انطلق الكتاب من فرضية مفادها أن المناهج التربوية في حاجة ماسة إلى إعادة تدبير منظومة القيم بها، ويتعزز هذا المشروع الإصلاحي لتطوير المناهج التعليمية بسعي دائم نحو تعميق آليات غرس القيم الإسلامية باعتبارها منهجاً متكاملاً ومتوازناً للحيـاة لدى الناشئة. فبناء على التوصيات والنتائج العلمية التي ما فتئت تنبه إلى أن مناهج التعليم في البلاد الإسلامية زاخرة بزخم مفهومي وتنظيري فقهي، يقابله فقر بيِّن لتجسيد القيم في السلوكات اليوميـة للناشئـة.
وعليه فإن استصدار دليل إدماج قيم العدل والسلام، يتأسس على أن التربية الإسلامية النظامية توجد فعلا أمام تحدي على المستوى العلمي، وإعادة النظر في استصلاح مناهج وبرامج التربية الإسلامية يعد ضرورة، "ولسنا في ذلك نسارع إلى مجاملة النداءات الدولية التي تدعو إلى نشر ثقافة العدل والسلام، ولكننا نستجيب لدعوة الحق السابقة إلى كل فضيلة، بما فيها تربية الناشئة على اكتساب أخلاق العدل والسلام مع من يسالمهم، وذلك هو جوهر الرسالة الإسلامية الخالدة" (انظر العلوي، أحمد، دليل إدماج قيم العدل والسلام في المناهج التربوية، تقديم المدير العام للإيسيسكو عبد العزيز بن عثمان التويجري، منشورات الإيسيسكـو، الرباط، 2008، ص: 5).
وتبقى التربية على قيم العدل والسلام مشفوعة برسالة الإسلام الموجهة لكل الناس مهما اختلفت أجناسهم ومعتقداتهم قبل بزوغ فجر الدين الحنيف، حيث تعد هذه القيم تكاليف ربانية لا يجوز لأي كان أن يخل بها أو يعطلها، وهو ما عمل الدليل على إبرازه مستعرضا عددا من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تجدر لهذه القيم في الثقافة الإسلامية، ذلك أن الإسلام كان سباقا في بناء منظومة قيم خاصة بحقوق الإنسان، كقيم التسامح والحق في الحياة الكريمة، والحق في التدين، وغسرها... فقـد ورد في كتابه عز وجل: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سـواء بيننـا وبينكـم} (سورة آل عمران، الآيـة: 64).
ويرى الدليل أن القيم في المناهج التربوية في العالم الإسلامي تبقى من دون حياة ما لم يتم ربطها بالأساليب التفاعلية والعملية في درس تفاعلي يسمو بالتلميذ المسلم من مرحلة التصور والتفكير و(المعرفة) إلى مرحلة الممارسة وأداء السلوكات اليومية المحكومة بنسق منظومة قيم العدل والسلام.
ذلك وأن تفعيل آليات الوصول إلى هذه الرهانات حسب دليل الإيسيسكو في إدماج قيم العدل والسلام بات يستلزم بلورة مهارات تواصلية مؤسسة على محاكاة التفاعل الاجتماعي اليومي، منها التدريب على تقنيات الوساطة وحل حالات النزاع، وهو قصد القيام بالتكليف الإلهي المسطرة عناصره في مضمون الآية الكريمة: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} سورة الحجرات، الآية: 10. وانعكاس هذه الأوامر الربانية في سلوك النشء المسلم يستدعي تواصلاً إيجابياً يتميز بالتعاون والتضامن والاعتراف بالآخر والتعبير عن المشاعر بوضوح دون اتهام للآخرين، حيث ينتج عن ذلك هو ما يصطلح عليه اليوم بـ "لغة السلام".
ولتبيان تجليات الدليل القيمية وتمظهرات هذه القيم سلوكيا في تصرفات الأفراد، لخص المؤلف أهداف دليله في التالي:
- إبراز القيم الإسلامية المكونة لثقافة العدل والسلام في الإسلام.
- تمكين المكونين بأسلوب مبسط للاستئناس بقيم العدل والسلام من الناحية النظرية.
- اقتـراح الأساليب والأنشطة التربوية التفاعلية القمينة بغرس قيم العدل والسلام في الناشئة.
- تحقيق رهان التربية على قيم العدل والسلام في الإسلام بأساليب التنشيط التربوي التفاعلي الحديثة.
انشغل الدليل في جزءه الأول بتطوير الممارسة التعليمية لمناهج التربية الإسلامية حيث تسمو من تعريف التلاميذ بقيم العدل والسلام ونبذ العنف وآثاره السلبية لجعلها سلوكات فردية لدى الأفراد، متوسلا بإعادة ترتيب بنية مختلف جوانب المنهاج التعليمي، ومنها تكوين المدرسين وتحديث المضمون وطرائق التدريس، وتوظيف وسائل الديداكتيكية العصرية والتكنولوجيا... واقترح لذلك جملة من التوصيات أهمها:
- تكوين مدرسين منفتحين على أحدث الطرق التدريسية والوسائل الديداكتيكية واستغلال حسنات التكنولوجيا.
- بناء منهاج تعليمي للتربية الإسلامية بمضامين حديثة.
- تبني استراتيجيات التعليم الممكنة من ربط البعد التعبدي لقيم العدل والسلام بالبعد السلوكي.
- إعداد صياغة الدليل للإعداد النهائي واستعماله الفعلي داخل الفصل الدراسي.
- توفير الوسائل التربوية الحديثة وتكوين المدرسين على حسن استعمالها.
- تدبير دروس التربية الإسلامية بطرق تدريسية تفاعلية وبأساليب التفاعل الوجداني.
والحق أن الدليل جاء ليخلق واقعا جديدا يعيد للقيم الإسلامية والإنسانية حيويتها الأصيلة ولذلك، انصب جهده الأكبر على تحديث أساليب تدريس درس التربية الإسلامية النظامية، بما يمكن من صياغة الشكل العام لسلوك النشء المسلم وتجديده لينشد العدل والسلام باستمرار.
وفي هذا السياق استعرض الدليل عدة طرق لتدريس التربية الإسلامية منها: المحاضرة وداعا إلى ممارستها وفق أسلوب التدريس التفاعلي الذي يراعي سياق المضمون وطبيعة المتعلمين. وطريقة دراسة الحالات وطريقة أداء المهام، وطريقة العمل الجماعي، وأسلوب التدريس في مجموعات صغيرة، والتدريس وفق طريقة استمطار الأفكار، وطريقة التدريس بالمجموعات البؤرية (مجموعات الحوار)، وكذا طريقة حل المشكلات.
وشدد الدليل على ضرورة متابعة سيرورة عمليات تفعيل الدروس وفق أسلوب التقييم اليومي يشارك فيه الأستاذ ويراقب فيه سلوكات التلاميذ داخل الفصل (قولا وفعلا وحركات)، ويشارك فيه الهيئة التربوية داخل أسوار مؤسسات التعليم يشارك فيها الآباء من خلال تقويم سلوكات ابنهم في البيت والشارع العام.
التعليقات (0)