كثيرة هي الهموم التي تعصف بالمجتمع العربي ، وكثيرة هي المتاعب التي يتعرض لها المواطن العربي ، على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام ..
كان المواطن العربي اذا خاف امرا اغلق عيه بابه ، واوصد شباكه ، وتحصن داخل بيته ... الذي ظن على مدار عقود كثيرة انه حصنه الحصين وانه وكره الامين .. وانه فيه في مأمن من كل شر ، احجم الناس في المجتمع عن استقبال بث القنوات الارضية بالابيض والاسود .. من المحطات الارضية المحلية والمجاورة التي يتمكن اللاقط ( الانتين أو الشبكة ) من استقبالها ..
كانوا يشاهدون ما يشاهدون وهم بين امرين احلاهما مر ..
اما الاول فكانوا يرغبون في مشاهدة تلك النافذة الفضية التي تنقلهم من اماكنهم بعيدا .. يمتعون النظر .. ويعرفون الخبر .. ويقارنون حياتهم بغيرهم من بني البشر ..
واما الامر الثاني فكان حاجز التقاليد والعيب والحرام ومالا يجوز .. كانت غمزة سميرة توفيق .. اكبر اغراء يمكن ان نشاهده على تلك الشاشة .. كانت الغمزة محبوبة .. وكانت مستهجنة .. ولكنها كانت تأتي في سياق جميل يتقبلها الكثير من الناس ...
وكان مقطع رجل ينام مع زوجته في فيلم او مسلسل امر مخزي معيب يداري كل من يراه راسه بعيدا .. كنت ارى الكثير ممن يغلق التلفاز حتى يتأكد من أن تلك اللقطة قد انتهت .. وكان الكثير من الاطفال .. يغضون البصر وهم يصرخون اللقطة اللقطة .. وكأنهم يطالبون اغلاق التلفاز ..
اليوم فتحت ابواب ونوافذ كثيرة .. وبات البيت مشرعا .. لن يحميه اغلاق باب او نافذة .. فاذا كنا نغلقها ممن هم في الخارج ..وخوف من الخطر فاليوم الاخطار والخارج كله اصبح في الداخل .. دخل الناس الى بيوتنا دونما استاذان ومن غير ان نملك قدرة على السماح لهم بالدخول والخروج او حتى بالبقاء ..
دخل العرب كلهم ، والامريكان والاوروبيون والهنود والاتراك واليهود والقرود السود والسمك في البحر .. جميعهم دخلوا البيوت دونما استإذان ..ربما صاحب البيت ينام وهم يبقون ... يمارسون الفضيلة والرذيلة على اعين الاشهاد بلا خجل أو وجل وبلا رقيب أو محاسب ..
نرى كل ما نرى بعين المتمنع الراغب ..ونشاهد ما نشاهد .. لنقول من بعد ذلك هذا حرام وهذا حلال .. هذا سيل من الفضاء يفيض علينا ..وهل نملك سدا او حائط صد لهذا أو ذاك .. وهل نملك ما نرد به على ما ياتينا من الكون الواسع ..
القنوات الفضائية التي تكفلت بافساد ما بقي صالحا اكثر بكثير من تلك التي وقفت لتجابه الفيضان .. وتمنع الطوفان ... وكانت حيلة القنوات التي تنبع من ثقافتنا وتقاليدنا وعقيدتنا ضعيفة امام تلك صاحبة الهجوم القوي بما تملك من خبرة اوسع وقدرة اكبر وميزانية أضخم .. ومشاهدين ومشجعين اكثر ..
يتم بكل اسف اغلاق قناة دينية .. كقناة الرحمة ، والصفاء ، والناس ، والحافظ .. بينما يبقى بث قنوات ليست اكثر من قنوات تروج للاباحية والفساد والعري ...من المسؤول عن تلك القرارات التي تتحكم برقاب وقلوب الناس في عالمنا العربي المنتهك حد النخاع .وماذا سيقول لربه يوم الحساب ، وماذا سيقول لامته وهو يراها تنهزم اما الفيضان حافية عارية .
ونحن نعيش الازمة الاخلاقية التي تعصف بنا ، هل نملك مجابهة لهذا ، هل نملك ان نغلق قنوات البث الفضائي في بيوتنا ، ونحكم اغلاق الفضاء ، هل نملك ان نتحصن بحصن البيت والثقافة العربية الاصيلة ، هل نملك ان نرفض او نقبل ..ونحن لسنا اكثر من ريشة في مهب الريح .
التعليقات (0)