مواضيع اليوم

قلبي منديلٌ من ورق

سلطان القحطاني

2009-01-16 18:31:46

0

عويل الربيع المهاجر

"نصوص بين الشعر والنثر والحديث المفترى"

 

1

 

الجنون الشتائيُ المحبب، القنينة الأخيرة تحت مطر الليل، صراخ الحب، وعويل الربيع المهاجر، الإغفاءة الأخيرة وسط صخب الرفاق، واصطكاك الركب في الزمهرير،

 

كل هذا الحنين لك، وكل تلك الهزائم من أجلك. فهيا يا غالية، أعطيني حربا جديدة، لتري كيف سأخسرها دون رأفة. فلتكن هذه الدماء مهرك، وهذه الخدوش توقيعاً على وثيقة زواجك، وهذه الطعنات هدايا لعائلتك ..

 

أما أنا ؟ .. فدعي لي السماء، والحقول، واليمامات البيضاء. أنا من أسرة سماوية عريقة، ولكل عريس الحق في أن يحظر من عائلته ما يريد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

2

 آهٍ لو كانت الذكريات والأحلام والآلام والنكبات ، محسوسةً وترى بالعين المجردة، مثلها مثل أي غيمة أو نيزك مقهور، لكنت جمعت عتادي من الحزن البشري، وبؤس ما تحت أسقف القرميد المتهاوية، وما تحيكه الأصابع المتقرّحة ليلة العيد من فساتين بالية، - تصبح بقدرة قادر فتنة حي الصفيح كله – ، ووضعتها في صندوق عاجي قديم، من سلالة تلك الصناديق التي يتسبب فتحها في عاهة مستديمة، أو ذبحة صدرية إثر كميات الاحتياطي الكبير من الغبار واللعنات، وذلك السعال المتقطع أمام صيدليات الحنين

 

-       وما ذا ستفعل بها يا سيدي؟

 

- سأحرقها حتى آخر دمعة،
فلا يوجد أسوأ من أن ترى خيبتك كل يوم

تحدق بك كالمومس الوقحة.

  

 

 

 3

 

أيها الشتاء الطويل

يا ذا العيون الحادة والأظفار الصلبة

أبعد ليلك الطويل عني؛

فمنذ أول رعشة في سرير

وإطراقة خجل أمام مظروف بريد

فقدت الشهية لك.

 

يا رفيق الضراء

أيها العجوز ذو الهراوة المدببة

رأسي مليء بالكدمات

وقلبي منديل ورق

....

أحذر أن تلهو بقداحتك حول صدري.

 

  

 

4

 

 

يا إله السماوات والينابيع والطيور المغرّدة. يا خالق الوجع اليومي، وسعال الحزن المستديم : كيف يمكن أن أطوي أصابعي، وأضم قبضتي، لأسددها في وجه أول غريب يدلف إلى حقولي، وقصائدي، ومستعمرات الحب والحنان، التي بددت عشرين ربيعاً من عمري، كي أحافظ عليها وأرعاها إلى الأبد ؟

 

 

 

  

 

5

 

 

الضوء يخترق النوافذ المجزأة

مثل جسد خارج لتوّه من معركة بالبلطات

وأسواط الجياد الهزيلة.

 

أيهذا الجسد الغض

كنتَ فكرة ً في مخيلتي .. فجسدتك

كنت صوتاً مصاباً ببحة الأزهار، والكروم البعيدة

فجعلتك من أكثر الأصوات إثارة في التاريخ

...

- هل ستبخل علي حبالك الصوتية بالنداء الأخير

قبل أن يرحل وجهك الحبيب، ملتحما على زجاج نافذة قطار مغادر؟

 

  

6

 

نوافذ الشتاء تبكي ليلاً. تتكئُ على عصى الذكريات، تهشُّ بها على الحزن وذئاب القرن الجديد، دون أن يكون لها مآرب أخرى.

 

آه لو كنت ورقةً لشجرة مهترئة. باسقة وإن كانت طاعنة في الحزن

...

....

أعطوني خريفاً لأسقط. لقد مللت الربيع، والخضرة التي تنمو في سائر جسدي، بسرعة افتراس النمل لجثث الموتى.

 

ألصقوني بالأرض. هنا وطني. مهما التهمت من حشائشه ومروجه، وخدود أطفاله، ونهود نسائه، فسأظل مدينا له بكل هذا الملل،

 

مدينا له بأول خيبة، وأول انكسار

وأول ضربة رمح من "بروتس".

 

 

7

 

الحنين اللعين الحنين اللعين

 

أحن إلى تلك الطاولة المدرسية، المصنوعة من الخشب الناعم

ظاهُرها العاج البنيُّ وباطنها الحديد

كم من الذكريات نحتنا بأظافرنا المهشمة

وكم من الأحلام نسجنا

وكم من الدقائق اختطفنا حين داهمنا الأرق

ولا تشابه لذة الإغفاء عليها

إلا لذة النوم في حضن أم

أو الهزيمة في معركة تاريخية.

 

 

  

8

 

شعرها القصير كالخريف الطارئ

يثير في سمائي الجنون

أكثر مما تسببه الرياح العاتية

وعواصف الشتاء.

 

كم صرخت تحت شرفتها :

البرد قارسٌ

والليل الحنون يهبط على درج السماء.

 

يا سنبلة الوجع الغض

هذه الشموع قصيرة الأمد

مثل حزنك المسافر

مع عربات الجياد وقت المساء.

 

  

9 

أيتها الرياح العميقة

أيها النداء البعيد البعيد، من جرف الحزن القاريّ

من أين لك كل هذا ؟

 

أريد كشف حساب عاجل بهذه الأحداث ، واللعنات

والطعنات التي تلقيتها طوال عشرين عاماً.

 

أريدها كاملة دون نقصان،

وبفوائدها أيضاً

فالربا محرم في كل شيء إلا في الحزن.

 

 

 

 

  

 

10

كثيرة هي الردهات الرمادية. الوجوه التي يعتريها الخجل. إطراقة الحياء عند أول تحية، وأول قبلة، وأول التقاء لإصبعين في عتمة السينما.

 

كثيرة هي الذكريات. أيتها الأحلام المجندلة على الوحل، ومزاريب الأكواخ النائية.

 

أعطيني ذراعاً واحدة. الرحلة طويلة وعكازي كليل، وهذا القنديل المتراقص ضوءه كالأفعى، لن يكفي كي يضيء لي الخطوة المقبلة

فما بالك بالقرن المقبل الذي سأعيشه.

  

 11

 

ها قد رحل. هاهم يغطون مفاصل قصره الكبير

بالأصابع والملاءات البيضاء.

 

يا لهذه العربة المثقلة بالحزن،

ودموع رجلين مسكونين بالحسرة.

 

أي رسالة خطتها تلك الأصابع الإقطاعية؟

تحت أي سماء ؟

وأمام أي حقل؟

وجوار أي شمعة أو محبرة؟

 

إن المطر المتساقط بهذه الوفرة

على الحقول، والجداول، والقيعان، والجداول المتثائبة

لن ينعش هذا القلب مطلقاً

 

فلا أجمل ولا أسوأ من أن يكون قلبك

محكوم عليه بالجفاف الأزلي.

 

 

 

 12

 أمام المدفأة المخلوقة من غبار القرن التاسع عشر

تحيكين ذكريات الزمن الماضي والمقبل

 

وتلك الريح؟

الريح التي ترقص الباليه فوق السقف المتهدل

ماذا تقول لك، وماذا تقولين لها؟ .

 

أتركي الإبرة تتحدث في كومة الصوف

فهي تعرف كيف تصل إلى ما تريد

ببراعة أكثر منك.

 

 

 

 

   

13

 

أيها الرعب المقيم خلف الأبواب

وبين الحيطان

أيتها الدمعة المستورة بالمرفق في حُلكة الليل،

هاهم الأحبة غادروا

جمعوا حقائبهم بالأيدي المصابة بالجليد

قذفوا الموت على ردهات المنزل الكبير

أحالوا جميع الذكريات إلى التقاعد

خبئوا الحنين في القلب.

 

يا له من حنين لعين

ذاك الذي يشدك كل دقيقة

 

 

-       الحنين ضمير متصل

لأنه لم يفارقني منذ ربع قرن

مثل ملاكٍ يعمل في البلاط الإلهي للمرة الأولى.

 

 

  14

 

في خمّارة بعيدة عن الضوء ومزابل الألفية الثالثة

نمت كزنبقة في صحراء كالحة.

 

فستانها المزركش بالحلي الفضية، وساقاها النحيلتان

هما صوتي وانكساري وغربتي.

 

الغربة الغربة

هذه الأرض قصيدة لم تكتب بعد،

يا دفاتري

استفيقي كالخراف الصغيرة خلف الشمس

اصعدي تلك السهوب البعيدة

وأحضري لي من أعلى قمة في التاريخ

صلوات حزن تليق بجرحي.

 

- أيهذا المطر الذي يدق سقف الكوخ الخشبي

أيها الضيف الذي يأتي مُزعجاً، وفي أي وقت

كما تحب الآلهة والغيوم المكتنزة

هل تحمل جواز سفر؟

-       نعم ... وعليه ختم الربيع.

 

 

 

 

 

15

وقَفَتْ أمام ضريحك

بلباسها الأسود وجفنيها الهزيلين

الشمس تُلقي أشعتها الحارقة

وهي تلقي عليك تحايا المساء، والسماء، والعائلة

وحقول القمح وشريط الزيزفون

النامي أمام العتبة الإسمنتية.

 

تصلّين تصلّين

عل هذا القبر الموحل يتحول إلى مهرجان،

إلى كرنفال العبير وأطواق الياسمين المحكمة حول العنق.

 

آه لو يشعر النائمون في ظل الأبدية

بمقدار الحرقة التي تنتاب رفاقهم،

لحاربوا ملائكة الموت

بالأظافر والأنياب واللعنات.

 

  

 

16

أين شعرك يا سارا، وتلك النظرة التي تشبه فراشة تهم أن تحترق؟ .. هل ما زلتي محتفظةً بها ؟ ، في بنك إلهيٍ وضعتي تلك اللمحة البشرية، في نهر صغيرٍ نظرتي إلى صفحته؟.  تعالي إلي، لقد أنحنى ظهرك كالقوس

فإلى أين أطلق سهمي، ومتى ؟ .

 

آن تأتين

تنبت أصابعك حقول العشب، وفراخ الياسمين،

- كأنك مشتلٌ متحرك يحمل عقدا إلهياً

بأن يكون سفير الربيع.      

                              

ثم ما هذا الخصر الذي كلما طوقته يوشك أن ينكسر ؟

أو كلما هممت به : نهراً نهراً، وساقيةً ساقيةْ.

 

مع ذلك تبكين؟. تغرسين أظافرك الزاهية في الوسائد المثخنة بليالي الحب، تقذفيني قلبي بالفناجين واللعنات المرسلة بعناية.     أيتها الحمقاء ..

أيتها الزهرة المحكوم عليها بالخلود في حديقة قلبي

توقفي عن البكاء، وهاتي رأسك الحبيب،

 

-       سأعزف أيها القوس.

 

لندن – اغسطس،2006




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !