مواضيع اليوم

قلق الثقافة

jamaleddine elbouazzaoui

2011-03-02 21:14:31

0

 شكلت مسألة الثقافة واحدة من القضايا المثيرة لكثير من الإشكاليات الفكرية   والمجتمعية والإنسانية.  وشكلت على الدوام موضوعا للمقارعة الحجاجية بين حقول فكرية تختلف من حيث  المناخ المرجعي والاديولوجي والأخلاقي... ولا أحد أنكر وينكر مدى الحمولة الإنسانية والهوياتية التي يكتنزها متن الثقافة الذي بات يتشوه بفعل عوامل العولمة الاقتصادية والتعرية الثقافية  والتجوية القيمية.. الأمر الذي بات يوسم وجه الثقافة بالقلق. قلق يزداد حيرة بتسارع وثيرة الاكتساح الاقتصادي للدول الغنية الذي يخفي في عمقه رغبة هوجاء في الامتداد الثقافي الذي  يؤسس لامبريالية جديدة  يمكن تسميتها بالامبريالية الثقافية ، التي تتخد من العلم والتكنولوجيا والمادة والصورة آليات  ومكانيزمات اشتغالها.

    إن أطروحة هذا المقال المتواضع ليست تغنيا  وتطبيلا للفلسفة الماركسية التي  تقر بجدلية الاقتصاد والفكر مع اشتراط  تبعية الثاني للأول . لكن هي تركيبة  موقف إنسان  حول ما  يعايشه ويتفرج عليه من حلقات مسلسل " تراجيديا الثقافة " الذي هو من إخراج وبطولة  "هم"   وتمثيل وتشخيص "نحن". وبيننا نحن وهم علاقة تفاوت  في المنطلق والمسير والمنتهى.

    إن مفهوم الإنسان الأعلى " النيتشوي "  يجد امتداده في مفهوم الإنسان الأخير " الفوكوياموي " الذي يحتكر لذاته صبغيات الإرادة والعمل والإنتاج والحداثة والقوة والعلم...التي تجعل منه كائنا متميزا في تمثله  هو وتمثل من هم آخرون بالنسبة إليه. فالتفوق الاقتصادي ل "هم "  والوهن الاقتصادي ل "نحن" هو ما يتحكم في كل التفاعلات الثقافية بين الشعوب والمجتمعات . وهذا التفاعل قد يكون بصيغة الإيجاب حينا ا وبصيغة السلب أحيانا  أخرى.  فوجه الإيجاب يكون في حالة التفاعل الذي يصون لكل مجتمع أرشيفه الثقافي ويحترم دازايانه المتفرد والمتميز والخاص . أما وجه السلب فيقترن بنية التفاعل في تحويل ثقافة مجتمع من ضمير "أنا" الخاص نحو ضمير "الناس"  المشترك. حيث يكون  هذا الضمير الجمعي  حقلا لانذواب ثقافة الضعيف اقتصاديا في ثقافة من هم أقوى ماديا.( انتقال الثقافة من ضمير je  الى ضمير on ).

  إن عملية الانتقال هذه ، ليست بحدث سعيد بالنسبة لثقافة المستهلك اقتصاديا.      لأنها تسلب لها مظاهرها وجواهرها وتعدل جيناتها الثقافية وفق نمط ثقافة الغير ومقاسها..وبهذا الشكل تصير نمذجة الثقافات أحد المرامي الكبرى للامبريالية الثقافية.

   إن اختصاص الأنساق الثقافية بالتغير والتنوع والنسبية يجعل الظاهرة الثقافية محكومة بالديالكتيك الاجتماعي الذي يؤول بها نحو تحولات كمية   وكيفية وفق  قانوني السيرورة والصيرورة . ولأن المجتمعات البشرية باتت  محكومة بقواعد    لعبة العولمة ، فإن سيرة الثقافة باتت تنتتقل من حالة الثقافات المنغلقة نحو        الثقافات المنفتحة ، التي توحد التعدد الثقافي في مشروع الوحدة  الثقافية . وبين  وضعية التباعد الثقافي وحلقة الوحدة الثقافية سيناريو مسلسل مركب على مستوى الشخوص والقيم  والزمكان  والأحداث.

   مر مشوار الثقافة بمجموعة من المحطات الأساسية يمكن إجمالها في ما يلي :  1)محطة التباعد الثقافي  2 ) التقارب القافي  3) التماس الثقافي  4) التداخل     الثقافي  5) الانسجام الثقافي  6) التطابق الثقافي  7)الوحدة الثقافية.

   أما ما يربط هذه  الوضعيات فيما بينها فهي مشيمة الاقتصاد التي تمكن     المجتمعات  من تبادل السلع والمنتوجات علاوة على ما يواكب هدا التبادل             من تبادل للقيم والثقافات.. ومما يؤشر على هدا التلاحم بين السلعة والثقافة  هو تزايد أسهم تداول مجموعة من اللغات بالتزامن مع تزاد استهلاك مجموعة من   المواد.. فتقدم اللغة الانجليزية عالميا يفسر بالقوة الاقتصادية للدول صاحبة اللسان الانجليزي. واليقظة الحيوية للغات الصينية والياياننية تترجم يقظتها الاقتصادية.     إذن فبين اللغات والمواد علاقات وحكايات.

أكيد أن  إرهاصات قلق الثقافة كثيرة ومتنوعة ، تبصم كل مناحي النسق الثقافي      من لغة ودين وأخلاق وعادات اللباس والأكل  ومحددات السلوك. ولا ريب أن    تضخم  ملامح القلق هذه من شأنها  أن تسبب لرساميلنا الثقافية جروحا عصابية ودهانية، تجعل مستقبلنا الثقافي موسوما بالارتباك والخجل في التباهي والتماهي  مع ثقافات الآخر. فلنعمل جميعا على إنقاذ أرشيفنا الثقافي من مقاصل الاحتضار.   لأنه بكل بساطة ،عندما تحتضر الثقافة تحتضر الهوية. أما كيفية صون ثقافتنا من التيهان  فأترك المجال مفتوحا لتصورات القراء الأفاضل.

                                         بقلم جمال الدين البعزاوي

                                   Jamal_philo@hotmail.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !