قلب أمي زهرةٌ بل وردةٌ لا تذبل
أمهات الشهداء --- أمهات الأسرى --- أمهات المُبعدين --- أمهات المُطاردين --- أمهات الغائبين بعُذرٍ شديد كُلهن أحييهنُ وأمي و أدع لهن بالبركة و الرحمة و الصبر و الثبات و ليصل سلامي لكل طفلٍ او شيخ يُعاني فراق الأم و حنانها ...
أمُـــي مُربيتي و مُعلمتي و مُلهمتي ... هي مدرستي الأولى بل روضة طفولتي التي لا تُنسى و هي ذاتها جامعتي و كُلُ عِلمي ... أمي: هي عُمري و صوتي و كلامي و همساتي ... هي عيناي و يداي و مقصدُ نواياي ... أمي .. كلمة صادقة قوية تنطق بها جميع الكائنات الحية طلبا للحنان والدفء والحب العظيم الذي فطر الله قلوب الأمهات عليه تجاه أبنائهن و هي أمي التي أرى بها شعبا بل أمة لا مثيل لها و انت امي التي لم يخلق الله اروع من قلبك و انت ذاتها التي قال عنها حافظ ابراهيم:
الأُمُّ مَـدْرَسَــةٌ إِذَا أَعْـدَدْتَـهَـا --- أَعْـدَدْتَ شَعْبـاً طَيِّـبَ الأَعْـرَاقِ
الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَـعَهَّـدَهُ الحَـيَــا --- بِـالـرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّـمَـا إِيْــرَاقِ
الأُمُّ أُسْـتَـاذُ الأَسَـاتِـذَةِ الأُلَـى --- شَغَلَـتْ مَـآثِرُهُمْ مَـدَى الآفَـاقِ
أمــي الحياة بكل ما فيها و بكل ما مرعليها بها من لحظات جميلة او عذابات و ذكريات لن يمحوها الزمن او تناثر الرمال و خفايا الظلام ... أمي في هذا اليوم أُحييكِ و أحبُ على جبينك بل على قدمكِ قبل يدكِ و ما أنا في هذه الدنيا من شيء إلا بكِ و من أجلكِ فأنا و مالي و روحي و قلبي مُلككِ و فداكِ و نفسي التي ترين ما هي إلا قوة مُهذبة سخرتها لعجزك و ألمك قبل صحتكِ و بقاءكْ كي تبقين عندي وبين جنباي كما كُنتُ جنبكِ و تحت جناحيكِ طيلة عُمري (يكفيني رضاكِ) فأنت أمي التي لم تُرسلني الى دار أطفال او مُشردين و كذا أنا لن أسمحُ لنفسي ان ترسلك الى ملاجئ العجزة و بؤر النسيان حيثُ تُحتجزُ الأمهات المُخلصات بعد انتهاء دورهن في الحياة و خاصة اذا ما حصلنا نحنُ ابناؤهن او بناتُهن على زوج/ة و مال و ولد... المساحات ضاقت كما هي القلوب ... فاليوم أصبح مخزن السيارة و غرفة الخادِمة أهم بكثير من بقاءك انت ... بل نقود بسيطة و جوال أو كما قال مُحمد إقبال:
اغرى امرء يوما صبيا جاهـلا - بنقوده حتى ينال به وطر
قال آاتني بفؤاد امك يا فتـى - ولك الجواهر و الدراهم و الدرر
فمضى فأغمد خنجرا في صدرها - و القلب اخرجه و عاد على الاثـر
لكنه من فرط سرعته هوى - فتعثر القلب المعثر اذ عثر
ناداه قلب الام و هو معفر - ولدي حبيبي هل اصابك من ضرر
فدرى فظيع خيانة لم يأتهـا - ولد سواه منذ تاريخ البشر
وارتد نحو القلب يغسله بما - فاضت به عيناه من سيل العبر -
و يقول يا قلب انتقم منـي ولا - تغفر فإن جريمتي لا تغتفر
واستل خنجره ليطعن نفســه - طعنا و يبقى عبرة لمن اعتبر
ناداه قلب الام قف يـدا ولا - تطعن فؤادي مرتين على الاثر
أمي أحمدُ الله على هذا اليوم و يكفي بأن الربيع زينه و زاده جمالاً ... أمــي سامحيني و تقبلي إعتذاري عن كل تصرفاتي من أفٍ الى غيرها و من غيابي حتى حضوري و سامحني أكثر ان كنت أسيراً كاولئك الأبطال فالقضبان تمنعهم من امهاتهم و هم أقوى و أصبر من كل الجلادين و السجانين و عذابات السجون و اهاتها و ألم الإبعاد عن الوطن و هُم يُنفذون تدريبا بسيطا في احدى دروسك عن فلسطين و لها ... و كم اتمنى من الله لك البقاء و السعادة و ان تتجدد حياتك و عمرك مع كل يوم و شروق و غروب ... و يا ليت حملك بي كان شهرا واحدا لا تسعة شهور: فأنا لن أقدر على سدادك فقط هذا المعروف وكيف نعم و انت حملتني وهنا على وهن و حملتني و ولدتني كرها و قدمت لي كل انواع الرعاية و الامومة و أعتذر منك الان يوم يفر المرء من امه و ابيه فانا لست حينها موسى و انت لست مريم ... و ها هو المُتنبي يُرقرق حُنجرتي حين قال :
أَحِـنُّ إِلَى الكَـأْسِ التِي شَـرِبَتْ بِهَـا --- وأَهْـوَى لِمَثْـوَاهَا التُّـرَابَ وَمَا ضَـمَّا
أمي أشتاق لبيتنا الصغير و ما يحيط بي من مباني عالية لا يُعوضني شيئا من رُظف الطابون الى رائحة القزحة و الميرمية و الكمون و لست أنا فقط بل ايضا مُعلمي و أديبي و شاعري المرحوم محمود درويش الذي قال:
خبز أمي - و قهوة أمي - و لمسة أمي - و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم - و أعشق عمري لأني - إذا متّ، أخجل من دمع أمي!
خذيني ،إذا عدتُ يوما - و غطّي عظامي بعشب - تعمّد من طهر كعبك ...
أمي لقد غدر بي الزمان و المكان و بعد اذنك ولُطفا قررت ان يكون لي أُمين أحداهما أنتي فاطمـة و الثانية هي أم و لكنها تختلف عنك باشياء بسيطة و لكن حتى اللحظة لم تجد إبنها صلاح الدين ...
و يا ليت الابناء يحفظون شيئا من معروف الاباء ... ألا يكفينا فخرا ارتباط اسماءنا باسمائهم و جذورهم الطيبة العطرة و يا ليتنا ندرك ان الجنة تحت اقدام الامهات و هذا المقال إهداء بسيط لك يا أمـــي و لحَماتي و لزوجتي و لجدتاي و لكل أم فاضلة صادقة تقية نقية أنجبت الأدباء و المفكرين و العلماء او أصبحت واحدا منهم ...
التعليقات (0)