا يعلمها إلا الكريم الخلاق،
لكن أغلب الخلق يتكاسل ويتخاذل ويظل حتى يأتيه الموت
ولم يستغل عُشر معشار ما فيه من طاقات أودعها فيه الخلاق عزَّ وجلَّ ،
وهى موجودة فيه ويسلمها كما هي لله عزَّ وجلَّ.
منقول من كتاب :شراب أهل الوصل
لتحميل الكتاب مجانا أضغط
http://www.fawzyabuzeid.com/كتب/شراب-أهل-الوصل/
التعليقات (0)