فشلت المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء بأرمونك - الضاحية الشمالية لنيويورك بين المغرب والبوليساريو وبحضور الجزائر وموريتانيا، كما كان متوقعا لتشبث الأطراف بمواقفهما، وهو ما عبر عنه المبعوث الأممي كريستوفر روس في ختام المفاوضات بالقول: "عرضت مقترحات الجانبين مرة ثانية ونوقشت... ولم يقبل أي الطرفين مقترحات الطرف الأخر"، وأضاف أن "الجانبين ما زالا مختلفين بشأن مستقبل الإقليم بعد يومين من المحادثات، لكنهما تعهدا بالاجتماع مرة أخرى في اقرب وقت ممكن".
وبفشل لقاء أرمونك تكون توصيات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للأطراف بالعمل على "إحراز مزيد من التقدم"، وحثها على "الإنكباب على مباحثات مثمرة وجوهرية" قد ذهبت أدراج الرياح، وأعادت المفاوضات إلى نقطة البداية.
ويرى المتبعون أن تصريحات روس بشأن مفاوضات أرمونك مفعمة بمعاني الفشل ستستمر تداعياته في ترتيب جولة جديدة مكن المفاوضات في المستقبل، هو ما يستقرأ كما أن إعلانه عن عزمه القيام بجولة جديدة في المنطقة لإجراء مزيد من المشاورات، تعكس حجم البون الشاسع بين مواقف الأطراف، في وقت كان يتوخى فيه روس الانتقال بالأطراف إلى المفاوضات الرسمية.
ولقد ورد ذلك واضحا في تصريحات ممثلي البلدين تباين المواقف، حيث ذكر الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية الذي ترأس الوفد المغربي أن الوفد المغربي تقدم بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية وبرهن على وجاهتها وصوابها، وعلى مطابقتها التامة للشرعية الدولية وروح ومنطوق قرارات مجلس الأمن الدولي، وأكد أن مقترح البوليساريو لم يأت بأي جديد، أما ممثل جبهة البوليساريو أن المغرب لم تغيير موقفه.
وأبدى دبلوماسيون دوليون قلقهم حيال نتائج المفاوضات الأخيرة حول نزاع الصحراء، معتبرين أن من شأن ذلك تعطيل جهود التصدي لتنامي مد الحركات الإسلامية المتطرفة بالصحراء الإفريقية الكبرى، ومحاربة المتاجرة في السلاح والمخدرات والبشر، كما أن استمرار النزاع في المنطقة يعيق بناء اتحاد المغرب العربي.
وما يمكن تسجيله من نقط إيجابية في مفاوضات أرمونك هو بحث إجراءات بناء الثقة؛ خاصة فيما يتعلق ببناء طريق بري بين المغرب وتندوف لتسهيل تبادل الزيارات بين أكبر عدد من العائلات الصحراوية في مخيمات تندوف وأقاربهم في الصحراء، إلى جانب الزيارات التي تنظمها الأمم المتحدة عن طريق الجو، وهو مطلب أممي، لم يعترض المغرب قط عليه.
إن القراءة التحليلية في طبيعة تركيبة الوفود المشاركة في المفاوضات تفيد بانعدام الجدية لإحراز أي تقدم في مفاوضات أرمونك، بل كانت تشير أن الأطراف حضرت المفاوضات استجابة لدعوة روس، وللتحاور المباشر دون العمل على الوصول لصيغة مشتركة لحل النزاع، وخاصة وفدي البوليساريو والجزائر، اللذان كانت أولوياتهما، إعادة المفاوضات إلى نقطة الصفر لتجاوز راهنية وواقعية المبادرة المغربية بمنح الأقاليم الصحراوية الحكم الذاتي عبر تشبثهما بتنفيذ الاستفتاء في الصحراء، الذي أقبره قرار 1813 و1871 لمجلس الأمن الدولي، حين دعا الأطراف إلى التحلي بالواقعية في إشارة إلى المقترح المغربي.
ففي الوقت الذي تم فيه عقد مفاوضات أرمونك بغرض تعزيز أجواء الثقة بين الأطراف على أمل حسن نية أفضل تعجل بالإعلان عن انعقاد الجولة الرسمية الخامسة للمفاوضات على أسس مشتركة، برزت توجهات وفدي جبهة البوليساريو والجزائر الساعية إلى إفشال المفاوضات، حين أصرا على الخروج عن نقط جدول أعمال المفاوضات لإثارة الملف الحقوقي في الصحراء من خلال قضية مجموعة سالم ولد التامك، وأميناتو حيدر، إضافة إلى حديثهما عن ما يسمونه بالاعتقالات السياسية في الصحراء، تكون الغاية منها تبرير مطلب البوليساريو في إناطة مهمة تدبير الملف الحقوقي بالصحراء إلى بعثة المينورسو في المنطقة.
ولقد عَقَّدَ وفدي البوليساريو الجزائر بذلك مهمة كريستوفر روس الذي كان مطالبا بإعداد تقرير حول مستقبل إمكانية عقد مفاوضات رسمية خامسة بين الأطراف حول الصحراء قبل أبريل تاريخ انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي في أبريل القادم. وهي الجلسة التي يتوقع فيها أيضا تمديد تواجد بعثة المينورسو بالمنطقة لحفظ شروط تطبيق وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو. وقد أفادت مصادر عليمة أن كريستوفر روس، كان يسعى منذ بدء المحادثات إلى الحصول على اتفاق مبدئي مع طرفي النزاع بشأن عقد الجولة الخامسة للمفاوضات في أقرب الآجال أي قبل اجتماع مجلس الأمن في نهاية أبريل المقبل، وإذا تعذر عليه ذلك، فإن عليه السعي لعقدها بعد الاجتماع هو ما أعلن عنه عقب اختتام مفاوضات أرمونك بعزمه القيام لجولة جديدة في المنطقة خلال الأسابيع المقبلة.
وأشارت التحاليل أن مشاركة جبهة البوليساريو كانت من الطبيعي أن تكون سلبية لأن مقترح الحكم الذاتي المغربي يشكل في الوقت الراهن تهديدا قويا لمطلبها الاستراتيجي "تقرير المصير" الذي يعني الاستقلال، من مدخل المطالبة بتطبيق الاستفتاء. وترى البوليساريو والجزائر أن دخولهما بحسن نية في المفاوضات هو في غير صالح مشروعهما، مادام مقترح الحكم الذاتي يشكل مبادرة قوية قادرة على الالتفاف على ما تسميه مطالبها المشروعة في تقرير المصير، وخاصة بعدما حقق المغرب اختراقا في الرأي العام الأممي بخصوص جدية مشروع تطبيق مبادرة الحكم الذاتي بالمنطقة، ولذلك فهما يستبقان الزمن لإفشال المفاوضات مرحليا لإضعاف عناصر القوة في المقترح المغربي.
والجدير بالذكر أن قوة المقترح المغربي كانت دعت بالجزائر إلى تحريك كامل آلتها الدبلوماسية لقلب الطاولة على المقترح عليه، حين طالبت بتنحية فان فالسوم، الذي تناغمت تصريحات كثيرا مع معنى المقترح المغربي، حين قال باستحالة تطبيق استقلال الصحراء، ووصف مقترح الحكم الذاتي بالواقعي والجدي.
ومعلوم أن جبهة البوليساريو وخلال المفاوضات خرجت عن جدول أعمال المفاوضات لتسجل احتجاجها على الوضع الحقوقي المتدهور في المغرب، وخاصة ضد ما يسميهم المغرب بانفصاليي الداخل، وهو ما يبين منذ البداية أن البوليساريو لم تكن صادقة في التفاوض للوصول إلى حل للنزاع، وإنما لتسجيل نقطة قوة لمطلبها بتوسيع صلاحيات المينورسو بقبولها الجلوس إلى طاولة المفاوضات متنازلة عن شرط إطلاق السلطات المغربية سراح "مجموعة سالم ولد لتامك"، وأنها جاءت فقط لتسجل على روس أن تنازلها عن هذا الشرط تروم من ورائه إنصافها في موضوع إناطة المينورسو بمراقبة الوضع الحقوقي للدخول في المفاوضات القادمة.
كما أن ارتفاع بيانات الجزائر والبولساريو للتنديد واتهام المغرب بخصوص تعامله اللاانساني مع انفصالي الداخل، تؤكد أنها لم تكن تعبر عن حسن نيتها في الدخول للمفاوضات التي دعا إليها كريستوفر روس في أرمونك، فبدا أن الآلة الدبلوماسية الجزائرية ولجبهة البوليساريو ماضية في تكثيف نقط الضغط الحقوقية على المغرب، بالتزامن مع نتائج تقرير منظمة هيومن رايتش وتش الأخير، والذي اتهم المغرب بتراجع وضعه الحقوقي في السنة الفائتة؛ ومشيرا بالأصابع إلى الوضع الحقوقي في الصحراء، وقد ردت رسالة وزير الخارجي المغربي الطيب الفاسي الفهري إلى الأمين العام للأمم المتحدة على اتهامات الجزائر والبوليساريو، وأنها مجرد استغلال دعائي ماكر ضد المغرب، وطالب الأمين العام بإجبار الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات ومتهما الجزائر بعرقلة مساعي التسوية السلمية.
كما أن الجزائر والبوليساريو من خلال استغلال الورقة الحقوقية التي استمدت مزيد قوة براهنية تقرير هيومن راتيش وتش الأخير، ومن تداعيات أزمة أميناتو حيدر على الصعيد الدولي، والذي بات يرى فيها الأخيرة أنها الشجرة التي كانت تخفي غابة الانتهاكات الحقوقية داخل الصحراء.
إن رهان الجزائر والبوليساريو على الوضع الحقوقي هو إناطة مهمة مراقبة الوضع الأمني إلى بعثة المينورسو المرابطة بالمنطقة، والغاية من ذلك سحب بساط السيادة على المناطق من يد المغرب، وفلسفة الجزائر والبوليساريو في ذلك نجاح وقف إطلاق النار بين الطرفين، دون تسجيل أي مناوشات بين المغرب والبوليساريو على مدى أزيد من 20 سنة، وضع هادئ ومدة كافية تستوجب توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتتعدى مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف إلى مراقبة الوضع الحقوقي المتدهور في الصحراء بحسب رأيها، وقد تمكنت الآلة الإعلامية الجزائرية بأن تشحذ له التأييد الشعبي الأوربي بعد أزمة أميتاتو حيدر، التي ساهمت في الرفع من عدد الصحفيين المعتمدين بالصحراء وخاصة للمنابر الإعلامية الاسبانية.
ويتزامن هذا التوظيف وقرب انعقاد دورة مجلس الأمن الدولي لاجتماعه حول الصحراء الغربية في أبريل المقبل، وهي فرصة لإثارة وظيفة بعثة قوات حفظ الأمن والوضع الحقوقي بالمنطقة، ويتعزز هذا التحليل بما أعلنت عنه الصحافة الجزائرية عشية انعقاد مفاوضات أرمونك، بالقول أن كريستوفر روس سيبحث مع الأطراف إمكانية توسع اختصاصات بعثة المينورسو في الصحراء لمراقبة الوضع الحقوقي، وهو ما نفاه نفيا قاطعا، وتبين أن الغاية من ذلك هي التشويش على المفاوضات وهي في بداية يومها الأول.
وقال مهتمون أن أي مفاوضات لن تراوح مكانها مادامت جبهة البوليساريو لا تملك استقلالية قراراتها، وما دامت بوليساريو اليوم توجد في وضعية تحاول من خلالها أن ترمي بمشاكله إلى الخارج، وأنها غير مؤهلة لا لصنع السلام ولا حتى للبحث عنه، ولأنها لا تزال والجزائر متمسكتان بخيار الاستفتاء ذي الخيارات القصوى، دون العمل على إيجاد تسوية "واقعية" والتخلي عن المواقف المعرقلة، على اعتبار أن خيار الاستفتاء خيار نادر في الممارسة الأممية.
ورأى عدد من المتتبعين أن رهان البوليساريو والجزائر على الوضع الحقوقي ضعيف للتأثير على أعضاء مجلس الأمن الدولي، لاعتبارات الوضع في السياسي في الصحراء، ولأن مفاوضات أرمونك قد انطلقت على وقع احتجاجات قوية عبر عنها أفراد قبيلة الرقيبات العيايشة المدعومة من قبل "خط الشهيد"، الذي ينازع تمثيلية الصحراويين في مخيمات تندوف أمام الأمم المتحدة، احتجاجات واعتصام مفتوح أمام مقر إقامة محمد عبد العزيز ب "الرابوني" على التراب الجزائري، للتعبير بطريقة سلمية عن رفضهم لمخططات جبهة البوليساريو، جعلت القوات العسكرية والأمنية للبوليساريو والجزائر إلى قمعه لمحو أي تأثيرات حقوقية على صورة البوليساريو.
وينذر ذلك ببداية نزيف جماعي كبير وعلى الأقل هي مؤشرات أولى لتآكل البيت الداخلي لجبهة البوليساريو بتندوف، بعد احتجاجات أفراد قبيلة الرقيبات العيايشة، وهو مما سيزيد في المستقبل من نزوح جماعي نحو الأقاليم الصحراوية، ولعل ذاك ما بدأت تحس به جبهة البوليساريو والجزائر، حيث عُلِم مؤخرا من مخيمات تندوف أن القوات العسكرية الجزائرية شرعت في بناء حواجز رملية حول المخيمات.
ولمعاناة المغرب من الورقة الحقوقية التي تشهر جزائريا ضده فقد رأى في هذه الأحداث فرصة للرد بالمثل على الخصوم، وتوجهت منظماته الموازية برسائل احتجاج وتنديد إلى الأمم المتحدة وإلى المنظمات الدولية الحقوقية كأمنيستي وهيومن وتش رايتس، منبهة إلى العنف الذي تمارسه الجزائر والبوليساريو ضد حرية التعبير في مخيمات تندوف، وفرض الحظر على الصحراويين المحتجزين المؤيدين لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لتسوية نزاع الصحراء المفتعل.
وعلى العموم فإن المتبعين لسياسات الدولية يعتقدون أن المبادرة المغربية بمنح الحكم الذاتي للأقاليم الجهوية تبقى جد مقنعة كحل واقعي لقضية الصحراء، رغم عدم قبول البوليساريو بها، واستدل المتتبعون على استمرارية المقترح المغرب كحل واقعي بما أكدته الدراسة التي نشرها معهد بونومارك للدراسات السياسية في جامعة أرليغتون، وبرنامج إدارة النزاعات في جامعة جون هوبكينر تحت اسم مشروع ورقة عن السياسة الأمريكية بشمال افريقيا، وبما أعلن عنه المبعوث الأممي الأسبق "بيتر فان والسوم" عن استحالة تطبيق تقرير المصير أو قيام دولة صحراوية، بما عبر عنه أزيد من 230 عضوا في الكونغرس الأمريكي في دعوة إلى الرئيس الأمريكي أوباما شهر أبريل من السنة الماضية ينصحونه بدعم المقترح المغربي.
وتصف العديد من العواصم المبادرة المغربية بالجدية وذات المصداقية. وكانت واشنطن أولى هذه العواصم المؤيدة، لأن المقترح المغربي يأتي منسجما وطبيعة رؤيتها الجيواستراتيجية تجاه منطقة مهددة بنشاطات الجماعات الإرهابية المسلحة وشبكات تهريب السلاح والمخدرات والاتجار في البشر وتبييض الأموال... ويتأكد الموقف الأمريكي من استحالة إقامة دويلة جنوب المغرب، لكونها لن تكون بالقادرة على مواجهة تهديدات المنطقة، في وقت تراقب فيه الولايات المتحدة تنامي نفوذ الجماعات المسلحة بالصحراء الإفريقية.
ويسجل المراقبون أن فشل هذه المفاوضات هو في صالح المغرب لأن إعلانه الشروع في تطبيق جهوية متقدمة بالصحراء، سيخفف عنه وطأة الورقة الحقوقية التي تشهرها البوليساريو والجزائر دوما ضد المغرب في المحافل الدولية، عبر تكثيف البيانات المنددة بما تسميه "قمع القوات المغربية"، ووصلت نتائج هذا الضغط ذروته خلال أزمة "أميناتو حيدر".
ولعل ذلك ما يبرر سعي المغرب اليوم إلى التسريع بإصلاحات التدبير السياسي والتنظيمي لجهاته، وخاصة في الأراضي الصحراوية من خلال مبادرة تطبيق الجهوية المتقدمة في الصحراء، والتي ستجعل حينها من التفاعلات السياسية والاجتماعية والاصطدامات التي كانت تحصل بسبب مطالب اجتماعية واقتصادية تنموية بين بعض المواطنين الصحراويين والمصالح الأمنية المغربية شأن صحراوي لا يعني المغرب من الناحية الحقوقية، وبالتالي إفشال ضغط الورقة الحقوقية التي تشهرها جبهة البوليساريو والجزائر ضده لدى الأمم المتحدة.
ويرجج الملاحظون أن عدم إحراز أي تقدم في مفاوضات أرمونك، وبالنظر إلى عدم تسجيل أي جديد في موقف جبهة البوليساريو أصبحت مغربيا "بوليساريو الجزائر" سيطيل من عمر النزاع حول الصحراء، وسيمنح فرصة مواتية لتطبيق الجهوية ووضع البوليساريو أمام أمر واقع الحكم الذاتي، مما سيفرض ضغطا جديدا لإخراج المارد في تندوف والالتحاق بالصحراء.
Elfathifattah@yahoo.fr
0663215880
التعليقات (0)