عقد مؤتمر القمة في بغداد بعد کل ذلك المخاض العسير الذي رافقه، لايمکن إعتباره نجاحا للدبلوماسية العراقية وانما هو ثمرة لجهود و مساع حميمة بذلتها الادارة الامريکية من جانب و النظام الايراني من جانب آخر من أجل عقد هذا المؤتمر بأي ثمن کان.
سعي الادارة الامريکية لعقد مؤتمر القمة العربية في بغداد يکاد أن يکون مفهوما إذ ان الرئيس باراك اوباما وهو يستعد لترشيح نفسه لولاية قادمة، يريد الايحاء للناخب الامريکي بنجاح سياسته بسحب القوات الامريکية من العراق وان الاوضاع في العراق تتجه للإستقرار و عقد مؤتمر القمة العربي لوحده کاف لإثبات هذا الزعم، أما النظام الايراني، فإن الحديث عن غاياته و أهدافه من وراء سعيه لإنجاح عقد مؤتمر القمة في بغداد هو حديث ذو شجون و له جوانب و أبعاد عديدة.
إعصار الربيع العربي الذي طفق يعصف بالنظم الاستبدادية واحدة تلو الاخرى و وهو يدك اليوم حصن الاستبداد و الدکتاتورية في سوريا، بات واضح جدا أن إيران المکان الاخير الذي سيلقي فيه هذا الاعصار برحله و هذا الامر لم يعد بمثابة حقيقة و امر واقع وانما إرتقى الى مستوى البديهية التي لاتحتاج الى برهان، وان التوتر و السلبية البالغة التي طغت دوما على العلاقات الايرانية ـ العربية بصورة عامة خصوصا مع بعض من تلك الدول التي شهدت سقوط أنظمتها الدکتاتورية، أمر بات يثير أکثر من توجس و قلق لدى ملالي طهران و قم و يدفعهم للتخوف کثيرا من المستقبل بين دول باتت مسألة الحذر و النفور من النظام الايراني بمثابة طابع يکاد أن يطغي على شوارعهم الشعبية، ومن هنا، فإن نظام الملالي يحاول جهد إمکانه و عبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي أن يقل من قلقه و توجسه هذا و يغيره الى طمأنينة و إرتياح، خصوصا وان المالکي مدين للملالي ببقائه في منصبه رغم هزيمته أمام أياد علاوي، ومن الواضح جدا أن المالکي سيبذل أقصى جهوده من أجل تجميل صورة النظام الايراني من خلال زعمه بأنه ليس بتلك الصورة التي تدعيها وسائل الاعلام و الاجهزة الاستخبارية.
عقد مؤتمر القمة العربي في بغداد يأتي في ظروف بالغة الحساسية و الخطورة ولاسيما وان المجتمع الدولي قد فرض عقوبات نفطية على النظام الايراني و شدد من ضغوطاته من أجل ثنيه عن مساعيه المشبوهة لإمتلاك الاسلحة النووية کما ان الثورة السورية و تورط الملالي و حزب الله اللبناني فيها، يجعل موقف النظام الايراني حرجا و صعبا و معقدا، وهو"أي النظام الايراني"، يسعى لتجميل صورته و تحسين أوضاعه في المنطقة وان مؤتمر القمة العربي في بغدا خير مکان و مجال لتحقيق هکذا غاية و هدف، ويبدو أن بعض من القادة و الزعماء العرب"المحوريين"، قد إنتبهوا سلفا الى هکذا مسعى خبيث للملالي، ولذلك فقد بادروا الى عدم الحضور فيها و بذلك إفقدوها مساحة مهمة جدا للمناورة و اللعب الحساس.
النفوذ الاستثنائي للنظام الايراني في العراق و دوره الاکثر من خطير على مختلف الاصعدة المتعلقة بهذا البلد، هو أمر واقع ليس بإمکان کلمات و تعابير و جمل منمقة و براقة للمالکي التستر عليها و منع وصول رائحة عفونتها لأنوف القادة العرب او ممثليهم في بغداد، ونظرة واحدة على المشهد الداخلي العراقي عشية إنعقاد مؤتمر القمة العربي و نأي الکثير من الاطراف العراقية بنفسها جانبا من المالکي و توجس معظمها من النوايا المبيتة له لکي يتفرد أکثر فأکثر بالحکم، تجعل صورة المالکي أمام القادة العرب تبدو کالحة و ضبابية و تبعث على عدم الارتياح خصوصا وان الصراع و الاختلاف لم يعد بين المالکي و القائمة العراقية فقط وانما شمل قوائم مختلفة أخرى بحيث أن الامر قد وصل الى داخل البيت الشيعي نفسه عندما بدأت أطرافا و شخصيات عديدة تتوجس ريبة من السعي المحموم للمالکي من أجل التفرد بالسلطة في سبيل تنفيذ أجندة سياسية تخدم في النهاية مصالح و أهداف النظام الايراني أکثر من غيره.
سياسة إقصاء الآخرين و إستخدام القضاء و المال و السلطة من أجل إزاحة الخصوم، و کذلك السعي غير العادي من أجل حسم قضية معسکر أشرف للاجئين الايرانيين و نقلهم قسرا الى سجن و ليس مخيم ليبرتي و إنتهاك القوانين و الاعراف الدولية المعمول به بخصوص التعامل مع سکان أشرف و السعي لسجنهم في مساحة ضيقة و دفنهم کسياسيين أحياء، وفي هذا الوقت الذي يکاد النظام الايراني أن يکون مترنحا فيه، حقائق لابد من أن يعرفها القادة العرب المجتمعين في بغداد و يتصرفون على ضوئها و ليس في ضوء العبارات الانشائية البراقة للمالکي او الطالباني!
التعليقات (0)