ما عرفت الدنيا شعبا محبا للنكتة كالشعب المصري, ولم تستوطن السخرية مكانا مثل مصر, ولم يترك المصريين أحدا –او شيئا -إلا والهبوا ظهره بسياط البسمات التي تتساقط من افواههم بسلاسة ويسر وصفاء..لا يفرقون بين صغير وكبير ولا حاكم او وزير اوشيخ او "غفير"..ولكن يبدو ان الجرح هذه المرة كان اشد مضاضة واكثر تغورا في ضمير المصريين وحسن ظنهم بالايام,مما دفعهم للاستعانة بذاكرتهم الثقافية الخالدة ,ليكوروها سخرية ورفضا ويقذفونها في وجه الواقع المجحف الذي يستل من مصر روحها وكرامتها..
ملايين الدولارات وشبكة متطاولة من الدروب والدهاليز والعتمة وآلاف الساعات من البرامج الحوارية والتذاكي الاعلامي واحتكار الرأي والرأي الآخر لم تصمد امام العبقرية المصرية الساخرة اكثر من دقائق معدودة هي المدة التي استغرقها اوبريت "قطري حبيبي"في اختصار الالم المصري النبيل والرفض الحانق لسياسة الالحاق والتبعية التي تنتهجها جماعة الاخوان المسلمين تجاه الشقيقة قطر "الصغرى", ولم نسمع في تاريخ شعوب المنطقة سخرية أشد ألما وأعمق مرارة، واكثر صدقا وتأثيرا من تلك الفقرة التي وضعت الشرنقة التي تنسجها قطر حول حرية وكرامة المصريين تحت شمس الحقيقة الساطعة, وايقظتها من احلامها في ان تجد نفسها وللمرة الاولى في موقع الدولة المؤثرة والفاعلة, واعادتها الى الافق المسدود الذي تمثله لها عقدة الصغار القدرية..
ان هذا العمل الفني بفقر امكانياته وثراء صدقه استطاع ان يوقف عجلة الماكنة الاعلامية الضخمة ويعرقل طموحات الامارة الصغيرة الضائعة بين امواج الخليج والتي يبدو انها قد تمادت كثيرا في محاولتها تسويق نموذج الاسلام الاخواني المعدل اعلاميا من خلال بعض المرسلات الفضائية والقليل من مشايخ الازهر السابقين..
وان تلك الكلمات التي تتقطر سخرية ومرارة كانت صرخة في وجه الطغيان باننا هنا ونحن نراكم ونعلم ما تسرون وما تعلنون, كلمات تعلن الاستنكار لذلك التشبث المرضي للامارة -المرهقة بالاحساس الذي يولده الشعور بالضآلة-.باحلام التمدد الى الحجم الذي يوازي امنياتها من خلال الجسد الاخواني المنتشر على مساحة واسعة من المشهد السياسي العربي..ولكن ذلك الاستنكار يتحول الى غضب وادانة لذلك الاستلحاق والتبعية الطوعية لجماعة الاخوان تحت جناح الحكم القطري"غصبا عن عين الليبراليين", في غفلة -اقرب الى التآمر-عن الطاقات الكامنة في ضمير ووجدان الشباب المصري البطل الذي استطاع بوعيه وايمانه تحقيق انتصار الثورة على النظام في الوقت الذي كان فيه اتباع الرايات "الخضر"يتداولون احاديث الفتنة وتحريم الخروج على السلطان الجائر..
كما انها رسالة من الشعب المصري بان قطر تسرف في الخطأ من خلال الاعتماد على النجاحات السريعة التي احرزتها في العديد من المواقع وخصوصا على الساحة المصرية مما قد يكون له الاثر البالغ في تشجيع الامارة المأزومة بضيق المساحة على المضي قدما في مشروعها التورمي حتى لو ادى ذلك الى ابتلاع او حرق المراحل بين الحين والآخر..
ان القوى السياسية المصرية المعلية من قيم التداولية والمشاركة وحقوق الانسان مطالبة بالوعي التام بحجمها الحقيقي وقدرتها على ادارة الاحداث..وان الكلمة العليا ما زالت لقوى الشعب الثائر ..وما زال الخير معقودا في نواصي الوعي الشعبي بحتمية الانتصار في معركة الحفاظ على نقاء الثورة ووجهها الناصع واولية اهدافها بالحكم المستند على مبادئ الحرية والمساواة والكرامة والعدالة وحقوق الانسان..وكل الامل في شباب مصر العظيم في استعادة زمام المبادرة وافشال المخططات التي تستهدف حرية الشعب ومنجزه الثوري العظيم
التعليقات (0)