مواضيع اليوم

قمة المعلّقات السبع

جمعة الشاوش

2010-03-30 18:25:12

0


قمة المعلّقات السبع

 

قبيل انطلاق القمّة بسرت الليبية،وعلى غير عادتي في شغفي المحموم بتصيّد جديد الأخبار السياسية العالمية لاسيما التي لها علاقة بالعالم العربي،تملّكتني حالة سأم وضجر وعزوف عن متابعتها وفقدت نهمي المعتاد في الاستماع والمشاهدة والقراءة لكل ما يتّصل بها...
ترى هل هو الفرار من وجع الرأس والمغص الذي ينتابني،كلّ مرة،وأنا أطارد كل كبيرة وصغيرة تتصل بحدث عربي أفترض أنه جدير بالاهتمام يستوجب سبر أغواره وفهم ملابساته وخلفياته والبحث في أبعاده وانعكاساتها؟
أم أني أقلعتُ عن ممارسة هواية آثمة في ملاحقة "نجوم" السياسة العربية وهم يصولون ويجولون ويصهلون ويعدون ويتوعّدون في عرض مسرحي عبثي بلا مضمون غايته فرض الحضور الركحي والإبهار بالديكور والأضواء والإيهام باستيعاب الدرس من هزيمة عربية مزمنة ومستفحلة...
ترى هل أني أعمد إلى مقاطعة الإعلام السياسي العربي وخذلان نجومه وهم يغزونه بالتهريج الممجوج والمراسم المملة والقبل الثعلبية والخطب النارية...هل أني قررت، فجأة، الإقلاع عن تعاطي هذا الترياق الذي كنت أقبل عليه بشهيّة كما يقلع المدمن عن الإدمان تدخينا وخمرا وحشيشا وعهرا؟...
ثم لماذا هذا التوقيت بالذات لهجر الاهتمام بالشأن العربي والحال أنّه توقيت يتزامن مع انعقاد قمّة عربية يستضيفها خليفة أمين القومية العربية وعميد الملوك والرؤساء العرب ويحيطها الشعب الليبي بعنايته وكرمه وأهازيجه وتراثه؟...
ولعلّ الذي يثير الفضول في هذه النزوة التي اعترتني هو قراري أن أخصّص الوقت الذي كان من المفروض أن أنفقه في متابعة مستجدات القمة العربية وأطوارها وقراراتها في التزود بالشعر وتحديدا بالمعلّقات السبع لأستعيد قراءتها وإنشادها وأستحضر شروح ما استعصى من كلماتها ومعانيها...
كان لي ما أردت،ووجدتني أحضر أشغال قمة عربية أصيلة معتقة تليدة نجومها طرفة بن العبد وعنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى وعمر بن كلثوم والحارث بن حلزة ولبيد بن ربيعة وامرئ القيس،وهذا الأخير طربت لشعره وانجذبت إليه من حيث لا أدري...ربما لأنه ابن ملك بني أسد،ويُروى عنه أنه مولع باللهو والصيد والفسق ،وأنه استعمل دهاءه في الانفراد بحسناوات وهن يستحممن في غدير بينهن ابنة عمه التي أحبها وهام بها،وأنه حجز ثيابهن واشترط عليهنّ ليسترجعنها الخروج من الغدير عاريات...ثم أنه ذبح لهن ناقته فأكلن لحمها شواء وسقاهنّ من نبيذه...وهو القائل:
وإنّ شفائي عَبرة مُهْراقة        فهل عند رسْم دارس من مُعَوَّل
ما أحوج الزعماء العرب إلى استحضار هذا البيت لدى افتتاحهم أشغال قمّتهم التي تتلهى كمثيلاتها السابقة بالحبيبة فلسطين التي فرّطوا فيها من جرّاء طيش شبيه بطيش امرىء القيس...
بعد أن انقضت القمة العربية بسرت الليبية وأنشدتُ خلالها،منشغلا عنها، ما طاب لي من شعر المعلقات السبع، عاودني الحنين إلى عادتي القديمة،وجدت نفسي عاجزا عن مقاومتها وكبحها...بل إنّ لهفتي كانت شديدة للتعرّف على ما فاتني من أخبار حدث القمة...لكني لم أجد رغبة في التدارك بالنبش في الصحف والمجلات الورقية والالكترونية ولا في البحث عن ضالتي في قنوات فضائية،وتعلقت همتي بالسؤال عنها لدى معارفي...
ولأني خشيت أن تحوم حولي شبهة ما لو بحثت عن ضالتي لدى أهل ذكر من المهتمين بالشأن العربي من الأصدقاء فلقد لجأت بينهم إلى المولعين بالتجارة وكرة القدم الذين تطوعوا مشكورين بإفادتي بما قلّ ودلّ وقالوا لي ما مفاده أنّ صفقة القمة العربية أُجّلت إلى قمة استثنائية تعقد في الثلث الأخير من هذه السنة،وأنّ شوطا ثانيا لهذه القمة تدور فعالياته بعد تلقّي التعليمات من حكم المباراة الأمريكي...كانت الإفادة لي غنما من غير أهل الاختصاص والذكر وأيقنت أني كنت أندم لو لهثت وراء أحداث القمة العربية وشغلت بها نفسي مفرّطا في الاستمتاع بالشعر الجاهلي في معلقاته السبع... ووجدتني أنشد بيتين من معلّقة طرفة بن العبد:
وما زال تشرابي الخمور ولذّتي       وبيعي وإنفاقي طريفي ومُتلدي..
فإن كنتَ لا تسطيع دفع منيّتي          فدعْني أبادرها بما ملكتْ يدي
وأدركتُ أننا بحاجة إلى خمر طرفة نتداوى بها من الخزي والعار الذي وصم حاضرنا العربي
وهل من مهانة أشدّ إيذاء للشعوب العربية من أن يجتمع أولو أمرها المُحكمين قبضتهم على رقابها دون أن تكون لهم نفس القدرة على حمايتها أو تحرير إرادتها بل أن يُقرّوا بعجزهم عن مواجهة أعدائهما الذين يستخفّون بهم وبقممهم وسوق عكاظهم...
لسنا ندري هل أنّ التصريح بأنّ جامعة الدول العربية قد استنفذت الغرض من إنشائها يُراد به قبر جثّتها المتعفّنة أم استبدالها بما يتلاءم مع القادم من انشطار يتربّص بدول عربية تحتاج إلى صياغة جديدة في الوحدة بين اليمن واليمن وبين الصومال والصومال وبين السودان والسودان وبين لبنان ولبنان وبين العراق والعراق...لعلّ ذلك هو القصد من اتحاد عربي مقترح...
يجب الإقرار بأننا لا نستطيع الاستفادة من عصرنا لأننا غير منخرطين فيه،وعليه علينا الاستفادة من عصر الجاهلية العربية واستحضار المعلّقات السبع في قمم قادتنا وتقاليد القبيلة والخيمة والناقة في حياتنا اليومية، فهي أقدر على منحنا التكيّف مع واقعنا وحمايتنا من تخاذلنا ومن شرّ أعدائنا...فنحن:
من معشر سنّتْ لهم آباؤهم       ولكلّ قوم سُنّة وإمامها (لبيد بن ربيعة)
ولا بأس أن نتسلّح كشعوب عربية نرث المعلّقات السبع ببيت لعمرو بن كلثوم:
إذا ما الملك سام النّاس خسْفا      أبينا أن نُقرّ الذّلّ فينا
وأن نستوعب الحكمة من قولة الحارث بن حلّزة في معلّقته:
لا يُقيم العزيز بالبلد السهل ولا ينفع الذّليل النّجاء
آنذاك يحقّ لنا أن نتصالح مع بيئتنا ونكتشف عطاءها الذي لا ينضب ونكسب شجاعة عنتر بن شداد وصبره على الضيم ونُبيح لأنفسنا شرب نبيذه منشدين معه:
      وإذا شربت فإنّي مستهلك       مالي وعرضي وافر لم يُكْلَم
وإذا صحوت فما أقصّر عن ندًى      وكما علمْت شمائلي وتكرُّمي
أما علاقة العالم العربي بما بعد عصر الجاهلية فإني لم أعثر له على أثر في القمم العربية اللهمّ من خلال "أردوغان" الضيف غير العربي على قمة سرت والذي يحمل أعباء إرث الإمبراطورية العثمانية الإسلامية ويقول كلام الواثق بالنصر الإسلامي لا العربي...
قيل لي أنّ بعض القادة العرب تخلّفوا عن حضور قمّة سرت الليبية.
قلت:ربما انشغلوا مثلي بالشعر الجاهلي ومعلّقاته السبع.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !