قليل من الحيادية يا قناة الجزيرة
قناة الجزيرة الفضائية العربية التي أفلح نظام حسني مبارك البائد في تحييدها على نحو كبير خلال أحداث الثورة المصرية عبر حجبها عن البث في كافة أنحاء العالم ... عادت هذه القناة بقوة لأداء دورها بعد إنهيار نظام حسني مبارك .....ولكن الذي لوحظ على أدائها أنه تخريبي محرض يستعجل النتائج وكأن حاضر ومستقبل الشعوب مجرد سلق بيض . بل ويفتقر أدائها ومنهجها العام لحد كبير إلى المهنية والحيادية المطلوبة التي تحترم وتقدم الرأي والرأي الآخر ؛ وتعرض كليهما على قدر متوازن ..... وعلى شاكلتها جاءت إذاعة ومحطة تلفزيون البي بي سي العربية البريطانية الأصل ....
الذي لفت الأنظار من سلبيات ومآخذ على هاتين القناتين بوجه خاص أنها وفي حين تستضيف المعارضين في ليبيا واليمن والبحرين والجزائر وغيرها . فإنها تتغاضى بدرجة ملحوظة عن إستضافة أمثالهم من التكنوقراط أو المؤيدين لأنظمة الحكم القائمة في هذه البلدان . وكأنّ المسألة هي مشكلة قائمة بين النظام والمعارضة فقط ليس إلا ّ . ولا وجود لرأي ثالث من أبناء الشعب يرفض بعض أو جميع ما يجري وتسوقه المعارضة من حجج . أو يرى فيما يجري سلبيات خفية وهدم وتخريب لمنجزات تنموية وعلاقات جيو إقتصادية وثقافية وإجتماعية إستراتيجية ضمن منظومة بعينها .....
والسلبية التي لوحظت بقوة أن المذيعين في الجزيرة والبي بي سي العربية عادة ما يتحججون ويتعللون بعدم الإستماع للرأي الآخر أو عرضه أو إستضافته بأن هذا الرأي الآخر يمثل رأي النظام الحاكم بالضرورة ..
القمع في إيران .. من كان بلا خطيئة فليرمي العرب بحجر
إحدى المذيعات في الجزيرة عللت الموقف من تجاهل عرض الرأي الآخر بقولها أن الصور والأفلام المرسلة إليها المعروضة في شاشاتها على علاتها تغني وتقطع قول كل خطيب..... وتجاهلت هذه المذيعة أن اللقطات المعروضة كانت تظهر أيضا أعمال تخريب وحرق متعمدة يمارسها جانب المعارضة في حق ممتلكات عامة وخاصة .
كذلك تعلل المذيعة تجاهلها للرأي الآخر المنشود بالقول أنه حاول الإتصال بالوزير الفلاني أو المسئول الفلتكاني في الحكومة أو الحزب الحاكم ولكنها لم تتلقى ردا .. وهو الأمر الذي يعزز عدم تمتع المذيعين في قناتي الجزيرة وبي بي سي العربية بالمهنية اللازمة (ولا نقول المصداقية والثقافة السياسية) إذ لا يمكن أن نتوقع دائما أن الرأي المقابل لمعارضة سياسية أو طائفية أو قبلية مّا بعينها هو بالضرورة رأي حكومي رسمي وكفى .
وبالطبع فإن هذا المنحى بعيد كل البعد عن الواقعية والحقيقة ؛ خاصة وأن هناك الكثير من التشابكات القبلية والعرقية والطائفية المعقدة في بعض البلدان العربية. على عكس مما هو عليه الحال في التجربة التونسية والمصرية التي تتميز شعوبها بأنها كتلة إجتماعية وثقافية وعقائدية وطائفية واضحة المعالم .. إما مصري أو أجنبي ... إما مسلم أو مسيحي .... وهو ما يجب الأخذ به في الحسبان عند عرض مطالب هذه الفئة وتلك . والمعارضة هنا والموالاة هناك في غيرهما من بلدان.
في اليمن ... مواجهة أهلية بين مؤيدين للنظام ومعارضون
لقد لوحظ أن مقدمي البرامج الحوارية في الجزيرة وكذلك بي بي سي يلتفتون بالهشاشة والبشاشة والآذان الصاغية تجاه كل معارض لنظام حكم في بلده يستضيفونه داخل الإستديو أو يخاطبهم من سماعة الهاتف . في حين سرعان ما تتبدل نبراتهم وملامح وجوههم ، وبتعاملون على طريقة عبَسَ وتولـّى في مواجهة كل من يحاول إبداء رأي آخر موال للنظام أو يطرح حلولا سلمية دون إنتماء لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك ؛ وإنما ينطلق من وحي ضميره الوطني المحض وحسه القومي فحسب.
لقد كانت هذه النظرة الضيقة والقراءة الغير صحيحة لواقع الأحداث في الداخل أثرها السلبي في التجربة اللبنانية على سبيل المثال. وكذلك الجيوفلسطينية بين حماس والسلطة .. كما سبق وبانت على نحو صارخ في التجربة العراقية حين ركز الجميع عشية وعقب الغزو الأمريكي على العلاقة بين نظام صدام حسين من جهة والمعارضة الشيعية وحدها من جهة أخرى ...... وبين هذا وهؤلاء أهملت آراء السنة والبعثيين والقبائل وغيرهم من طوائف أخرى وألوان طيف سياسي وعرقي مختلفين جذريا مع صدام حسين ولا إنتماء لهم سوى للعراق . فكان أن ساد العراق ولا يزال موجة وموجات من أعمال العنف والتخريب من كل حدب وصوب.
ليست كل الدول والمجتمعات العربية هي كمثل حال وظروف مصر وسوريا والعراق والسودان تشرب من ماء جاري وتأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع الآن ...... وعلى سبيل المثال هناك في ليبيا نعرات ومشاكل وتجاذبات قبلية وعرقية وعرب وأفارقة وأسياد وعبيد لا يمكن تجاهلها .. وكذلك الحال بالنسبة لليمن وموريتانيا وجيبوتي والجزائر .
في الجزائر
هناك دول عربية صغيرة وفقيرة أو معدومة الموارد الطبيعية الثروات القومية تقريبا ولا تزرع أو تنتج خبز يومها وإدامها وما تأكله من خضروات بل وتشربه من ماء . وتظل هذه في أمس الحاجة إلى السلم الإجتماعي والإستقرار وإلى صيانة علاقات متوازنة مع جاراتها العربية القوية الغنية لدرء مخاطر إنهيار إقتصادها وتمزق نسيجها الإجتماعي وإصابتها بالمجاعات.
الأرض بتتكلم عربي
برغم محاولات قناة الجزيرة المستميتة بالتحريض ولدق أسافين الفرقة والشتات بين أهل البحرين لتفريقهم أيدي سبأ ؛ فقد أثبت هذا الشعب العملاق الذي ينتمي إلى حضارتي دلمون وأوال العريقة أنه صخرة منيعة في وجه أعدائه وأن أرضه العربية هي العشق السرمدي والمرجعية الأولى والأخيرة . وقد تنفس القوميون العرب الصعداء بعد أن توافق أهل البحرين شعبا وحكومة على حقن الدماء والجنوح للسلم والتنادي للحوار الجامع لأجل الوصول بالسفينة إلى بر الأمان المنشود ....... وبرغم أنف قناة الجزيرة وبي بي سي العربية . .... حبذا لو أصبحت البحرين وشعبها مثلا يحتذى لكافة الشعوب العربية
إذن فالمطلوب من قناة الجزيرة (بإسم العروبة والدين) وحتى لا تساق إليها الإتهامات بالعمالة لجهات خارجية كما درج البعض على نعتها به .. وحتى لا ينفض العقلاء من حولها وتخسر الكثيرين من معجبيها ومشاهديها في هذا الظرف العربي الحرج .... المطلوب منها أن ترعوي وتخجل وتستحي . وتسعى حثيثا لعرض صورة بانورامية كاملة لكافة الآراء الحاكمة والمؤيدة والمعارضة والمحايدة إن وجدت ؛ والتي تتمثل فيما بات يسمى بالأغلبية الصامتة ؛ حتى لا تتحول الإنتفاضات في الوطن العربي إلى مجرد محاكاة عمياء ومحاولات لقلب نظام حكم قائم وحسب ، دون تفكير ومداولة فيما بمكن أن يؤول إليه الحال والوضع الأمني والإقتصادي والمعيشي اليومي بعد زوال هذا النظام أو ذاك ، سواء على مستوى الداخل أو طبيعة العلاقات التي تجمع هذه الدولة وشعبها بجوارها من دول وشعوب تؤثر فيهم وتتأثر بهم.
والخلاصة أن لا أحد ينكر حق الشعوب أو قطاعات منها بالثورة والمطالبة بحقوقها المشروعة ... ولكن لا نرجو أن يسعى البعض إلى هدم نظام ليقيم بدلا منه نظاما أبشع وأعمى بصراً وبصيرة. أو تخريب وهدم منجزات تنموية وإقتصادية لمجرد إشفاء الغليل وتصفية حسابات وشماتة أعداء وخصوم في الجوار أو الإقليم . وحيث لا نزال نؤكد ضرورة الإستماع إلى وجهات النظر المتعددة دون إبتسار للرأي والرأي الآخر وحصره بين معارضة نشطة وحكومة قائمة. وأن تعمل الجزيرة على تشجيع جانب الحوار وليس إزكاء نار الخصام والشغب والجدال.
وأما بشأن البي بي سي العربية فلا مندوحة من القول أنه وابنظر إلى حقيقة مصدرها وأصلها البريطاني صاحب التاريخ الإستعماري البغيض وعلاقتها الإستراتيجية بإسرائيل والصهيونية العالمية ؛ فإنه لا يحق لنا مناشدتها والقائمين عليها بتوخي مصلحة الأمة العربية والمسلمين بل وحتى الأقباط ..... .
التعليقات (0)