مواضيع اليوم

قلوب خرساء... و عيون تحكي

زينب بلحاج جلول

2011-11-29 16:17:07

0

ساد سكون عذب يملأ القلب راحة و طمأنينة... و تجمع هؤلاء الأطفال في كتلة واحدة شبه عارية... يحملون طاقات الأزهار على مناكبهم، فلا ترى سوى أغصان من الورد الذابل بين الأعشاب النضرة... كانوا واقعا مجسما للنقاوة و الطهر و العذوبة... و لم يتجاوز عمر كل واحد منهم السبع سنوات... و كانت الابتسامات التي رسمتها الآلهة على ثغورهم صدى للأ حلام العلوية التي يحومون في فضائها أو ربما جرحا عميقا في ذاكرة الأيام...
اقترب من أمين أفندي صبي ابن خمس، و بصوت ضعيف يملؤه الانكسار و الذل و الألم قال:أتشتري وردا؟. فراح الرجل يتأمل مظهره بابتسامات هي أمر من الدموع، و أرق من الكلمات التي تحدثها الشفاه، و تضطرب بها أوتار الحناجر، ثم ابتاع بعض الآس بغية ابتياع محادثته، لأنه شعر بأن وراء عينيه الباهتيين فؤادا صغيرا ينطوي على رواية من مأساة طويلة... و راح إذ ذاك يستخبره عن نفسه، و يجيبه الفتى مستغربا لأنه مثل أترابه الفقراء، لم يتعود غير خشن الألفاظ و أقسى الكلمات من أولئك الذين ينظرون إلى أطفال الأزقة، ثمرات المعصية كما يقول بعضهم، كأشياء حقيرة رخيصة السعر في سوق الأيام، لا وجود لها، و ليس كنفوس طافحة بمرارة القدر، مكلومة بسموم الدهر...
تجرعت عواطف أمين أفندي تلك الكلمات القليلة من فاه الفتى قبل أن تصل إلى مسامعه، لأنه عرف بلحظة أن هذا الطفل هو ابن هيلانة البانية، تلك الصبية المسكينة التي لطالما سمع حكايتها من الناس، هي الآن عروسة الموت، فريسة الآلام، تلك اليتيمة التي كانت بالأمس بين أودية بعلبك الجميلة، مستأمنة بين أشجار الحور و الياسمين هي اليوم تعاني ذل الفقر و مضض الأوجاع، هي زهرة مسحوقة داستها نعال البشر بقساوة، و لكنها لم تخف عطرها المتصاعد نحو السماء، كان أمين أفندي يفكر و يتخيل هذه الأشياء مبتدعا منها صورا و أخيلة غريبة حزينة، و الصبي ينظر إليه كأنه قد رأى بعين روحه العذبة انسحاق قلبه، و إذ هم بالانصراف أمسك الرجل بيده و قال بإلحاح:خذني إلى أمك يا خليل، أود أن أراها....
فهز الصغير رأسه، و سار امام أمين أفندي صامتا متعجبا، و كان من فينة إلى أخرى ينظر إلى الوراء ليتأكد إذا كان بالحقيقة متبعا خطواته...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !