مواضيع اليوم

قمة الوجاهة العربية

جمال الهنداوي

2009-03-28 15:20:25

0


عندما تسعى إحدى بلدان العالم المتقدم لإثبات وجودها وإشهار دخولها عالم القوى العظمى فأنها أما أن تقوم بإنشاء صرح معماري شديد التكلف وخارج عن المألوف أو أن تقوم بتفجير نووي تجريبي أو بتنظيم دورة الألعاب الاولمبية.
أما بالنسبة للبلدان العربية ,فلتعذر الفعاليات والممارسات المذكورة أعلاه ,ولعدم رغبتهم-أو بالأصح صلاحيتهم- في دخول نادي الدول الكبرى ,فأن الوجاهة عندهم لا تتجاوز بناء المساجد الواسعة أو تنظيم مؤتمرات القمة.
وعراقياً قد يتذكر الكثير منا الإمكانات الهائلة التي سخرت لبناء المساجد المتورمة في ضخامتها وفي الأرقام المرصودة لها والمبالغ التي سفحت من اجل استضافة قمة عدم الانحياز في بغداد ,حيث تكلف بناء فندقا واحدا ميزانية بعض الدول الشقيقة والصديقة المدعوة للمؤتمر مجتمعة,فمن المعروف أن لا شيء يرضي شغف الحاكم-أي حاكم- بالوجاهة أكثر من وقوفه المتسم بتواضع الزهاد خلف إمام مسجد الدولة الكبير في خشوع منقول تلفزيونياً على الهواء,أو مؤتمرات القمة-الاعتيادية أو الطارئة منها-حيث تتكامل كل عناصر الأبهة والوجاهة للحاكم وهو يتوسط المجلس وينثر أصحاب الجلالة والسيادة والسمو ذات اليمين وذات الشمال و فليسمح لنا سيادة الرئيس ونرجو من سيادة الرئيس, وتصل الأمور إلى الذروة في حالة وجود من لا ينطق الضاد من الضيوف فمنظر الحاكم وهو يرتدي سماعات الإذن ويرسم صورة الاهتمام الصارم على وجهه الملتمع من وميض كاميرات الصحافة الأجنبية تمثل قمة طموح السياسي العربي وما لا يستطيع أن يقاومه أي حاكم في المنطقة.
وقد يكون هذا- اللوك –بالذات ما دعا قمة الدوحة إلى الإصرار وبعناد على الاستعانة بالرئيس الإيراني احمدي نجاد ليكمل نصاب القمة رغم التبرم والامتعاض المعلن وبأعلى الأصوات لهذا الأمر من قبل بعض الدول الذين يمثل حضورهم أو عدم حضورهم ودرجة تمثيل هذا الحضور من اشتراطات إنجاح أي قمة .
وخصوصاً هذه القمة التي تتميز عن سابقاتها باعتبارها عطلة نهاية أسبوع مريحة للمشاركين لانعدام التحديات الخارجية التي غالبا ما تواجه مثل هذه المناسبات ,فكل مشاكل العرب الآن تحمل صفة الداخلية التي من الممكن أن تحل تحت بند المصالحة العربية ,أما مشاكلهم مع العالم الخارجي فهناك من يكفيهم تبعاتها ومؤونة تكدير خاطر القمة بها.
فمشكلة فلسطين بيد اللجنة الرباعية ومشكلة إيران تحددها الترجمة الصحيحة لرسالة اوباما من الفارسية إلى العربية أما مشكلة لبنان وسوريا والسودان فتتولاها مناصفة المحكمة الدولية و المحكمة الجنائية الدولية و أما الصومال والعراق فلهم رب كريم ومشكلة الصحراء نائمة في أدراج الأمم المتحدة ولن يضرها أو ينفعها سطر في البيان الختامي الذي من الممكن كتابته- بالاستعانة بكاتب ضليع باللغة الدبلوماسية الرفيعة -بالاعتماد على بيان القمة السابقة بتعديل طفيف بالألفاظ وفي تسلسل الفقرات.
ولا يمكن أن ينغص هذه القمة إلا مسألة حضور الرئيس البشير ,والتي يمكن أيضا أن تحل بواسطة علاقات الشيخ حمد رئيس الوزراء القطري وبنفس قصة وأسلوب المكالمة الهاتفية العجيبة بينه وبين الرئيس عباس وعرضه أن يحصل له على تصريح خروج من إسرائيل .. أذن فمن الممكن,وبنفس الطريقة الحصول على تصريح دخول هذه المرة للبشير لتكتمل الأفراح ويتم السرور ويتحقق الهدف الأسمى من الموضوع وهو إظهار حاكمية الدولة المضيفة بمظهر الدولة المفصلية والمركزية في المنطقة .
ولن يحس القادة هذه المرة بأي ضغط من قبل الشعوب العربية, ,ولن تكون هناك أي مظاهرات ولا مصادمات ولا إضرابات ممكن أن تكلف الحكام عبء قمعها, لأنها-أي الشعوب-فاقدة الاهتمام والأمل سلفاً وغير معولة مطلقاً على أي ما يمكن أن يصدر عنها ولن يحركها فشل القمة أو نجاحها ولكن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يصيب العرب بالخيبة هو تخلف الأخ العقيد عن الحضور وحرمانهم من خطابه السنوي الذي يمكن اعتباره الحدث الأبرز في كل تجمع عربي وخصوصاً إنها أول قمة يحضرها كرئيس وملك ملوك في آن واحد لقارة إفريقيا .
لذا فستنعقد القمة العربية كالعادة.. ولن يعدم القادة العرب وسيلة لتمرير بيانها الختامي .وستنعقد التي بعدها والتي بعدها.وستتلقى الدولة المضيفة باستمرار الإشادة والامتنان على الرعاية الكريمة وكرم الضيافة والدقة الفائقة في الإعداد للقمة العربية..وهذا هو المهم. وسيستمر السيد الامين العام عمرو موسى في تكرار أن الوضع لا يمكن السكوت عليه في خطاباته الافتتاحية.
وسينجح الإعلام الرسمي في تحميل كل إشارة أو إيماءة أو مصافحة من قبل هذا المسؤول أو ذاك بتفاؤل أن نتائج هذه القمة قد حققت اختراقا ما في قضية ما ,وسيعود كل مسؤول إلى بلاده مصحوبا بتكرار مستمر لبث كلمته في القمة وكيف أنها وضعت الإصبع على الجرح النازف في خاصرة الأمة وكيف حققت مداخلات ولقاءات المسؤول العربي وحتى حضوره المآدب العامرة دفعاً هائلاً للمصالحات العربية التي لا تنتهي إلا عند خلاف آخر يستدعي مصالحة جديدة. وهكذا دواليك حتى يوم الوقت المعلوم.. فلقد قال احد العقلاء قديما أن الزمن من العناصر الأساسية في الوجود... وهو الكفيل وحده بإظهار النتائج .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !