في الوقت الذي يزداد فيه إنكماش كل دولة عربية على ذاتها ـ في محاولات منها لتفادي موجة التغيير التي تستهدف الأنظمة القائمة ، بإحتواء شعوبها ما أمكنها بوضعها تحت المراقبة المشددة ، لإبقائها دائما تحت السّيطرة تحسّبا ـ سعَت دولة قطر إلى تجاوز كل تلك الآفاق الضيّقة للحكومات العربية في الإهتمام بآليات تخدمها للحفاظ على السلطة ، وآليات تستخدمها لقمع أي مطالبين بالإصلاحات !.. فصبّت إهتمامها على المشاركة في حلّ القضايا العربية الشائكة بدءا بقضية السودان ودارفور ، ووصولا إلى قضية ليبيا !..
ولم تكن دولة قطر تلتفت ـ أثناء مساعيها النبيلة ـ إلى كلام المُشكّكين في نواياها ، ولا إلى المتهامسين في الأركان والزوايا ، من الجبناء الذين يتقنون الطعن في الظهور .. واستمرّت في تقديم كل الدعم السياسي والمادي واللوجستي ، للأطراف الأضعف من معادلات النزاعات .. وهذا بالضبط مانستنكر بموجبه أي مهاجمة لقطر ونظامها !..
فقطر في قضية السودان كانت راعيا لعملية السلام ووسيطا بين أبناء السودان الواحد ، ولم تنحز لأي طرف على حساب الآخر ، ووقفت منهما على مسافة واحدة حتى فصلوا أمرهم بأنفسهم ، وقسّموا السودان بأيديهم وبإرادتهم ! .. وكلاهما سيظلان شريكين لقطر في مجالات تنموية إقتصادية مستقبلية ، وصديقين لها حتى بعد إنفصالهما .. وكلاهما سيظلان يدينان لها بالإحترام ! .. الإحترام الذي فرضته الدبلوماسية القطرية ليس على طرفي النزاع في السودان فحسب ، بل وعلى دول العالم وهيئات السلام قاطبة !..
أما في قضية ليبيا فموقف قطر كان واضحا منذ البداية ، بأنها ضد قتل المدنيين وضد قصفهم ، لذلك شاركت قوى التحالف في عملياتها ضد كتائب القذافي ، وأعلنت منذ البداية أيضا دعمها للثوار ، فكانت السّباقة إلى إرسال المساعدات إلى المدن الليبية المنكوبة ، ومدّت جسرا جوّيا وبحريا متخصصا في نقل الجرحى والمُصابين إلى المستشفيات القطرية ، أين تنتظرهم طواقم من خيرة الأطبّاء !..
قطر ليست عميلة كما تُتهم به ، لأنها لم تشارك في مؤامرة تقسيم الأراضي السودانية ، بل سعت جاهدة إلى تفاديها حتى آخر لحظة ، عبر سلسلة الإجتماعات التي كانت تعقدها بين طرفي النزاع في الدوحة ! ..
قطر ليست عميلة كما تُتهم به ، لأنها لاتقف مع نظام الطاغية القذافي ، ولم تسانده حتى بالصمت كما فعلت باقي الدول ، بل عارضته منذ أن فقد شرعيته على يد شعبه !..
قطر جوهرة عربية حقيقية ، تريد أن تشارك العالم العربي ضياءها وتألقها وصفاءها ، وليست بحاجة إلى البترول ولا إلى النفط ولا إلى الزفت العربي ، حتى يُقال إن دخلاتها وخرجاتها ـ ودأبها وإجتهادها ومثابرتها على فرض صوت عربي قوي بالحق والنزاهة ، وجعله يعلوا واثقا في المحافل الدولية ـ كلها على طمع فيما لدى العرب ؟!..
نحن نبارك أن تكون قطر سفير الأمة العربية ، يتحدّث بإسمها ، ويشارك التحالفات الغربية قراراتها في الشأن العربي .. يعني حلال على فرنسا أو بريطانيا أو حتى تركيا ، أن تتخذ أي إجراءات ضد الحكومات العربية حتى تلك الجائرة منها ، وحرام على قطر فعل ذلك ، حتى ولو كنا متأكدين بما يشبه الحدس بأن فرنسا أو بريطانيا أو تركيا كلها لها خلفيات تتجاوز حقوق الإنسان ونصرة الحريّات ؟!.. ثمّ إذا كانت فرنسا (مثلا) حريصة على حماية الحرّيات ، فلماذا تصادر حريّات المنقّبات على أراضيها ، قبل أن تمد عنقها إلى آبار بنغازي بإسم الديمقراطية والحريّات ؟! .. وأن قطر لا تملك سوى خلفية واحدة هي (الشهامة ، والنخوة ، والكرم) العربي !..
نحن نبارك أن تكون قطر ملاكنا الحارس ، وكبيرنا على صغر حجمها ومساحتها ، بعدما عجزت مصر عن القيام به ، وبعدما عجزت الجامعة العربية قبلها بآلاف المراحل !.. ونبارك لقطر وحكومتها الرشيدة دورها الحيوي والفعال في إبراز الوجه الآخر للدبلوماسية العربية المحنّكة !.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديــن | 14 . 04 . 2011
التعليقات (0)