مواضيع اليوم

قضيـة الصحـراء والصـراع الإقليمـي بيـن المغـرب والجزائـر

شريف هزاع

2010-01-11 19:03:37

0

قضيـة الصحـراء والصـراع الإقليمـي بيـن المغـرب والجزائـر

عبـد الفتـاح الفاتحـي

      عادت بوادر الصراع الإقليمي الجزائري المغرب لتطفو عبر السطح في ظل اصرار الجزائر على إبقاء حدودها مغلقة مع المغرب رغم تنامي دعوات المنتظم الدولي إلى فتح الحدود بين البلدين، وعلى الرغم من أن المغرب قدم تنازلات كثيرة للجزائر على أساس التأسيس لصفحة جديدة من العلاقات، لكن اليد المغربية الممدودة لم تلق القبول المرجو من نظيرتها الجزائرية.
       ليكون تجدد التوثر في العلاقة المغربية الجزائرية سيد الموقف، خاصة بعدما أعلن المغرب ضلوع الجزائر المباشر في تأليب صحراوي الداخل عليه من خلال توجيه نشطاء انفصالي الداخل الذي اجتمعوا بمسؤولين عسكريين في الجزائر، ولكون الجزائر ما فتئت تكرر لاءات لا محدودة، مع استمرار دعمها اللا مشروط لجبهة البوليساريو في المحافل الدولية ضد ما يعتبره المغرب مصالحه السيادية.
      وتستمر معالم الصراع الإقليمي للجزائر تجاه المغرب، بعد نجاح الدبلوماسية المغربية في الترويج لمقترح الحكم الذاتي، مقابل اندحار أطروحة تقرير مصير الصحراء التي تجعلها الجزائر ضمن أولويات أجندتها الدبلوماسية في دعم شبه أعمى لجبهة البوليساريو، وهو ما فسره سياسيون دوليون بأنه نوع من الصراع الروتيني تمارس الجزائر لرفع سقف مطالبها في اتحاد المغرب العربي مستقبلا؛ أو بالأحرى لضمان ريادة المنطقة.
     والحق أن المغرب ومن خلال عمل دبلوماسي كثيف ومركز لدى حلفائه من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بات يحرج الخطاب الجزائري وخطاب جبهة البوليساريو المطالبة بتقرير المصير في الصحراء، خاصة بعد الاصلاحات الحقوقية والتشريعية والاقتصادية التي باشرها المغرب.
      وأمام هذه التطورات كان لا بد لدبلوماسية جبهة البوليساريو والجزائر أن تبحث عن صيغ بديلة لنفظ الغبار عن خطاباتها، فكان تنسيق استراتيجية تهدف إلى تسويد صفحات المغرب في مجال حقوق الانسان، وخاصة مكاسب الهيئة المغربية للانصاف والمصالحة، التي مكنت المغرب من توسيع هامش الحريات الفردية والجماعية وحرية التعبير والصحافة، واضطلعت المملكة المغربية بمكانة مميزة لدى الرأي العام الدولي، فحظيت بصفة الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وبالوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوربي، وتحسين العلاقات المغربية الاسبانية إلى مستوى التعاون الاستراتيجي، بعد فترات توتر قوية.
       إن الاصلاحات التي قام بها المغرب والتي جعلت منه نموذجا في دول الشرق الأوسط، توجت بأن توجه المغرب إلى مفاوضات منهاستن بمشروع مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، وهو المقترح الذي لقي ترحيبا وتأييدا دوليا واسعا، واعتبره مجلس الأمن في قراره الأخير بأنه مقترح جدي وذا مصداقية، وتزامن ذالك مع ما أكده المبعوث الشخصي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السابق السيد (بيتر فان ولسوم) والذي وصف استقلال الصحراء عن المغرب بالأمر غير الواقعي.
    وضَمن المغرب لهذا المشروع شرعيته من المناخ الديموقراطي الذي قال المغرب إنه كفيل بأن يضمن لتطبيق الحكم الذاتي نجاحا قويا، يعزز تجربة المغرب الديموقراطية، وتجعل منه أيضا نموذجا عربيا وافريقيا في تطبيق صيغة الحكم الذاتي كنوع من الممارسة الديموقراطية التي أكدت التجارب الميدانية في الدول الغربية الضالعة في نظم الديموقراطية نجاحها.
     هي إذن ضغوطات مارستها الدبلوماسية المغربية من خلال سيرتها الذاتية في الاصلاحات التي باشرتها المملكة، وهو ما دعا بالجزائر والبوليساريو إلى استلهام فكرة اللعب بالورقة الحقوقية بدعوة الأمم المتحدة من خلال المينورسو إلى مراقبة الوضع الحقوقي في الصحراء جنوب المغرب إلا أن هذه الدعوة رفضت مغربيا، وعبر المغرب عن استحالة التجاوب معها.
     وكانت الرباط قد رأت فيها مسا بسيادتها على أقاليمها الجنوبية.. رفض وإن كانت له تبعات جد محدودة دوليا، فإن البوليساريو ضمنت به ممارسة ضغط مرحلي سمح بتقديم الرباط لمزيد من التنازلات لصالح نشطاء انفصال الداخل في إطار جمعيات غير حكومية وخاصة الحقوقية منها، في وقت لم يستطع المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (مؤسسة حكومية رسمية -كركاس-) احتواء تحركات انفصالي الداخل.
    وظلت المملكة المغربية تتابع الوضع بقلق شديد، حتى باتت تحركات انفصالي الداخل تشكل تهديدا استراتيجيا لسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، لكون تلك التحركات من شأنها أن تؤلب باقي الصحراويين على السلطات المغربية، وتولد نوعا من العصيان المدني تستحيل عملية ضبطه حينها بعيدا عن أعين المنظمات الحقوقية الدولية.
     ومَثل ذلك تهديدا دعا بالمغرب إلى إخراج ورقة محاربة المساس بالمقدسات والثوابت الوطنية ومنها الوحدة الترابية، فأرغم رغم تأثير ذلك على وجهه الحقوقي في الساحة الدولية على تطبيق المساطر القانونية للبلاد، فكان اعتقال سالم التامك ومن معه بتهمة التخابر مع العدو وإبعاد أميناتو حيدر إلى إسبانيا بعد تنكرها لجنسيتها المغربية ورفض جواز سفرها المغربي أمام وكيل الملك.
      كما أبدى المغرب صلابة تجاه كل من يحاول المساس من بعيد أو من قريب بسيادته على الأقاليم الجنوبية، فقام بطرد مستشارة بالسفارة السيويدية على خلفية تسريب وثائق إلى الجزائر والبوليساريو، واستدعت إثرها الرباط سفير السويد "مايكل أودفالد" وأبلغته بأن "آنا بلوك مازويير"، المستشارة في السفارة السويدية بالرباط «أخلت بالأعراف الدبلوماسية بشكل كبير وارتكبت خطأ مهنيا غير مقبول» و«أن السلطات المغربية تلح على ضرورة مغادرتها الفورية للمغرب».
      محللون سياسيون أكدوا أن ما قامت به أميناتو حيدر في مطار العيون وما قامت به في مطار لنثاروتي بإسبانيا من إضراب عن الطعام لتأجيج الرأي العام الحقوقي الدولي ضد المغرب، يعد تكتيكا لجزء من استراتيجية الصراع الإقليمي للجزائر تجاه المغرب عبر آلية البوليساريو، وأن معالم هذه الاستراتيجية قد رسمت في الأراضي الجزائرية على يد مسؤوليين عسكريين جزائرين ومسؤولين من جبهة البوليساريو ونشطاء الانفصال داخل المغرب في سياق زيارة كان قد قامت بها مجموعة سالم التامك إلى مخيمات تندوف والجزائر.
       وحيث إن الوضع الحقوقي وهامش الحريات التي منحت لنشطاء الانفصال قد أصبحت شوكة تدمي القدم المغربي، جاء خطاب الملك محمد السادس في الذكرى 34 للمسيرة الخضراء الأخير، الذي قال فيه: "وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف والتملص من الواجب، ودقت ساعة الوضوح وتحمل الأمانة؛ فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة، ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن ... وأن التزام المغرب بأن يظل دولة للحق والتطور الديمقراطي؛ لا يوازيه إلا رفضه للاستغلال المقيت لما تنعم به المملكة في مجال الحريات وحقوق الإنسان، للتآمر ضد سيادة الوطن ووحدته ومقدساته، من أي كان". وأضاف متسائلا: "هل هناك بلد يقبل بجعل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مطية لتآمر شرذمة من الخارجين عن القانون مع الأعداء على سيادته ووحدته ومصالحه العليا".
     وعد ما ورد في الخطاب الملكي إشارة واضحة من السلطات العليا أيضا إلى «قصور» دور المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية على تحقيق الأهداف المتوخاة من تأسيسه، وأن عجزه ذاك كان بمتابة مبررات تنامي نشطاء ما باتوا يسمون بـ«بوليساريو الداخل».
    ولحماية مصالح المغرب الاستراتيجية في الصحراء وتحصين مكتسباته، كان الوضع الذي خلقه تنسيق الجزائر والبوليساريو مع انفصالي الداخل، يستدعي من المغرب التدخل لوقف عملية تفعيل مضامين الاستراتيجية التي أفتيت على انفصالي الداخل، حتى لا يتحول الانفصال إلى مطلب جماهيري في الصحراء؛ تصعب معالجته. وهو الخطر الذي عبر عنه وزير الدولة المغربي السيد محمد اليازغي حين قال: "إن الحكومة الجزائرية لا تريد أن يعبر انفصاليو الداخل، بمن فيهم المدعوة أميناتو حيدر، عن آرائهم فحسب، وإنما تروم إشعال حرب داخلية بالمغرب وبأدوات مغربية".
     كل ذلك يفيد أن الجزائر والبوليساريو اليوم وبالنقر على الوتر الحقوقي يشرعنان تحريك الرأي العام الدولي لاستدرار العطف مع ما تسميه بالشعب الصحراوي، وذلك عبر مطالبة الأمم المتحدة سابقا بمراقبة الوضع الحقوقي في الصحراء من خلال "المينورسو"، وتوظيفها لقضية سالم التامك ومجموعته لممارسة مزيد من الضغط على المغرب، وكذا من خلال دعم إضراب أميناتو حيدر عن الطعام باسبانيا، والتي كانت قد ظهرت سابقا في صور كثيرة رفقة السفير الجزائري في الولايات المتحدة الأمريكية.
     ولذلك يعد النقر على الوتر الحقوقي بتكتيكات ضمن استراتيجية تعطي اشعاعا فقد توهجه لصالح ملف الصحراء لدى الرأي العام الدولي، بعد تقادم أطروحة تقرير المصير التي تطالب بها الجزائر وجبهة البوليساريو، وخاصة بعدما أعادت حكومة بارك أوباما التأكيد على تأييد المقترح المغربي القاضي بمنح الصحراء حكم ذاتي على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، والتي جددت دعوتها إلى فتح الحدود بين المغرب والجزائر.
    إلا أنه لا يمكن إنكار أن المغرب اليوم يمر بظروف عصيبة بسبب الملف الحقوقي في قضية التامك ومجموعته وإضراب أميناتو حيدر عن الطعام، لكن ربح هذا الرهان سيعد انتحارا دبلوماسيا لآخر أوراق البوليساريو والجزائر، قد يمنح المغرب قوة ضغط بتركيزه على ملف مخيمات تندوف، والمطالبة بإحصائهم وفرض مراقبة دولية حين توزيع المساعدات، توجسا من أن توظف تلك المساعدات في تقوية الترسانة العسكرية للبوليساريو، وما يرافق ذلك من امكانية تحول البوليساريو إلى منظمة إرهابية تنشط في الصحراء الشرقية للجزائر إلى جانب جماعة قاعدة المغرب العربي.

elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات