حلقة جديدة من حلقات سلسلة الفساد والإهمال التي منيت بها مصر المحروسة، حرائق، وانهيار عقارات، وغرق عبارات، واصطدام قطارات، وانقلاب باصات، والضحية الوحيدة دائماً المواطن البسيط الذي أنهكه طول الصبر على فساد الحكومات المتعاقبة، فقد اجتمعت عليه المصائب من كل حدب وصوب، غلاء أسعار، وانتهاك حقوق، حتى إن الأرض التي خلقها الله لخدمته، أصبحت لا تتحمل وجوده عليها.
مع اختلاف الأسباب والمسببات، يأتي الإهمال ليعلن عن نفسه المسؤول الأول والأخير عن كافة الكوارث والأحداث. فقد تصدرت حادثة قطار الصعيد (جنوب مصر) صفحات الجرائد، بوصفها من أكبر الحوادث التي راح ضحيتها أطفال كان الوطن في أمسّ الحاجة إليهم.
حادث قطار أسيوط، هو نتيجة طبيعية للإهمال، وليس الأول من نوعه، ولا أظن أنه سيكون الأخير، لأنه لم يمر علينا عام إلا ونسمع عن حادث مماثل، تنفطر له قلوبنا، وتدمى له صدورنا، يحدث مع إخواننا، وفلذات أكبادنا، وأبناء عمومتنا.
منذ نعومة أظفاري وأنا أسمع عن هذه الحوادث الأليمة التي يذهب ضحيتها أبرياء كل فينة وأخرى، ولم يتدخل المسؤولون لحلها، رغم أن حلها بسيط جداً، وهو استبدال المزلقانات (أماكن التقاء الطرق السريعة مع خطوط السكك الحديدية) بكباري حديدية، وعندنا ولله الحمد سلاح المهندسين بالقوات المسلحة، بارع في هذا المجال، وقد أنشأ عدة كباري فائقة الجودة، ولن يبخل منتسبوه إذا وكل إليهم هذا الأمر.
فور وقوع الحادث، تعالت الأصوات، بإقالة الحكومة، ومنها من ذهب إلى إقالة رئيس الجمهورية، حتى إن بعضها طالب بتقديمهم للمحاكمة، وكأنهم المسؤولون عن الحادث، رغم أنه لم يمر على تعيينهم إلا أشهر قليلة، لم تساعدهم على فعل شيء، ونسي هؤلاء أن الحكومات السابقة هي المسؤول الوحيد عن هذا الحادث، لأن الفرصة كانت متاحة أمامهم لحل مشكلة المزلقانات، ولكنهم أبوا، لأن الذي كان يهمهم هو ملء جيوبهم من أموال الشعب.
رغم أن وزير النقل والمواصلات محمد رشاد المتنبي، تسلم منصبه في وقت حرج، ومنذ فترة قليلة، وهو غير مسؤول عن الحادث، إلا أنه كان شجاعاً وقدم استقالته فور علمه به، واعتبر نفسه المسؤول عنه. وأنا بدوري أطالب النائب العام عبدالمجيد محمود، إذا كان مصرياً، وتهمه مصلحة أبناء وطنه، أن يفتح تحقيقاً فورياً مع وزراء النقل السابقين الذين مازالوا على قيد الحياة، لأنهم المسؤولون عن هذا الحادث، ودماء الشهداء في أعناقهم، ولن نسامحهم على تقصيرهم في عملهم.
ماذا بعد قطار الصعيد؟ سؤال يطرح نفسه علينا، متوغلاً في أعماق جوارحنا بآلامها وأحزانها على ضحايا الحوادث التي يروح ضحيتها مئات الأبرياء سنوياً ما بين قتلى وجرحى. سؤال يطرح نفسه كما طرحت من قبله أسئلة كثيرة ومتعددة.. كم دمعت عيني على ضحايا العبَّارات، وسألت نفسي ماذا بعد العبَّارات؟ وقبلها تقطعت أوصالي على ضحايا انهيار البنايات، وسألت نفسي أيضاً: ماذا بعد انهيار العمارات، وموت ساكنيها تحت الأنقاض؟ وما زال السؤال يراودني بكل حرقة: ماذا بعد انهيار الجبال على سكان «الدويقة» الذين لا يأمنون غدر الحجارة التي تتوعدهم بالانقضاض عليهم بين فينة وأخرى؟.. مازال السؤال قائماً، ولم أر جديداً تحت الشمس.. ماذا بعد؟ السؤال يتكرر، وأسباب التكرار ثابتة لا تتغير، فمرة الفساد، ومرة الإهمال، ومرة الفقر والعشوائيات، والضحية في النهاية المواطن المصري الذي يشكو إلى الله حاله وسوء أحواله.
فإلى الله المشتكى.. إلى الله نشكو حالنا، وما آلت إليه أحوالنا.. إلى الله نشكو ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس.. إلى الله نشكو ظلم الظالمين، وفساد الفاسدين، وإهمال المسؤولين.. إلى الله نشكو حزن إخواننا على فلذات أكبادهم، ونحسبهم شهداء عند ربهم.
محمد أحمد عزوز
كاتب وناشط سياسي مصري
التعليقات (0)