مواضيع اليوم

قل من حلل الغناء ..؟!

تركي الأكلبي

2010-07-31 09:48:19

0

قل من حلل الغناء ..؟!

الحق أنني هنا لست مدافعا عن " تحليل " الغناء . فجلّ الغناء المتناثر على الساحة غثاء وعواء !.

ولكن السؤال الافتراضي يقول : هل تعتقد أن الردود على محلل الغناء بصيغتها المطروحة الآن تتناسب مع فتواه بتحليل الغناء من حيث الخطورة على بنية المجتمع وعقيدته وتقدمه ومستقبله وعلى تلاحم أبناء الوطن وألتفافهم حوله .. ؟!
فإذا كانت الإجابة : بالقطع " لا " فأن من المؤكد أنه لن يقول قائل في تبرير نمط الردود على محلل الغناء سواء من العلماء أنفسهم أو من المؤيدين لما تضمنته تلك الردود .. لن يقول :
( أن فتوى تحليل الغناء سبب من أسباب هلاك المجتمع وتفكك لحمة وتماسك الوطن !) ..

وبما أن الأمر كذلك ، وبغض النظر عن خطأ أو صواب فتوى تحليل الغناء فأن السؤال الأحق بالإجابة هو : لماذا وصلت الردود على محلل الغناء إلى هذا المستوى من الغلظة والقدح في شخصه إلى درجة طلب الحجر عليه والفتوى بعدم جواز الصلاة خلفه ؟!

فهل هناك تفسير آخر يبدو أكثر إقناعا لمن يقارن بين فتوى محلل الغناء وموضوعها ( الغناء !) من ناحية ، وبين غلظة الردود وبعدها عن مناقشة فتواه في إطار الرأي والرأي المخالف مع الأخذ في الاعتبار من سبقه بتحليل الغناء ؟!

وللإجابة على هذا التساؤل .. اعتقد أن التالي هو الأقرب لتفسير ما حدث .:

أن من يقرأ ردود بعض علماء الدين على محلل الغناء ، بتمعن وتجرد وموضوعية ، سوف يتبين له أن تلك الردود وتفاعلاتها ليست مجرد حدث عابرا نشأ عن اختلاف في الرأي حول مسألة فقهية . بل هو نوع من الانفعال تجاه كل ما يمكن أن يؤثر سلبا على منهج مواجهة تبعات الحراك الفكري والثقافي والانفتاح
على منجزات الآخر ، ولم تكن فتوى تحليل الغناء والرد عليها سوى جزئية من هذا المنهج ذو الطابع الانفعالي .

ولعل من أهم ما يواجه بمثل هذا النوع من الردود ذات الطابع الانفعالي الذي كثيرا ما يؤدي إلى شحن عواطف كثير من المتلقين السلبية تجاه المخالف هو :

أولا : كل رأي يحمل تحليلا للواقع السعودي مقارنة بمنجزات الآخر العلمية والتنظيمية والثقافية ، فيواجه بالرفض القطعي باعتباره فكرا تغريبيا .

ثانيا : كل فتوى ينظر إليها من زاوية " شق الصف " كفتوى الغناء والاختلاط . ويواجه ذلك بنوع من " الشخصنة " كإنكار أهليه المفتي للفتيا ، ونقص علمه الشرعي ، وعدم تخصصه ، ثم المطالبة بالحجر عليه ، والفتوى بأن الصلاة خلفه لا تجوز .

وفي كلتا الحالتين يتلقى كثيرا من العامة الأقل علما وفقها ردود العلماء في تفاعلاتهم بسوء فهم وانفعال عاطفي غير عقلاني وغير متزن فيلبسون المخالف ثوب الانحلال والعدائية والمؤامرة وسؤ البواطن ثم يجلدونه بكثير مما يتنافى مع تعاليم الدين الحنيف من الشتم والسباب الأمر الذي لا يقره علماء الدين وفقهاء الأمة .
وهؤلاء هم من يسيئون للإسلام ولعلماء الدين وربما تركوا انطباعا سلبيا وغير منصف لدى كثير من المتابعين تجاه علماء الدين أنفسهم .

وحينما تنظر للإشكال الذي دفع إلى التحرك للمطالبة بتوحيد مصدر الفتيا والحجرُ على من " شذ " برأيه لن تجدها فتوى بإهدار دم مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم بل ستجده " شق الصف " في منهج الدفاع عن مكتسبات أُتلفت .

فأن جاء الرأي الآخر مغايرا للمألوف ، أو جاءت الفتوى خلافا لما اكتسب الجمهور المتلقي للفتوى من اتجاه ، أو كان مما يُرى حرمته دون علماء وفقهاء الإسلام خارج الحدود أصبح بذلك مخالفة ذات طابع عدائي .

نعود الآن لطرح سؤال آخر هو : لماذا يضرب علماء الدين والشيوخ الأفاضل بجدار من العزلة والصمت حول كل يضر ويعيق تنمية المجتمع ؟!
هذا سؤال لا يبحث عن إجابة بقدر ما يبحث عن مخرج يجنبه الدخول في مأزق ازدواجية الكثير من المفاهيم وتناقضها !
ولكني اعتقد أن مما يعين ولي الأمر وصاحب القرار على تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية ورفاهية المواطن وتقدم الوطن هو رأي علماء الدين في أسباب الفساد ، الفقر ، البطالة ، الاحتكار التجاري ، نهب المال العام ، غلاء الأسعار ، رداءة الخدمات الصحية . وأن الأهم من تحليل الغناء بالنسبة للوطن والمواطن هو :

أن يعجز أب أن يجد الواسطة " القوية " لتوظيف أبنه .
وهو أن يعجز مريض أن يجد سريرا " أبيض " لطول
الانتظار .
وهو أن يعجز السواد الأعظم من المواطنين عن بناء مساكن خاصة بأسرهم على أرض وطنهم الكبير بمساحته ودخله ومقدراته بينما يحتكر القلة القليلة الأراضي السكنية والمخططات ويتحكمون بأسعار العقار حتى أصبح من لا يستطيع بناء مسكن خاص به لا يستطيع دفع إيجار شقة صغيرة .
هو أن تسكن أسرة سعودية (صندقة أو عشة أو صندوق جمس ).
وهو أن يدفع التاجر ( ثمن) الموظف في سوق الأقساط المماثل لسوق النخاسة .
وهو أن يتحول ترف الآخرين إلى سلعة أساسية يدفع المواطن ثمنها على حساب الخبز والحليب والسكن والصحة .
وهو أن يموت عشرات الآلاف من المواطنين سنويا على طرق وزارة النقل وشوارع المدن حتى حققت المملكة أعلى نسبة حوادث سير في العالم أجمع .
وهو أن تجامل وتضعف وتستضعف وتستكين وتتوارى مؤسسات وهيئات رقابة الأسعار والغش والاحتكار والأخطاء المهنية والفساد والمواصفات والجرائم وعقوباتها وأنظمتها لتدع المجال مفتوحا لنمو لوبي ضغط استطاع أن يشكل ويصيغ الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأنظمة والقوانين لمصلحته الخاصة حتى أصبح وضع أغلبية أفراد المجتمع الصحية والاقتصادية مجالا للاستثمارات الخاصة المربحة رغم أن الفقه الإسلامي المشرع يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
وهو أن تتراجع الأحكام القضائية وتضعف حتى زادة نسبة الجرائم الأخلاقية والفساد العام بنسب مضاعفة ومتنامية .
وهو أن تعادل نسبة التلوث البيئي والغذائي والصحي في دولة لا صناعة بها مثيلتها في المدن الصناعية الكبرى في العالم الصناعي ..

تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !