قليل من التفكير ...يكفي

تعتبر مشاريع التنمية على المستوى القومي مشاريع نهضة للدولة وتنمية لقدرات الشباب وطريقة ناجحة لزيادة الشعور بالانتماء والاعتزاز بالوطنية...كان بناء السد العالي المصري نموذجا لهذه المشاريع الضخمة التي تجمع حولها شعب مصر مؤيدا وعاملا في دأب غير مسبوق لأن الإحساس بالملكية العامة أصبح مختلطا بالإحساس بالملكية الخاصة ....وحين يشعر الناس أن هذا المشروع أو ذلك المشروع سوف يعود عليهم أو على أبنائهم بالخير يعتبرونه مشروعا عاما له أهمية المشروع الخاص وهنا ينشأ الشعور بأن الدولة لهم وربحها يخصهم وأن بناء المشروع نجاح خاص وعام في نفس الوقت...حدث هذا أيضا في مشروع الصالحية الزراعي حيث كان العاملون في هذا المشروع يعملون أربعا وعشرين ساعة يوميا بالتناوب كل حسب طاقته...كنا نقابل أكبر المسؤولين في المشروع في أي وقت نشاء لأن المشاعر القومية الصادقة كانت تدفعهم جميعا لبذل أقصى الجهد....كلما كبر المشروع وتضخم تضخمت معه مشاعر الحب والإخلاص في العمل وأصبح العاملون والشعب كله في خدمة العمل ....ومن أضخم المشاريع التي مرت بمصر والتي تجمع حولها كل فرد في الدولة إلى جندي شريف وتوقفت أعمال السرقة والجريمة هو مشروع تحرير سيناء في حرب الاستنزاف ثم في حرب أكتوبر المجيدة...ثم كان مشروع توشكي والعوينات وما شابه هي مشاريع لا يقدرها إلا من اشتغل بها ورآها رأي العين...لأن الناتج من تنفيذ المشروع كل يوم يزيد من الإحساس بالنجاح وقهر الصحراء وقرب قطف أول ثمرة من النخيل والمحاصيل من أرض لم يصدق أحد أنها تثمر وتزرع....ولو تعثر المشروع نتيجة رأي مخالف أو تشكيك فسوف يتلاشى الإحساس بالنجاح ويحبط العاملون فيه أيما إحباط دون حق ويتحمل المشككون وزر هذا الإحباط...أنت أيها المثبط حجر عثرة في تنفيذ مشروع يحول الصحراء إلى أرض زراعية تنتج زرعا وثمرا يستفيد منه الشعب كله ...فلا أنت شاركت في هذه الملحمة ولا تركت من يعمل ليكمل ما بدأ....في هذه الفترة التي تلت ثورة 25 يناير نحن نبحث عن مشروع قومي يجمع الناس يتفرغون فيه للإنتاج ويبنون صرحا اقتصاديا جديدا كما بنى لنا كبارنا سدا عاليا حول زراعة مصر من الموسمية إلى الدائمة وكما تحولت صحراء الصالحية إلى أرض يأكل من خيراتها شعب مصر وكما حفر أجدادنا قناة السويس لتكون مصدرا أساسيا للدخل القومي كنا نشكك في نية من حفرها ونصفه بالقسوة على العمال ونقول أنهم كانوا يعملون بالسخرة....ليت من يحكمون الآن يقسون علينا وينفذون قناة سويس أخرى بالسخرة حتى يستفيد منها أحفادنا القادمون....نحن الآن ينقصنا مشروع قومي يجمعنا وينسينا الفتنة الطائفية ويشغل شبابنا عن اللهو ويبعد عنهم شبح البطالة ويعيد الشعور بالانتماء والوطنية ويرفع شأن مصر ...فقط بعض التفكير يكفي لنخرج من نفق الفراغ والخوف من المستقبل....قليل من التفكير يكفي.....