قنبـلـــة نوبل للسلام
هل يستحق أوباما الجائزة؟
باراك حسين ... باتت الأرقام القياسية تلاحقه في كل زاوية ومنعطف
على نحو سريالي وكوميدي مضحك في آن واحد تم منح الرئيس الأمريكي باراك حسين جائزة نوبل للسلام هذا العام .. وجاء الحدث مسببا بالطبع ضجة عالمية كبرى ليس لأنه رئيس أكبر وأخطر دولة في العالم وإنما لأسباب أخرى أهمها أنه لم يمض على وصوله لسدة الحكم في البيت الأبيض سوى 9 أشهر لاغير بالإضافة إلى أن أقواله ومساعيه المتفائلة لم تثمر حتى هذه اللحظة عن نتائج واقعية على الأرض .... فهو على سبيل المثال وإن كان يسعى جادا للوفاء بوعوده بشأن سحب القوات الأمريكية من العراق فإنه في واقع الأمر لم ينجز سلاما فيه .... ولا توجد دلائل أومؤشرات بأن مجرد انسحاب الجيش الأمريكي من العراق سيكفل تحقيق السلام بين ربوعه .. بل على العكس هناك قناعات لدى الجميع بأنها ستكون بداية حرب أهلية وصراعات إقليمية شبيهة بتلك التي كانت في لبنان ما بين عامي 1975م وحتى تاريخه رغم سلام الطائف عام 1989م.
ما من أحد إلا ويعلم أن الهدوء المؤقت الحالي في العراق إنما توصلت إليه القيادة العسكرية الغازية الأمريكية فيه بعد دفع رشاوي وأموال طائلة لزعماء القبائل والفصائل والمليشيات .... ومن ثم فإنه حالما يجف المعين لن يكون أمام زعماء القبائل والمليشيات سوى التوجه نحو القوى الإقليمية المحيطة لتأمين تدفق الأموال ، مما يعني تمزق هذه القبائل والمليشيات وتشتت ولاءاتها بين عدة قوى بعد أن كانت ولا تزال تدين للولاء المشروط لجهة واحدة هي قيادة القوات العسكرية الأمريكية الغازية في العراق.... ثم أن هناك ظلال قاتمة لا تزال تحيط بقرار أوباما عدم نشر العديد من الصور الفوتوغرافية وأفلام فيديو توضح المدى الذي وصل إليه التعذيب في سجن ابو غريب العراقي ومعتقل غوانتنام وعلى نحو يتعارض مع ابسط قواعد حقوق الإنسان وبرغم إصدار المحاكم الأمريكية قرارات تؤيد نشر هذه المستندات المصورة على الملأ .. فأي سلام هذا الذي يريد أوباما اقناعنا بأنه بسعى إليه؟
كذلك فقد وعد أوباما بأن يفرغ من أفغانستان عبر زيادة القوات الأمريكية فيه وبالتالي تحقيق هدف القضاء على بن لادن وطالبان ... ولكن الذي يجري على أرض الواقع الآن في أفغانستان يشير إلى أن زمام المبادرة قد بات في يد طالبان وقد تتالت التفجيرات الموجعة تلو الأخرى وبدأ التحالف الغربي والشرقي على حد سواء في التفكك .. وربما تعود القوات الأمريكية في المستقبل القريب إلى سياسة القصف الجوي كحل تكتيكي يؤمن لجنودها طول العمر ولآلياتها على الأرض السلامة من كل سوء.
مشكلة دارفور التي وعد أوباما بحلها سريعا لا تزال تراوح مكانها على الرغم من أنه بالإمكان حلها خلال ساعة واحدة إذا هاتف الرئيس أوباما رصيفه الفرنسي سيركوزي وطلب منه إصدار أمر حازم للرئيس التشادي إدريس ديبي بالتوقف عن مساعدة ودعم وتحريض متمردي دارفور والكف عن الاستغراق في أحلام اليقظة بتكوين ما يسمى بدولة الزغاوة الكبرى التي تضم تشاد وأجزاء من إقليم دارفور السوداني..... وجميعنا يعرف أنه لولا تشجيع فرنسا للرئيس التشادي وحمايتها له بل ووقوفها إلى جانبه في مواجهة شعبه لما تورط هذا (الحالم) في إشعال نزاع دارفور ولما وجد متمردي دارفور شربة ماء أو كسرة خبز.
الملف الفلسطيني وبكل ما يشمله من اعتداءات إسرائيلية وحرب إبادة وتجويع ومصادرة أراضي تشنها في الضفة الغربية وغزة ومستوطنات غير شرعية ومحاولات جريئة لضم هضبة الجولان جميعها تؤكد أنه لا حظوظ لأوباما ولا قدرات حقيقية لديه في إيجاد حل سلمي .
استراتيجية التصريحات والخطب الرنانة التي يواجه بها أوباما مسألة السلاح النووي الإيراني هي الأخرى باتت مصدر سخرية . وأما تهديداته الجدية الأخيرة بفرض عقوبات على إيران فجميعنا يدرك أن فرض العقوبات الاقتصادية لا تعاني منه سوى الشعوب ، وليس الأنظمة الحاكمة لاسيما الشمولية والديكتاتورية منها......
وربما يتلكأ أوباما في هذه المسألة أكثر من غيرها لأنه يدرك على نحو جلي أن القنبلة النووية الإيرانية لو تم صنعها وتفجيرها فإنها لن تكون مهددا سوى لدول الخليج العربي المسلم ولا علاقة لها بأمن إسرائيل وسلامة يهودها.
هناك أقليات مسلمة في العديد من الدول الأفريقية والفلبين والصين وروسيا تعاني من العسف والتجويع والإبادة الممنهجة البطيئة والضرب على من يتبقى من الأحياء منهم بيد من حديد وعلى نحو ألجأهم إلى قمم الجبال وأحراش الغابات في ظل صمت أمريكي مريب لا يمت إلى معاني السلام وحقوق الإنسان بصلة.
إذن لماذا تم منح أوباما جائزة نوبل للسلام بعد كل هذا ؟
سارع القس الجنوب أفريقي ديسموند توتو الحاصل على نوبل للسلام عام 1984م إلى التصريح بعد سماع نبأ منح أوباما الجائزة إلى القول بأنها منحت له (كمقدم) لتشجيعه على المضي قدما في رغباته الصادقة لإحلال السلام في ربوع العالم أو جعل العالم أكثر أمنا على أقل تقدير ...
رأي يبدو منطقيا ومقنعا للوهلة الأولى .. ولكنها المرة الأولى التي نسمع فيها بمنح هذه الجائزة (مقدمــا) و (عربــون) .. وأعتقد أن في ذلك إخلال بالشروط المبدئية التي وضعها صاحب هذه الجائزة الصناعي السويدي الفرد نوبل (مخترع الديناميت) وهو منحها عن ما تم من إنجازات تخدم البشرية وليس منحها لما قد يتم من إنجازات في رحم الغيب قد تتحقق أو لا تتحقق .....
ولو كانت نوبل للسلام تمنح بالأماني العذبة وحدها لكان بعض الزعماء العرب (وعلى رأسهم ملك التنازلات الرئيس الفلسطيني محمود عباس) الأجدر بالحصول عليها شهريا وليس سنويا.
التعليقات (0)