الجعفري: ما يتعلق بالانسحاب أعتبره إنجازاً وطنياً، وعيداً وطنياً لإنهاء فصل وجود قوات أجنبية في العراق، وما بعد الانسحاب سيقع على عاتق القوات الأمنية العراقية مسؤولية التصدي للملف الأمني، وإن كانت مسؤولية التصدّي باشرت بها القوات الأمنية العراقية حتى مع وجود القوات الأجنبية في العراق، وأخذت صفة تدريجية منذ فترة طويلة، وتمدّدت، واتسعت لملء الفراغات والاضطلاع بهذه المهمة.
كنا نتطلع منذ زمن بعيد لأن نختصر فترة وجود القوات الأجنبية؛ لأن وجودها في العراق علامة ضعف، وجود القوات الأجنبية يعني وجود خلل أمني كبير في البلد، ويعني وجود عجز في القوات الأمنية.
- لماذا كل هذه الشكوك بالقوات الأمنية في العراق؟
الجعفري: بعض هذه الشكوك وهمية، ولا أساس لها، وبعضها الآخر متأتٍ من طبيعة مهمة مواجهة الإرهاب، وهي مهمة ليست سهلة، في أميركا توجد أجهزة أمنية قوية الـ (سي آي أي، أف بي آي) إلا أن الإرهاب استطاع في عام 2001 أن يخترق شبكة الرادارات، والدروع الأمنية المختلفة في نيويورك وواشنطن، وتسبّب بما تسبّب به، وكذلك في اسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وتركيا وإيران والسعودية وسورية وأفغانستان.
الإرهاب حرب عالمية حقيقية الآن، ومفهوم الحرب العالمية ينطبق على الحرب على الإرهاب، ولا ينطبق على الحربين العالميتين الأولى والثانية، فالحرب العالمية الأولى حرب أوروبية، والحرب العالمية الثانية حرب أوروبية أيضاً، أما الإرهاب فحرب عالمية حقيقية، ولا يوجد بلد الآن في العالم غير مهدّد؛ لأنه ليس جيشاً وليس هناك حرب لجيوش، إنما يقوم الإرهابيون بتفجير مسجد وكنيسة ومدرسة ومستشفى هذا حرب عالمية.
وجود هذه التحديات والخروقات الأمنية في العراق يكشف عن شراسة ووحشية طبيعة العدو، ولسنا نعاني منه وحدنا، فكل بلد من بلدان العالم مستهدَف من قبل الإرهاب.
هذه الحرب الشرسة لم تبدأ في العراق، ولم تنتهِ فيه، ويجب أن نستفيد من خبرات العالم؛ حتى نعزّز أمننا، أما بقاء القوات الأمنية بحجة تعزيز الأمن في العراق، فلا دخل له في الأمر، فجميع الدول عانت من الوجود الأجنبي كألمانيا واليابان وتركيا وكوريا، وهو ليس علامة صحة.
إذا أردنا أن نقوّي أجهزتنا الأمنية فعلينا أن نأتي بخبراء، ونرسل أبناءنا إلى الدول ذات الخبرة في هذا المجال.
السيطرة على الملف الأمني، وبسط الأمن لا يكون بإيجاد قوات أجنبية على الأرض العراقية لحماية أمننا.
يجب أن نحقق اكتفاءً ذاتياً، كما في الاختصاصات الأخرى كالطب والهندسة وكذا الحال في التعليم والحقوق والإعلام..
البلد الذي لا يحقق اكتفاءً ذاتياً من طاقات الشعب سيكون مهدَّداً بالخطر.
- هل ترون أن الحكومة العراقية قادرة على نقل العراق إلى المرحلة التي تتحدثون عنها؟
الجعفري: حين نتحدث عن مكوّن واحد إنما نتحدث عن كل المكوّنات.. لازلنا في بداية الطريق، ولازلنا في أول طريق الصعود على سفح الحكم، فإسقاط نظام حكم سهل فقد سقط زين العابدين بن علي الجمهورية التونسية الثانية بعد حبيب أبو رقيبة، لكن أن ننشئ حكومة وجمهورية جديدة بدلاً من جمهورية زين العابدين بن علي يحتاج إلى وقت، وسقط حسني مبارك لكن أن ننشئ نظاماً بديلاً عنه نحتاج إلى وقت، وسقط معمر القذافي، ونفس الشيء في العراق سقط صدام بأنظمته الدكتاتورية وجيشه ومخابراته وقمعه، لكن أن ننشئ دولة بديلة فهذا يحتاج إلى وقت، ولا نريد دكتاتوراً بديلاً للدكتاتور، كما حصل في الأنظمة السابقة.
أنشأنا نظاماً ديمقراطياً في العراق، وهو الآن في بداية الديمقراطية، وهناك تداول سلمي للسلطة منذ 2003 إلى الآن..
يجب أن ننظر بعين الإنصاف إلى أن هناك طموحات رائعة تحققت في العراق فالبرلمان العراقي فيه كل المركبات العراقية، ويوجد في الحكومة رجال ونساء، ويوجد 48 امرأة في البرلمان، ولدينا في العراق حرية إعلام، وحرية رأي، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، نعم.. هناك أخطاء في التجربة، وهناك تقصير، وتوجد بعض آثار الفساد المالي والإداري والسياسي والاجتماعي، وهذه الظواهر الموجودة بعضها مدوَّر، وانتقل من قبلية صدام، وبعضها جلبته المحاصصة وسوء تطبيق الديمقراطية التوافقية.
- إذا كانت التجربة العراقية منذ عام 2003 جيدة، فلماذا حصلت خلافات بين الكتل السياسية، مثل: الخلاف الحالي بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون، وعدم ملء المناصب في الوزارات الحساسة بالنسبة إلى العراق؟
الجعفري: بعض هذه الخلافات طبيعية، وبعضها تفاوت في وجهات النظر، وهذا التفاوت هو الذي أنتج تعدُّد القوائم، وحتى في القائمة الواحدة توجد كتل متعددة قد تجد تفاوتاً في وجهات النظر، على سبيل المثال: القائمة الكردستانية تتألف من كتل الإخوة في الاتحاد، والإخوة في التغيير، والإخوة في الاتحاد الإسلامي - نعتز بهم جميعاً - لو لم يكونوا مختلفين في وجهات النظر لكانوا كتلة واحدة.
هنالك وجهات نظر مختلفة، ويجب أن نتقبلها أما أن تنعكس على أدائنا في الحكومة فهذا خطأ بل خطيئة..
لا ينبغي لهذه أن تكون..
أما بقاء الوزارات الحساسة شاغرة، وهما وزارتا الداخلية والدفاع؛ فهو لأن التحدّيات الأمنية كبيرة، ويجب أن يشغل هاتين الوزارتين شخصان كفوءان، فالرحم العراقي ليس عقيماً عن أن ينجب شخصيات كفوءة، وما يحدث الآن هو من إرهاصات المحاصصة السلبية السيئة.
ينبغي أن لا ننظر إلى الملف الأمني على أنه حصة لحزب أو قائمة أو جهة.. يجب أن تكون الحقائب الأمنية مستقلة، وترعى كل العراقيين من دون أن تكون منحازة إلى هذا الطرف أو ذاك، وهذه الطائفة أو تلك، وهذه القومية أو تلك.. خصوصاً القوات المسلحة.
- وُصِف بعض هذه الخلافات بأنها اعتيادية بين الكتل السياسية.. هل تأسيس تيار الإصلاح الوطني جاء من هذا المضمون؟
الجعفري: بالتأكيد هناك نظرية تتطور من خلال التجربة، ونحن ننفتح على التجربة، ولدينا رؤية معرفية ونظرية سياسية، وتعامل مع المستجدات؛ فنعتقد بين فترة وأخرى أن هناك آليات يجب أن تتطور فالآلية التي تطوّر نفسها تستطيع أن تواكب التطورات، والتي لا تطوّر نفسها سيتجاوزها الزمن، فنحن لا نستطيع أن نوقف قطار الزمن، ولا نستطيع أن نوقف تفاعلات المجتمع خصوصاً في عصر التحولات.
في مصر أو تونس أو ليبيا سقطت الأنظمة وبعض الأحزاب والحركات؛ لأنها لم تتطوّر، ولم تواكب الزمن، فتجاوزها الزمن، فخرجت مجاميع من الشباب بأسماء جديدة قادت التغييرات الجديدة، وأصلحت الواقع.
لا يمكن إيقاف الزمن، لكن يمكن أن نسرع؛ فنواكب التطورات، إذ إن التغيرات ليست مؤقلمة إنما مدوَّلة في كل أنحاء العالم.
قوة الأحزاب لا تكمن في عراقتها أو حداثة تكوينها إنما تكمن في أدائها، وانفتاحها على الجديد، فحين نؤرّخ للسبق في الأداء وقوة الخطاب والبرامجية والكفاءة قد لا يكون للسبق الزمني قيمة تذكر.
- المعروف عن السيد الجعفري مواقفه الجيدة من الفدرالية.. كيف تنظر إلى العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة كردستان؟
الجعفري: الفدرالية كمفهوم أعتقد أنها تستطيع أن تقدّم خدمة كبيرة للمجتمعات المتنوعة في التكوين، ومنها المجتمع العراقي المتنوع قومياً ودينياً ومذهبياً وسياسياً وجغرافياً..
أتصور أن الفدرالية في مثل هذه الحالة نظام حكم جيد ينسجم مع طبيعة مجتمعنا، وتجارب العالم التي سبقتنا من سويسرا وأميركا وألمانيا والهند والإمارات العربية انتهجت نهجاً فدرالياً، وكلمة فدرال باللاتيني تعني كلمةTRUST بالإنكليزي أي (ثقة) يسمونها بالكردي (متمانة) أي ثقة. فالمجتمع عندما يتنوع تضعف الثقة فيه، وتأتي الفدرالية لتعيد الثقة مرة أخرى، وتجعل الفرص للجميع، لكن يجب أن نحسن أداء الفدرالية؛ فنحن أمام مفهوم ليس مفهوم يمزّق البلد إنما يعيد الثقة إليه.. في أميركا يوجد خمسون ولاية، وخمسون دستوراً، وخمسون علماً، وخمسون كونغرساً، وهي الآن أقوى دولة في العالم؛ لأنها متماسكة.
يُفترَض أن يسبق الفدرالية ثقافة؛ حتى يساهم المواطن ديمقراطياً بإنشائها.. نحن في بداية الطريق، وهذه الأمور وإن كانت صحيحة إلا أنها طـُرِحت في وقت غير صحيح، ففي بعض الأحيان يسقط الهدف الصحيح ضحية الزمن غير الصحيح.
أستثني كردستان؛ لأنها وُلِدت فيها الفدرالية قبل أن تسقط الدكتاتورية، وقبل أن تولد الديمقراطية منذ عام 1991 إلى عام 2003.
يفترض أن نعطيها الوقت الكافي لأن تنشأ، وتترعرع بطريق صحيحة، وواحدة من علامات الخلل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم أنها تعاني من نقاط ضعف في الدستور أو نقاط فراغ في الدستور أو من ضعف في التجربة العملية والتنفيذية، وكل هذا ناشئ من عدم وجود ثقافة تمهيدية تسبق الأداء والتنفيذ.
الفدرالية في أميركا لم تـُطبَّق إلا بعد ثلاث عشرة سنة من كتابتها في الدستور، وبقوا يثقفون عليها إلى أن تهيّأت الأرضية المناسبة لتطبيقها.
لا يمكن تطبيق الفدرالية في بلد لا يعرف شعبه ما هي الفدرالية، و لا تعرف الحكومات المحلية مسؤولياتها، ولا تعرف الحكومة الاتحادية صلاحياتها.
أنا كإسلامي أرى أن الفدرالية أقرب إلى مبادئي، فنظام الولايات في الإسلام أقرب إلى الفدرالية، ولا توجد لدينا مشكلة فيها، لكنها طـُبِّقت بطريقة متسرعة، وغلبت عليها المزايدات السياسية، ولم تأخذ حصة كافية لتثقيف المجتمع وأبناء الشعب؛ حتى يدركوا مالهم وما عليهم.
- طلب رفض إقليم صلاح الدين أو محافظة صلاح الدين إقامة فدرالية هل جاء من هذا الشيء أم إنها قضية الفدرالية؟
الجعفري: إلى الأمس القريب كنا نسمع الصرخات من بعض الإخوة في هذه المناطق، وهم يهجون الفدرالية ونظام الأقاليم والدستور، والآن اختلفت الصرخات 180 درجة..
لِمَ هذا التحول!؟
الثقافة تحتاج إلى وقت، وممارسة، ومطالبات مبنية على قاعدة جماهيرية، والقضية مستعجلة، وردود فعل..
لا نريد أن نفصّل العراق على منطقة دون أخرى، ولا نؤمن بالفدراسية، الفدراسية نظام يمنح منطقة حقاً فدرالياً في عراق غير فدرالي.. في العراق نظام فدرالي وليس فدراسياً.. الأنظمة الفدراسية لا تؤمن بالفدرالية، لكن تستثني إقليماً واحداً ليكون فدرالياً..
الفدرالية حق لجميع المناطق، لكن لابد لهذه الأنظمة أن تأخذ وقتاً كافياً لتثقيف الجماهير؛ حتى تعي الأمر جيداً، فهي إلى الأمس القريب كانت تتحفظ على الفدرالية، ولا ترضى بها، وتنتقد الدستور.
أتمنى أن تكون هذه المطالبات معبّرة بأمانة عن آراء الشعب، وتكون مستقلة استقلالاً كاملاً عن أي تدخـّل إقليمي أو دولي؛ حتى تكون إنجازاً وطنياً من حيث المنشأ والاستمرار.
- يوجد هناك بعض المعارضات وأقوال بعدم تطبيق بعض المواد الواردة في الدستور خصوصاً المادة 140 التي تخص المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان.. لماذا لم تنفذ هذه المادة؟
الجعفري: المادة 140 تحديداً تتناول مسألة كركوك، وهي استمرار لقانون إدارة الدولة ذي الرقم 58، وهذه المادة تتضمن ثلاث نقاط، التطبيع، والإحصاء، ثم الاستفتاء..
نحن قمنا بالتطبيع، وسهّلنا المهمة، وشكلنا مجلس إعمار كركوك، وتسلم نحو 150 مليون دينار، وشكلنا لجنة بسرعة، وعهدناها إلى أحد الإخوة، وكان عضواً في الجمعية الوطنية، وبالتشاور مع زعيمي الإخوة الكرد الأخ جلال الطالباني والأخ مسعود البارزاني؛ حتى يسهّل عملية التطبيع، وإعمار كركوك، ثم تأخر الإخوة في كركوك، وكنت أناشدهم أن يسرعوا في ذلك.
نحن كنا أمام قضية تطبيع وصرف أموال، وقمنا بهذا الإحصاء المفروض أن يكون نهاية 2007، وأصبحت مزايدات من رموز كردية، وإلا ماذا يعني أن حكومة انتقالية في عام 2005 تحسم ملف الإحصاء الذي نص عليه الدستور في 31/12/ 2007 أي قبل أوانه، ونحن الآن في عام 2011، ولم يُجرَ الإحصاء.
أقول: إن هذه مزايدات، والدول والشعوب لا تبنى بأدب المزايدات إنما تبنى بأدب الفكر والمعرفية والقيم، وأن تشارك المجتمعات في هذه الثقافة، ثقافة الوعي الدستوري، ثقافة القناعة بصحة هذه الأشياء.
- هنالك بعض الأقوال تتهم الحكومة الانتقالية بأنها لم تصرف الأموال في مواعيدها مثلاً تحتاج مرحلة إلى ملياري دينار وقد صرفت لهم 150 مليون دينار؟
الجعفري: هذا الكلام غير صحيح، فنحن خاطبناهم بأن يأخذوا المبلغ، وتأخروا، ووجهنا لهم كلاماً شديداً، لكنهم لم يأخذوا الأموال، ويحوّلوها إلى المواطنين، وجاؤوا بكتاب مدوّن باليد وغير مطبوع، وشعروا أنهم هم الذين يتأخرون، لكن عندما دخلت في سوق المزايدات بدأنا نسمع هذه التخرّصات.
أنا أسأل الذين صرخوا، ودخلوا في سوق المزايدات: أين الإحصاء الذي كان يجب أن يُجرى في عام 2007، لماذا لم يحصل؟
- هل تطبـَّق هذه المادة الموجودة في الدستور من وجهة نظركم؟
الجعفري: أؤكد: أن تطبيق أي مادة في الدستور يجب أن يسبقه تهيئة الجو المناسب؛ حتى يحقق الطموحات المشروعة.. بعض دول العالم تأخرت في تطبيق القوانين، لكنها لم تخرج عن القانون، إنما كان تأخرها لتهيئة الأجواء المناسبة، فإلى الأمس القريب كان المواطن الأسود في أميركا مواطناً ثانياً، يعادل ثلثي إنسان أي 60% من الإنسان، وإلى الأمس القريب لم يكن يسمح للمرأة بالتصويت إلى زمن ولسن عام 1919 حصل التعديل الذي حصل في الدستور الأميركي التاسع عشر في 1919، وأعطوا المرأة حق التصويت، بعد أن هيأوا جواً مناسباً، وثقافة.
أنا لا أؤمن بهذا الزمن الطويل، لكن الزمن يلعب دوراً مهماً في صناعة الثقافة كبيئة ومناخ مناسبين لتقديم البديل.
حين سقطت مؤسسة معمر القذافي في ليبيا، وسقطت في تونس مؤسسة زين العابدين بن علي، وفي مصر سقطت مؤسسة حسني مبارك، لكن حتى تأتي مؤسسة شعبية غير دكتاتورية ستأخذ وقتاً، وستجد بعض الأرقام تتقدم في أول الطريق، وتتأخر أخرى، ويكبر بعض الحجوم، وتتقلص أخرى هذه طبيعة التحولات..
في مثل هذا الوضع يجب أن يكون لدينا أولويات في الأهداف، وأولويات في مواجهة الأخطار، فحين يدهمك خطر الإرهاب يجب أن تفكر كيف تواجهه، وحين يواجهك خطر الأجنبي يجب أن تواجهه، وكذا الفساد وجميع ضرورات الخدمات.
تسلمتُ الحكومة الانتقالية في 2005، والناس تصيح لا يوجد طحين، فاستدعيت وزير التجارة، وقلت له: هل تعرف ما يعني عدم وجود طحين في البلد، في فرنسا حدثت الثورة الفرنسية عام 1889، حين رفع الدعم عن الطحين.
- في 2006 رأينا معارضة كردية لتولـّي السيد الجعفري رئاسة الوزراء.. لماذا هذه المعارضة من جانب الكرد؟
الجعفري: لا أستطيع أن أقول: إن هذه المعارضة كانت معارضة كردية، ولا حتى معارضة سياسية للكوادر الواعية إنما معارضة مسيَّسة، وتسويق لخطابات إعلامية من بعض الشخصيات الكردية وبعض الشخصيات من قوائم أخرى بما فيها قائمة الائتلاف الوطني التي أنتمي إليها، وأحب أن أقول لك: إن هؤلاء الذين عارضوا اتصل بعضهم بي شخصياً في وقتها، وبعضهم في وقت لاحق، واعتذروا، وأخبروني بندمهم عن الذي حصل.
- وهل من هؤلاء المتصلين قيادات كردية؟
الجعفري: بعضهم لديهم مواقع قيادية، وأنا قلت: لا يستطيع أحد أن يساومني على الشعب الكردي، وما ذكرت مصائب العراق إلا وذكرت مصائب الكرد في المقدمة، وهو ليس منـّة عليهم إنما هو حقيقة.
الشعب الكردي شعبي، وتربطني أكثر من رابطة معهم، ولا يستطيع أحد أن يساومني على حبهم، ومستعد لأن أضحّي من أجلهم، نعم.. يوجد قسم حقق أهدافاً آنية، لكنه خسر أهدافاً تاريخية واستراتيجية، والسياسي الناجح هو الذي لا يفكر بالآنيات فقط، إنما يجب أن يفكر في الاستراتيجيات، ويجب أن لا يكون حضوره اليومي على حساب حضوره التاريخي.
- حين كنتَ رئيس الحكومة الانتقالية في عام 2005 اتـُهـِمت بأنك لم تنفذ المادة 140 من الدستور؟
الجعفري: تشكلت لجنة للتطبيع، وأعطيت المال المطلوب، وهذا مُثبَّت ومُوثـَّق، وقد تأخرت الحكومة المحلية في كركوك في التجاوب، ووجّهنا لها كلاماً مباشراً، واعتذرت عن التأخير، وتطلعت إلى الإخوة في المكتب السياسي للاتحاد بوجود الأستاذ جلال الطالباني، وهو قد طلب مني أن أنشر هذه القضية في المقابلة الصحفية، وفعلت ذلك في الوقت نفسه.
تقضي الفقرة الثانية من المادة 140 بإجراء استفتاء في الـ 31 من ديسمبر عام 2007، والحكومة الانتقالية انتهت في 2006، ونحن الآن في عام 2011.. أين الاستفتاء أو الإحصاء، ما علاقته بالحكومة الانتقالية، وما علاقته بإبراهيم الجعفري؟
أعتقد أن القضية سُيِّست، وهنالك فرق بين التسييس والسياسة، فكلنا سياسيون أما التسييس فهو إخراج القضايا من سياقاتها الموضوعية لأسباب سياسية، وقلبها، وإدخال العامل السياسي فيها.
لماذا يخسر الشعب الكردي 4000 شخص في جرائم حلبجة، ولا يأخذ حقه، ولماذا يخسر عشرات الآلاف في الأنفال، ولا يأخذ حقه، والأمر نفسه بالنسبة للعرب الشيعة والسنة؟
لا ينبغي أن نبضّع الشعب العراقي، نعم.. فيه مجتمعيات متعددة وكلها تستحق الوفاء، وكلها قدّمت شهداء، وهؤلاء جميعاً يستحقون أن نبذل كل خيرات العراق لهم.
- هناك من يقول: إن الحكومة العراقية والقائمة الشيعية في البرلمان العراقي تعارضان مسألة الأقاليم في بعض المحافظات العراقية؛ لأنها لا تريد أن تضعف العراق القوي أمام إقليم ضعيف مثل إقليم صلاح الدين؟
الجعفري: قضية الأقاليم، والحق في إقامتها حق دستوري، فلم يعُد تعبيراً عن مزاج هذا وذاك.. النظام الإقليمي قضية دستورية، والإنسان الوطني الملتزم بالدستور يقتنع به، ومن لا يقتنع به فهذا شأن شخصي، لا نقمع رأيه، لكن ليس من حقه أن يتجاوز الدستور.
حين واءم الدستور، ووفـّق بين الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية لا نجد تناقضاً بين أن يكون هنالك حكومات محلية أو أقاليم وبين الحكومة الاتحادية، أما الخلافات فهي موجودة حتى في داخل التحالف الوطني، ولا تعدو أن تكون خلافات في وجهات النظر.
حين يتخذ التحالف قراراً ما في ظرف ما يلتزم به جميع الأطراف، حتى وإن كان من له رؤية مغايرة لهذا القرار، ذلك هو شأن الديمقراطية.
المستفيد الأول من الأقاليم، هم الشيعة؛ لأن محافظات الوسط والجنوب كلها شيعية، وعددها تسع محافظات: (البصرة والعمارة والناصرية والسماوة والحلة وكربلاء والنجف والديوانية والكوت).
أعتقد أن هذا الكلام عار ٍعن الصحة.. نحن نريد إحداث توازن بين الحكومات المحلية أو الأقاليم وبين الحكومة الاتحادية بحيث نمد لها اليد بأن تمارس دورها، وتتبنى مشاريع استثمارية بحسب ما نص عليه الدستور.. أعتقد أن هذه ليست مسألة عصيّة على الحل.
- ماذا تريد للشعب الكردي خصوصاً أنه اتهمك بعدم تنفيذ المادة 140؟
الجعفري: أوجّه ندائي إلى إخواني وأعزائي وأولادي وبناتي في منطقة كردستان، وأحب أن أقول لهم: لم ولن أفرّق بين مواطن وآخر على أساس قومي أو مناطقي..
بالنسبة لي نذرت حياتي للعراقيين، وأنا أناضل من أجل أن يأخذ الشعب الكردي حقه الطبيعي، والمشروع، وأنا سعيد أن أجد هذا التنوّع الكردي الموجود إلى جانب العربي والتركماني، وأجد السني إلى جانب الشيعي، والمسلم إلى جانب غير المسلم ضمن الوضع الدستوري.
يجب أن تكون هنالك قراءة متأنية بعيدة عن المزايدات، وأن ينظر إلى كل متصدٍ سياسي إلى ما عمل ليس من خلال الأطواق الإعلامية المأجورة، وليس من خلال المصالح المسيَّسة، وليس من خلال الحساسيات.
تعلمت أن أقرأ الآخر من خلال الآخر، وليس من خلال عدوه، أو من خلال المتحسّس منه.. قرأت فكر الآخر من خلال كتبهم، وقرأت الشخصيات من خلال دراسة الشخصيات التي عملنا معها من أجل أهلنا في كردستان فهم يستحقون ذلك، وهذا حق طبيعي تمليه عليّ مبادئي وسيرتي ووطنيتي ونظرتي إلى الشعب الكردي.
أنا أنظر إلى مآسيهم وخيراتهم وحقوقهم المشروعة، كما أنظر إلى المجتمع السني العربي والمجتمع الشيعي العربي.
أنا أنظر إلى هؤلاء جميعاً بالتساوي، نعم.. أنا عربي وأعتز بعربيتي، لكني لست عنصرياً، وأعرف أن الكردي له حق مثلما للعربي حق.
الكرد لهم أدبهم وتاريخهم وشعرهم وثقافتهم ولهم تضحياتهم، وهم ركن أساسي في العراق، وليسوا أقلية أو جزئية أو هامشاً.
أنا - الحمد لله - عملتُ مع الإخوة والأخوات الكرد في الحكومة الانتقالية كعائلة واحدة، دونكم كتاب (المخاض العراقي) اقرأوه سيتجدون أن هؤلاء جميعاً عرباً كرداً تركماناً سنة ًوشيعة كانوا يعملون خلية نحل؛ من أجل خير العراق.
أرجو أن ينتفح المواطن الكردي كما هو المواطن العربي والتركماني على التجربة
خلال قراءة موضوعية بعيداً عن الأشخاص الذين قد يكونوا - عن قصد، أو غير قصد - مشتبهين.
أنا على ثقة أن الشعب الكردي شعب صاعد، كما هو الشعب العربي شعب صاعد، وسيرتقي، ويتطور بالتجربة، وينال حقه، ونحن جميعاً نقف إلى جانبه وإلى جانب كل أبناء شعبنا العراقي.
http://www.al-jaffaary.net/index.php?aa=news&id22=901
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=73QM_Lxg7Vg
التعليقات (0)