{( إنه لمشهد مرعب ) بهذه العبارة وصف التلفزيون الصهيوني القمة التي انعقدت مؤخرا في دمشق ، بين الرئيسين السوري والإيراني ، وحضر جانبا منها سيد المقاومة السيد حسن نصرالله } ..
هذه الحال الصهيونية المرعوبة ، أشبه بحالها أيام حرب تشرين التحريرية ، حين انتفضت الإرادة العربية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد لتهز الكيان الصهيوني هزا عنيفا ، وتمرغه في أوحال عدوانيته وغطرسته ، فكانت حرب تشرين التحريرية المدماك الأول الذي حطم هذه الأسطورة المزعومة ، لنجد بعد ذاك أن القائمة لم تعد تقوم لهذا الكيان رغم كل الدعم الأمريكي والعالمي ، ورغم معاهدات الاستسلام العربية التي أعطت للكيان ـ مرة أخرى ـ ما لا تملك لمن لا يستحق ، ورغم ما مرت به المنطقة من اجتياحات وحروب عدوانية شنها الكيان الصهيوني على لبنان منذ عام 1982 وهو في أوج حربه الطائفية التي فجرها تخاذلُ بعض الأنظمة العربية ، وصولا لاتفاقيات كامب ديفيد .. ورغم كل أنواع الاعتداءات والضغوط التي تعرضت لها سورية من العالم كله ، بما فيه معظم (الأشقاء العرب) ، إلا أن سورية أبت أن تنغمس في أوحال السياسة الكيسنجرية الأمريكية ـ الصهيونية التي هيمنت على المنطقة وحكوماتها وخيراتها ، وصمدت سوريا في وجه الحصار والضغوط ، وظلت سوريا وفية لمبادئها وعقيدتها القومية العربية ، فلم تفرط ولم تستسلم ولم تنحن ولم تلن ولم تتراجع ولم تجامل على حساب حقوقها أو مبادئها أو كرامة الشعب والوطن .
صحيح أن سورية حافظ الأسد قدمت كل تلك التضحيات ، وبطيب خاطر ، إلا ن سورية بشار الأسد لم تنس ـ أيضا ـ واجبها الوطني والقومي حين وقفت وحيدة في العالم كله تقول للولايات المتحدة الأمريكية ( لا لغزو العراق ) في حين وقف الشقيق قبل العدو يهلل للصواريخ الأمريكية والقنابل الذكية وكل أنواع الأسلحة الفتاكة تنهال على العراق الشقيق وشعبه وخيراته ، حتى صار أثرا بعد عين ، وحاولت أمريكا بوش أن تدفن العرب والمشروع العربي إلى الأبد ، واعتقدوا أن الشرق الأوسط الذي سيفرضونه بات قاب قوسين أو أدنى ، فكانت الحرب العالمية على العراق حربا إسرائيلية الأهداف والغايات والنتائج ، إلا أنها نُفذت بمخالب عالمية وتآمر عربي تقودهما الولايات المتحدة الأمريكية ، وكأن أمريكا أرادت أن تفرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة العربية إلى الأبد ، فبدأت الغطرسة الأمريكية ترسم ملامح جديدة (لشرق أوسط جديد ) وفق رؤاها ومصالحها ومصالح إسرائيل ، وما سُمي (دول الاعتدال العربي ) فكانت الزيارة المشؤومة لوزير الخارجية الأمريكية (المنتصرالمعربد) كولن باول لدمشق حاملا صك استسلام ، ويريد ـ فقط ـ توقيع الرئيس بشار الأسد عليه ، وكان ـ كولن باول ـ كالمجرم الذي انتهى لتوه من ذبح ضحيته ، ووضع سكينه المدمّى بين أسنانه يقطر من دم الضحية ، متحفزا متوثبا للانقضاض على ضحية أخرى ..
جاء كولن باول إلى دمشق بهذه النفسية المعجرفة المتعالية المدعومة من (الأشقاء المعتدلين) ، وقدم للرئيس الأسد قائمة الإملاءات الأمريكية الأربعة عشر، بدءا بتغيير المناهج الدراسية (العدائية) تجاه إسرائيل ، وانتهاء بالتنازل عن الجولان ، كي توااااااااافق إسرائيل على توقيع اتفاقية مع سورية ، لكن ليس على قاعدة الأرض مقابل السلام ، إنما على قاعدة الأمن مقابل السلام ..
باختصار هي قائمة مطالب إسرائيلية بتوقيع أمريكي ، وكان المطلوب من سوريا التوقيع عليها بدون نقاش ولا تردد وإلا ،،، فإن (أمريكا وسوريا صارتا دولتين جارتين متجاورتين) .. وفي هذا الكلام ما يكفي من وعيد وتهديد ..
لكن هذا يذكرنا بالسؤال الشهير : ليش عمتنفّخ اللبن ؟؟!!
وتماما كانت هذه هي حال أمريكا مع سورية الأسد ، سابقا ولاحقا ، فحافظ الأسد قال لهم ولغيرهم عقب اتفاق 17/أيار/1983 في لبنان : إن هذا الاتفاق وُلِد ميتا ، فمات الاتفاق فعلا قبل أن يصل إلى غرفة الإنعاش ، وكان البديل جاهزا ، وهو المقاومة الوطنية اللبنانية ..
واستمرت هذه الحال مع الرئيس بشار الأسد ، إذ قال لأمريكا وللعالم : لا نقبل بغزو العراق ولا نؤيدكم فيه.. قالها وزير خارجيته ( فاروق الشرع ) ، أثناء انعقاد مجلس الأمن لإعطاء أمريكا الغطاء الأممي للغزو .
ولذلك كان التهديد لسوريا واضحا وجليا بعد إعلان بوش انتهاء العمليات العسكرية في العراق ، ومن هذا المنطلق جاءت زيارة كولن باول إلى دمشق ..
وكما خاب كل من سبقه من وزراء الخارجية الأمريكيين في مساعيهم لفرض الاستسلام على سوريا ، منذ الصهيوني هنري كيسنجر 1973، كانت خيبة كولن باول أكبر بكثير جدا ، فخرج من دمشق منكفئا مهرولا ، بعد أن أسْمَعَه الأسدُ ما لم يكن يتوقع ، فراح يلعق خيبته ، ويستغرب : (ألا توافق سورية على هذه المطالب وهي في أشد الظروف صعوبة وخطورة ، ربما في العصر الحديث كله ، حتى لكأنها لاتقدر المخاطر المحدقة بها !!! ) وبدا كالمشفق على سورية : (التي ما يزال رئيسها شابا لم تعركه السياسة والحروب بعد .. أو كأنه لم يأخذ العبرة كاملة مما فعلناه على الحدود الشرقية التي لا تبعد عن دمشق أكثر مما تبعد بغداد عن واشنطن ) .. ويا فهيم افهمْ ...
{وعليه ، فإننا لا نبالغ ولا نجافي الواقع والوقائع ، حين نصف حال الكيان الصهيوني حاليا ، بأنه فأر صغير قميء في مصيدة مُحكمة..}
فالقمة الدمشقية رد قوي وواضح على مجمل التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للبنان وسورية ، فجاء لبنان المقاومة يجدد عهده بمواصلة النضال ، وكان سبقه الخطاب الأخير لسيد المقاومة ، والذي كال فيه الصاع صاعين للصهاينة حين رد عليهم : بأن قصفكم يا صهاينة لبيروت يقابله قصفنا لتل أبيب ، وقصفكم مطار بيروت يقابله قصفنا لمطار بن غوريون .. ثم كان اللقاء التاريخي الثلاثي والذي سخر فيه الرئيس الأسد من مطالب وزيرة الخارجية الأمريكية ، (بوجوب أن تبتعد) سوريا عن إيران ، فكان الرد : إننا نبتعد لنوقع اتفاقية إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين ..
كما كان لقاء الرئيس الإيراني مع قيادات الفصائل الفلسطينية ، سهما آخر وجهته قمة دمشق لصَلف الصهاينة وعنجهيتهم ..
ببساطة ، كانت القمة وما قيل فيها رسائل قوية للعالم كله ، بأن سوريا ليست وحدها ، والمقاومة اللبنانية والفلسطينية ليستا وحدهما في مواجهة أي عدوان صهيوني محتمل .
من هنا كان الرد قويا وواضحا وصريحا ولا لبس فيه ولا غموض ، فقد ولى زمن استفراد الصهاينة بحرب خاطفة هنا أو هناك ، وكما سبق لسيد المقاومة أن قال : ما بعد عدوان تموز 2006 على لبنان مختلف كليا عما قبله .. وحري بنا هنا أن نقول :إن حرب تموز 2006 كانت حربا أمريكية على لبنان ومقاومته ، تمهيدا لحصار سورية من الشرق والغرب ولكسر إرادة صمود صمودها ووقوفها في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة .. وكما حاربت أمريكا في العراق نيابة عن الصهاينة ، حارب الصهاينة في لبنان نيابة عن أمريكا ، لكن بقرار أمريكي وسلاح أمريكي ودعم أمريكي في المحافل الدولية ، وتشجيع من حلفاء أمريكا في لبنان والمنطقة العربية ، تماما كما كان عدوان الصهاينة على غزة ومقاومتها في 2008/2009
وفي ظل هذه المعطيات تقف (الشقيقة الكبرى مصر) حيث يريد لها أعداء الشعب العربي قاطبة ، فهي ما تزال ترى بالمقاومتين اللبنانية والفلسطينية ما يراه الصهاينة والأمريكيون فيهما .. فعيون النظام المصري الآن ترى ما تراه عيون الصهاينة .. وكذلك موقف النظام المصري من إيران ، حيث يرى هذا النظام إيرانَ من منظور الصهاينة والأمريكيين ، ويعتبرها خطرا على (الأمن القومي المصري) ، مما جعل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يسخر سخرية لاذعة من هذه الكذبة الكبرى التي يسوقها النظام المصري خدمة لأسياده ، إذ كيف يكون البرنامج النووي الإيراني مهددا للآمن القومي المصري ، وهو برنامج سلمي ، وتشرف عليه وكالة الطاقة النووية الدولية ، وهو في مراحله الأولى ، بينما لا تكون الترسانة النووية الإسرائيلية ـ التي هي واقع ملموس منذ سنوات ـ تهديدا للأمن القومي المصري ؟؟؟
بينما أشار الرئيس الأسد في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الإيراني : أن سورية تؤيد حق إيران في الحصول على التقنية النووية السلمية والاستفادة منها ، كما أن ذلك حق لكل شعوب العالم ..
ومع كل ذلك ، تبقى قمة دمشق ـ بشخصيات الحاضرين وبنتائجها ـ حدثا تاريخيا مفصليا ، يؤسس لمرحلة وطنية عربية بامتياز ، سيكون لها تأثيرها الإيجابي الكبير على مجمل الأحداث في المنطقة لسنوات طويلة قادمة ، خاصة لأنها تسبق انعقاد مؤتمر القمة العربي الذي سينعقد في ليبيا في وقت لاحق من شهر آذار 2010 ، ولأنها تسبق الانتخابات التشريعية العراقية التي لا بد أن تتجلى فيها القوى الوطنية العراقية ، قبيل الانسحاب الأمريكي من العراق العام القادم .. كما تأتي مكملة للدور الريادي السوري في المنطقة ، والذي تجلى في العلاقات المتينة التي وصلت إليها الدولتان الجارتان سوريا وتركيا ، هذه العلاقات التي حولت البوصلة التركية ، من دولة حليفة للكيان الصهيوني ، إلى دولة أقل ما يقال فيها أنها أفضل حالا لنا الآن من كثير من الدول العربية الشقيقة ..
28/02/2010
التعليقات (0)