قضية عنوانها الملثمون متى كان الرجوع إلى الوطن فضيحة؟
الصحراء الأسبوعية
2010
لماذا أضحى العديد من العائدين مؤخرا إلى أرض الوطن ملثمين ويحرصون على إخفاء ملامحهم؟
إن هذا السؤال الذي أصبح يشغل بال الكثيرين، يجرنا إلى تساؤل آخر مفاده: هل دققت الأجهزة المختصة في هوية هؤلاء، وفي ارتباطهم الفعلي بالوطن وأصولهم المغربية؟
فهناك أفواج من الشباب يرجعون حاليا، وبعد استقبالهم يستفيدون من مسكن وراتب شهري قار. وبحسب ما استقيناه من أخبار من مصادر عليمة، فأغلب هؤلاء الملثمين يحملون نية بيع تلك المساكن الممنوحة لهم، علما أن سعرها يقدر حاليا بـ 160 ألف درهم، إضافة للراتب وبعض الامتيازات التي يتم الحصول عليها من هنا وهناك. وبعد تكوين رأسمال لاقتناء سيارتين من نوع "نيسان" أو "طويوطا"، وكمية من السلع، تتم العودة إلى موريتانيا لممارسة التجارة و"البيزنس" في المنطقة الحدودية وفي المخيمات، وبذلك يكون المغرب، من حيث لا يدري، يموّل مخيمات الاحتجاز. هذا ما يروج في الشارع بالأقاليم الجنوبية؛ وهذا مجرد تمظهر للجانب الاقتصادي الارتزاقي؛ لأن هناك ما هو أدهى و أمرّ؛ إنهم العناصر المبثوثة وسط العائدين والمكلفون بمهمة معلومة ومحدودة.
وعليه، يفرض التساؤل التالي نفسه: لماذا هؤلاء ملثمون ويحرصون على إخفاء ملامحهم؟
يقولون إنهم يستحيون من الظهور خوفا من نعتهم بالخونة، لكن خيانة من؟ المغرب والمغاربة، أم المرتزقة؛ كراكيز الجزائر؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك إشكالية أخرى أخطر من هذا وذاك، وهي المرتبطة بالشرخ الذي يحدثه نهج التعاطي مع العائدين؛ إذ يكرس تمييزا غير مقبول بين الوافدين من المخيمات وضحايا الأسر، المدنيين منهم والعسكريين، وأبناء وذوي شهداء الوحدة الترابية. فالعديد منهم يعيشون وضعية مزرية في وقت يعاينون فيه العائدين، ومنهم جلادين وقتلة، يتمرغون في النعيم بفضل أموال وامتيازات تؤدى من مال الشعب. وبذلك، تكون الدولة قد رمت بنفسها في فخ قد تكون عواقبه وخيمة، علاوة على زرع بذور الغضب والتمرد في صفوف الوحدويين المخلصين، ومن ضحوا بإخلاص في سبيل الوحدة الترابية، مِن الذين أضحوا الآن يشعرون بـ"الحكرة" أكثر من أي وقت مضى، من جراء نهج تعاطي الدولة مع العائدين وتمتيعهم بالامتيازات، في وقت لا تبالي فيه بحقوق الأسرى وذوي الشهداء الذين ضحوا من أجل الوطن ولم يخونوه ولو قيد أنملة؟
والحالة هذه، أضحى من الضروري إعادة النظر في كل هذه الأمور، والعمل على إحداث إطار مسؤول يضطلع بملف العائدين، استنادا على رؤية وطنية ومواطنة واضحة، واستراتيجية قوامها خدمة الوطن والمواطنين، وسد الأبواب أمام كل المخاطر التي من شأنها العصف بكل ما بني إلى حد الآن. فما هو هذا الإطار الرسمي الكفيل بتدبير ملف العائدين بالطريقة الأمثل والأكثر وطنية ومواطنة؟ وما هي الجهة الموكول لها السهر على تسييره؟ و كيف عليه أن يعمل؟
أسئلة، وأخرى غيرها، سيحاول ملف هذا الأسبوع الإجابة عنها، وإثارة الانتباه حول الأخطار المحدقة بالبلاد؛ بسبب النهج الحالي لتعاطي الدولة مع ملف العائدين.
الملثمون يغزون الأقاليم الجنوبية
عددهم في تزايد مستمر و سرهم مازال مستورا
تحولت مدينة العيون إلى محج للعشرات من الملثمين الذين لا يترددون في إصدار مجموعة من السلوكيات الغريبة، من قبيل عدم إظهار الملامح، وتجنب الكشف عن هويتهم. بل أكثر من ذلك، يتجنبون تقديم أي تصريح لوسائل الإعلام المختلفة؛ وهو الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام. فمن العادة أن تكون فرحة العودة إلى الوطن، والتحرر من قيود الأسر والاضطهاد، التي طالما مورست على هؤلاء، كلها مبررات من أجل التعبير عن فرحتهم الصادقة والعفوية. لكن، اختار هؤلاء الصمت وعدم الكشف عن ملامح وجوههم؛ فماذا يخبئ هؤلاء الملثمون لأجهزة الدولة؟ وهل الموجات المتتالية التي قذفت بالعشرات من العائدين حركة عفوية؟ وهل الدولة قادرة على التحكم في تحركات هؤلاء الوافدين الجدد؟
حركة عفوية أم مخطط جزائري؟
ما إن شهدت مدينة العيون، خلال الشهرين الأخيرين، عودة العشرات من العائدين الملثمين من الذكور والإناث الذين التحقوا مؤخرا بأرض الوطن - الذين صدرت منهم على خلاف العائدين السابقين العديد من السلوكيات التي طرحت أكثر من علامة استفهام حيالها - حتى عادت إلى الأذهان بقوة التقارير التي أنجزت منذ سنوات بخصوص المخطط الجزائري الذي كان قد تم التلويح به في وقت سابق من طرف قيادي البوليساريو، بإطلاق أفواج متقدمة من الانفصاليين لزرع القلاقل بالأقاليم الجنوبية، وإرباك حسابات أجهزة الدولة، التي كان همها الأول، خلال الفترة السابقة، هو مواجهة تحركات انفصاليي الداخل من الذين يعتبرون من أبرز الذين يمثلون وضعا متقدما بقلب الصحراء المغربية
عائدون باتوا يشكلون الاستثناء
تختزن أرشيفات التلفزة والإذاعة الوطنية عددا من اللحظات التاريخية لعودة مجموعة من الملتحقين بأرض الوطن خلال فترات سابقة، والتي بعودتنا إليها لمسنا فرقا شاسعا بين حركة العائدين بالأمس وظاهرة العائدين الملثمين اليوم. فرغم أن الحدث واحد ـ رجوع عدد من العائدين إلى حظيرة الوطن ـ لكن الظروف المحيطة بالحدث تختلف كثيرا، لما لا وقد اختفت مشاعر الفرحة والمكاشفة والتعبير الصادق عن لحظة الارتماء في أحضان الوطن بطريقة عفوية بعد سنوات طويلة من القهر والاحتجاز بداخل مخيمات الذل والعار، وظهرت من خلال الموجات الجديدة من العائدين كثير من مشاعر الخوف والريبة وعدم إظهار الملامح ورفض الإدلاء بأي تصريح بخصوص مشاعر هؤلاء الملثمين عقب رجوعهم إلى أرض الوطن، وهو الأمر الذي يحلينا إلى نوع جديد من العائدين الذين باتوا يشكلون الاستثناء. فمن عادة العائدين الذين تخلصوا من كل قيود الاضطهاد والاحتجاز أن يفجروا كل ما في دواخلهم حال وصول إلى مكان التحرر الذي يمثل هنا الوطن، لكن، لا شيء من ذلك القبيل وقع، وما يقع اليوم هو العكس، وكأن تلك المجموعة قد دخلت إلى مكان غير مكانها. وهنا، يحق لنا أن نطرح جملة من الأسئلة التي تستمد مشروعيتها من كل تلك السلوكيات الصادرة عن مجموعة الملثمين تلك، فما الذي يخفيه هؤلاء الملثمون بعدم إظهار وجهوهم للعيان؟ ولماذا يرفضون الكلام بشكل مطلق؟ هل هناك أشياء لا يرغبون في الحديث عنها؟ أم أنهم لا يريدون أن يعلم أحد بقدومهم؟ إننا اليوم أمام عينة جديدة من العائدين الذين خرجوا عن إطار المألوف وصنعوا واقعا جديدا ينبغي التعامل معه بمنطق الاستثناء الذي تشوبه كثير من عوامل الحيطة والحذر.
سلوكات غريبة
كانت الساعة تشير إلى حوالي الثالثة والنصف، حينما التحقنا بمطار الحسن الأول؛ حيث حطت الرحال طائرة عسكرية قادمة من مدينة الداخلة، تحمل على متنها أزيد من 32 عائدا وعائدة. وقد تمركزنا ببوابة المطار العسكري، في انتظار خروج هؤلاء العائدين. وبمجرد أن فتح الجندي البوابة حتى تفاجأنا بأن العائدين بعضهم يضعون ملابسهم على وجهوهم، والبعض الآخر يضع اللثام، ويستعين بيده لإخفاء معالم وجهوهم. وهو الأمر الذي لم يستثن منه حتى الأطفال الذين ساروا على نفس نهج الكبار، الشيء الذي ينم على أن هذه السلوكيات الغريبة لم تكن عفوية بقدر ما جاءت نتيجة لاتفاق مسبق بين العائدين، أو من يوجههم. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل في أحيان كثيرة إلى حد الدخول في شنآن مع الصحافيين والمصورين الذين يباشرون عملية تغطية عودة هؤلاء الوافدون الجدد. وغير بعيد عن مطار الحسن الأول بالعيون، وبالضبط بمقر ولاية جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء، توقف محرك الحافلة التي كانت تقل هؤلاء العائدين، والذين ما إن لمحوا الكاميرات والمصورين حتى بدؤوا ينحنون أرضا ويحتمون بما كانوا يحملون من ملابس، لدرجة أن صورتهم في تلك اللحظة كانت لا تختلف كثيرا عن صورة مجموعة من الموقوفين في قضايا الإرهاب، من الذين يلجؤون إلى نفس الحيلة عند نقلهم إلى مقرات المحاكم أو إلى مفوضيات الشرطة؛ فيعمدون إلى إخفاء وجوههم حتى لا تتناقل صورهم وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة.
مشهد في حضرة السيد الوالي
التحق الوالي "محمد جلموس"، بقاعة الاجتماعات بالولاية من أجل تفقد أحوال هذه المجموعة الجديدة من العائدين الملثمين؛ حيث لم يمنع حضور الوالي هؤلاء من التمسك بنفس السلوكيات التي تطرح أكثر من علامة استفهام، لدرجة أن بعضهم فضل السلام على الوالي وهو يوجه رأسه إلى الجهة المخالفة تجنبا للكاميرات؛ الشيء الذي له أكثر من دلالة. فالوالي بنفسه حضر واقعة احتجاج إحدى العائدات على تصويرها لما اقترب الوالي منها للسلام عليها، كما أن كثيرا من ممثلي وسائل الإعلام وجدوا صعوبات كبيرة في تسجيل ارتسامات هؤلاء الملثمين الذين امتنعوا عن تقديم أي تصريح في الموضوع، من خلال تقديم أعذار واهية، ومنهم من طلب من الصحافيين أن يتوجهوا إلى شخص مسؤول عنهم؛ وهنا يظهر منطق الولاءات وما له من تداعيات؛ لأن هؤلاء وبحسب ما أدلوا به لا يمكنهم الحديث مع أي كان، لأن المفوض بالتحدث هو شخص معين. وهكذا، نجد أنفسنا أمام كتيبة، وليس أمام عائدين عاديين؛ لأن تعيين مسؤول للتحدث باسمهم يعني أننا أمام كيان منظم له أجهزته وخلاياه التي تسيره، وهنا مكمن الخطر الذي لا زالت لم تستوعبه الدولة بعد.
واجب التحذير!!
العائدون
منهم الصادقون ومنهم المخادعون
لعل العودة المتزايدة للعديد من المحتجزين بتيندوف – خصوصا الشباب منهم ــ سوف لن يمر الحديث عنها مرور الكرام، وسوف لن تنتهي تفاصيلها وفصولها عند العودة والاستفادة من جملة الامتيازات الممنوحة لهم من طرف الدولة،) سكن، بطائق إنعاش، ملايين..)، بل هي حكاية تستدعي أكثر من وقفة تأمل لتحليلها والغوص في تفاصيلها في مغرب أصبحت فيه مسألة الحفاظ على السلم والأمن ضرورية وذات أولوية؛ فما هو الخفي في حكاية هؤلاء العائدين؟
كل المؤشرات تشير إلى أن هناك حقيقة ضائعة وجب البحث عنها في قضية العودة المتزايدة للعشرات من شباب كانوا محتجزين بتيندوف. وهي حقيقة وجب البحث عنها وكشف تفاصيلها، لأن سلم وأمن المغرب في المرحلة الراهنة يفرضان ذلك؛ إذ إنه ليس من المعقول أن يُستقبل كل من عاد عن طريق مدينة زويرات إلى المغرب - أو إلى ما يحب أن يسميه هؤلاء العائدين أرض الوطن لما يحمله لديهم من دلالة على أنهم كانوا يغردون خارج السرب وبعيدا عن الوطن- بامتيازات قد تعد رأسمال بالنسبة لهم، لم يكدوا ولم يجتهدوا في جمعه ومراكمته، مع العلم أنهم شباب قادرين على العمل ككل شباب المغرب. غير أن أطول خيوط هذه الحقيقة الغائبة في هذه العودة – المشبوهة ــ هي أن هؤلاء الشباب وُلدوا وترعرعوا في أحضان طغاة البوليساريو والجزائر، واستُلبت عقولهم وأفكارهم بحلم بناء الجمهورية الوهمية، وملئوا حقدا وغلا ضد المغرب وكل ما يحمل صفة مغربي، ومنهم من درس بالجزائر وكوبا وتلقى تدريبات عسكرية عالية المستوى، ولم يكونوا يعرفون من المغرب سوى الاسم - وأحيانا لا يعرفونه - الذي يكنون له أطنانا من الحقد. فهل المغرب في أمان من فكر وتكوين هؤلاء العائدين؟ وهل قدم هؤلاء الشباب أكثر مما قدمه وحدويو أقاليمنا الجنوبية الذين تم تهميشهم لمدة طويلة وأصبحوا في خبر كان، مقارنة مع ما يعُامل به عائدو اليوم؟ أَلاَ يمكن أن تكون البوليساريو وصانعتها قد غيرا التكتيك، وبدآ يعتمدان على هذا النوع من"العائدين"؟
"زويرات"، نقطة عبور مشبوهة
"زويرات"، مدينة تقع شمال شرق موريتانيا، وتشكل معبرا مميزا ومفضلا للمئات من الصحراويين الذين يقررون العودة إلى أرض الوطن، والاستجابة للنداء الملكي: "إن الوطن غفور رحيم"، ولا يصبح هؤلاء العائدون في مأمن من جبروت المخابرات الجزائرية إلا حين وصولهم إلى هذه المدينة. بيْد أن ما يجب التنبيه إليه أنه لا يمكن اعتبار كل من عبَر من زويرات محتجزا سابقا بتيندوف، وبالتالي يطلق عليه لقب عائد؛ فأوراق ثبوتية العيش بمخيمات الذل والعار تيندوف تباع بأثمنة بخسة في زويرات – مبلغ 2000 درهم ــ مما يجعل هذه المنطقة نقطة عبور مشبوهة وجب الاحتياط ممن يأتوننا منها، وإلا فالمغرب سيكون مقبلا على تكرار واجترار أخطائه، وبه وجب التنبيه والتحذير! !
العائدون أصناف متعددة النوايا
ينقسم العائدون إلى أنواع وأصناف، كل حسب سبب عودته ونيته وهدفه. فمنهم من صدقت عودتهم واقتنعوا بوهم الجمهورية وأقروا بمغربية الصحراء، ومنهم المضطرون، ومنهم الطامعون، ومنهم المتجسسون. أما الثابت لديهم جميعا، فهو أنهم تخلصوا من جحيم تيندوف. وأما اليقين عندهم فهو أن لا أحد سيحاسبهم، لأن مقولة "إن الوطن غفور رحيم" شملتهم جميعا كيفما كان نوعهم وصنفهم. وإن لأكبر صنف وجب التركيز عليه اليوم هو ذاك الذي ينتمي إليه العديد من الشباب الذين لم يروا المغرب قط، بل تكونت لديهم صور ذهنية أثثت معالمها حكايات الحاقدين والأعداء والطغاة من قيادات البوليساريو والمخابرات الجزائرية، حول كون الأقاليم الجنوبية أرضا خلاء يمارس فيها المغرب أشكالا وألوانا من الخروقات، قصد شحنهم بقناطير مقنطرة من الحقد والعداء. ومن هؤلاء الشباب من خبروا فنون الحرب وتلقوا تدريبات عسكرية، وكانت البوليساريو تراهن عليهم لتوظيفهم في لحظات معينة في إطار مخططاتها الجهنمية. والسؤال المطروح في هذا المقام هو: هل غيرت الجزائر والبوليساريو التكتيك من ورقة انفصاليي الداخل إلى ورقة العائدين-الجواسيس؟
ضرورة الحيطة والحذر
إن الحذر والحيطة أمران مطروحان في قضية من يسمون بالعائدين مؤخرا- الفئات العمرية مابين 18 و 20سنة - فالطريقة التي يتم استقبالهم بها والامتيازات التي تعطى لهم تعد في عداد الأخطاء التي يكررها ويجترها المغرب في العلاقة بهؤلاء؛ فأي معيار يعتمد من يستقبلون هؤلاء للتأكد من كونهم عائدين حقيقيين؟ هل يملكون جهازا يتأكدون به تمام التأكد بأن عودتهم صادقة، وأن الوطنية ضاربة ومترسخة في أعماق قلوب هؤلاء العائدين؟ هذا من جهة، أما من جهة ثانية فهؤلاء العائدون يحتمل أن يوظفوا في إطار مقلب من مقالب الجزائر؛ فبعدما استنفذت هذه الأخيرة كل حيلها في استخدام انفصاليي الداخل، واتضح أن لا تأثير لهم، ففي ظل هذه الحقيقة قد تلجأ إلى هؤلاء العائدين لتعزيز صفوف هؤلاء الانفصاليين، وضخ دماء جديدة في شرايينهم الفاقدة للحياة، خصوصا إذا استحضرنا ما أشرنا إليه سالفا من كون هؤلاء مدربون عسكريا؛ وهو ما يجعلنا نؤكد أنهم يمثلون خطرا على سيادة وأمن المغرب. أما من جهة ثالثة، فالمغرب ملزم بمراقبتهم وتتبعهم، فإن كانوا قابلين للإدماج في المجتمع المغربي فبه ونعمة، أما إن ثبت أن نواياهم سيئة وغير سليمة، فوجب العقاب والزجر، لأن واقع ملف وحدتنا الترابية لم يعد يسمح بالتساهل مع الأعداء.
وحدويون مهمشون وعائدون مكرمون
تثير مسألة العودة من مخيمات الذل والعار إشكالات جديدة – قديمة، في العلاقة مع الوحدويين الصحراويين الذين لم يشكوا أبدا في مغربية الصحراء، ولم يسجل عليهم التاريخ يوما وقوفهم إلى جانب العدو. غير أن تدبير ملف العائدين اليوم إلى أرض الوطن، جعل هذه الفئة من سكان الصحراء المسمون بالوحدويين الذين سكنوا فيما مضى مجموعات من المخميات سميت بمخيمات الوحدة، تتموقع في كفة مائلة وخفيفة، بسبب التهميش الاجتماعي؛ إذ إن أغلبهم بالكاد أصبح يملك سكنا يقيه من حر الصيف وبرد الشتاء؛ فهل يدفعون ضريبة وحدويتهم؟ أما العائدون لتوهم من مخيمات الذل والعار، فيستفيدون من سكن وبطاقة إنعاش وبعض الملايين، وكأنهم هم من تشبثوا بمغربية الصحراء. والحقيقة أن العائدين كلهم مغاربة صادقون؛ فهل يحتفي المغرب بالجلادين ويكرمهم، في حين يقمع الوحدويين ويتم تهميشهم؟ إنها مفارقة واضحة تتعدد معالمها، فما هي تفاصيل هذه المفارقة؟
الوحدة والعودة كلمتان قد يجمعهما اللسان ببساطة ويسر، بيْد أنهما في أقاليمنا الجنوبية قد لا يجتمعان في كفة واحدة؛ إذ إن كلا منهما في منزلة خاصة به؛ فالوحدة هنا تدل على صنف من أبناء الأقاليم الجنوبية عاشوا واستقروا بمدن هذه الأقاليم، ولم يبرحوها؛ فسموا وحدويين وطنيين لأنهم نادوا بوحدة الشعب المغربي، ووحدة تراب المغرب، ورفضوا التجزيء والبلقنة، وأكدوا أن مصيرهم هو مصير المغاربة جميعا، ولطالما وقفوا ضد الفكر الانفصالي وضد من يتبنونه. وهؤلاء هم من ذاقوا أصنافا من التهميش، وعاشوا أوضاعا اجتماعية مزرية بمخيمات كالتي سميت بالوحدة، دلالة على الفكر والخط الوحدوي لهؤلاء. وهم أهل المنزلة الأولى المعنونة بالتهميش والإقصاء. أما ثاني المنزلتين، فأهلها لم يلتحقوا بالمغرب إلا مؤخرا، وهم من يسمون بالعائدين؛ دلالة على عودتهم من مخيمات تيندوف. غير أن أهل هذه المنزلة الثانية تختلف أصنافهم وأنواعهم، إلا أن الشيء الذي يجمعهم هو أنهم استفادوا من امتيازات مختلفة عقب عودتهم، كل منهم حسب وزنه ومكانته، وهو أمر قد يبدو في شكله بسيطا، ولكنه في عمقه ينذر بانفجار قنبلة موقوتة عنوانها تهميش الوحدويين وإكرام العائدين. لا يُعقل، إذن، أن يكرم في مغربنا من كانوا يجلدون ويعذبون إخواننا المغاربة في سجن الرابوني وغيرها من معتقلات تيندوف لسنوات طويلة خلت في أرضنا، ويتغنوا بما كانوا يقترفون؟ فبدل المحاسبة، تقدم لهم المساكن وبطائق الإنعاش؛ إنها مفارقة عجيبة !!
فلاش باك له علاقة بالموضوع
نقلت القناة الثانية خلال نشرة الأخبار المسائية ليوم الأربعاء 12 ماي 2010، خبر التحاق 25 شابا بأرض الوطن عائدين من تيندوف، وأكدت أنهم ولدوا هناك وكبروا في تلك المخيمات. وفي استجواب القناة لأحدهم حول ظروف وطريقة العودة، قال: "تَمِّيتْ تَابَعْ هَاذ الشَّبَابْ إِلِينْ لْحَكْنَا هَادْ البْلِيْدَة"؛ فماذا يعني ذلك الشاب "بالبْلِيْدَة"؛ ألا يعرف أن البلد الذي دخل إليه يحمل اسم المغرب؟ فهل وصل فيه العداء والحقد الذي تربى عليه إلى مستوى يجعله لا يذكر مصطلح المغرب، أم أنه في مهمة مستعجلة في "البْلِيْدَة" التي وصل إليها ولا يهمه اسمها بقدر ما يهمه تنفيذ مهمته؟ إن أول ما يجب أن يتم تلقينه لهؤلاء هو اسم المغرب وألوان العلم الوطني، بالإضافة إلى النشيد الوطني حتى لا يظنوا أنهم في بلد لا اسم له ولا رمز له؛ فهل من متعظ؟
التمييز والتفاضل بين
العائدين مؤخرا وقاطني مخيمات الوحدة والأسرى المدنيين قد يفجر الوضع في أية لحظة
تطرح العودة الجماعية لمجموعة من العائدين مؤخرا إلى أرض الوطن مجموعة من التساؤلات؛ على اعتبار حجم العائدين وعددهم والطريقة التي عادوا بها إلى المغرب، ثم نوعيتهم. فالعائدون مؤخرا، والذين فاق عددهم العشرات، كلهم من الشباب. ومن خلال الصور التي بثتها بعض القنوات التلفزية، يظهر فيها عدد مهم من العائدين، ملثمين مما يطرح أكثر من علامة استفهام حولهم؟ إن الحديث عن تلبية نداء الوطن والهروب من المعاناة وظرف العيش القاسية بمخيمات تندوف، أمر يبقى من مستبعدا جدا، إن لم يكن ضربا من الخيال؛ فكيف سيتقبل عاقل عودة شباب تربوا على حمل السلاح ضد المغرب، ونشؤوا في بيئة شحنتهم بأفكار إيديولوجية متطرفة؟ بل من العائدين من تلقى تدريبات عسكرية عالية. نحن لا نظن سوءا بهؤلاء، ولا نتهم أحدا، ولكن بحكم الوقائع السابقة كفضيحة اكجيجمات التي لم تندمل جراحها بعد، من الضروري تشريح هذا الأمر والوقوف عند جزيئاته، خصوصا إذا علمنا أن أياد خفية مغربية جزائرية وراء هذا الأمر الذي ساهمت فيه الجزائر بشكل كبير جدا، رغبة في تصريف الأزمة نحو المغرب بعدما تم تضييق الخناق عليها على المستوى العالمي. العديد من العائدين مؤخرا حصلوا على امتيازات مختلفة، من سكن مريح وراتب شهري، إضافة إلى الهالة الكبيرة التي صاحبتهم عند عودتهم. أليست هذه مجازفة كبيرة بترك شباب لقنوا كره المغرب على مدى حياتهم، وبين عشية وضحاها وصلوا المغرب، وتراهم أمام الكاميرات يتحججون بقساوة الأوضاع في المخيمات، وصعوبة العيش، وأنهم جاؤوا إلى المغرب تلبية للنداء الملكي، وللمساهمة في بناء المغرب !!! (بتركهم) يصولون ويجلون دون متابعة ولا مراقبة؟ فمن الصعب جدا الوثوق بعائدين شباب ملثمين لا يرغبون في إظهار وجوههم إلى العلن. فإلي حدود الأمس القريب كان العائدون إلى أرض الوطن يعودون قلبا وقالبا، مظهرين وجوههم إلى العالم وليس للمغرب فقط، لأنهم عادوا عن قناعة ولم يعودا فقط من أجل الحصول على الامتيازات. وعندما عادوا اندمجوا في المغرب كلية، وتجندوا إلى جانب المغاربة للدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، وقاموا بأعمال جبارة من أجل فضح أطروحة البوليساريو الزائفة ومعها الجزائر. فبمقارنة بين العائدين بالأمس والعائدين اليوم، يتضح بون شاسع بين الفريقين، مما يحتم على المسؤولين التعامل والتعاطي مع العائدين مؤخرا بحذر شديد. ويطرح أمامنا كذلك سؤالا عريضا حول الازدواجية الكبرى التي تم التعامل بها مع العائدين مؤخرا، وقاطني مخيمات الوحدة، والأسرى المدنيين الذين قضوا زهاء ربع قرن بمخيمات تندوف؟ فهذه الازدواجية تربي حقدا دفينا، ومن شأنها إشعال فورة الغضب لدى ساكني مخيمات الوحدة الذين يكابدون ظروفا مزرية يوما بعد يوما. فلماذا لا تستثمر الدولة في هؤلاء الوحدويين الذين ساهموا في بناء هذا الوطن، وتحملوا مشاق الحياة وتقلبات الزمن في مخيمات أقيمت بكل مدن الأقاليم الجنوبية؟ ليس غريبا وغير مستبعد أن يخرج شباب هذه الأحياء الهامشية غاضبين من الازدواجية المفضوحة للتعامل معهم ومع العائدين. ثم ألا يخلق هذا التعاطي صراعا بين الفريقين؟ إن الداخل إلى أحد مخيمات الوحدة سيكشف عن حجم المعاناة التي يكابدها قاطنو تلك المنازل الطينية المغطاة بالقصدير والقصب، والتي تصبح عبارة عن برك مائية مع أول قطرة غيث، عكس العائدين الذين يحصلون على مساكن مجهزة ومؤثثة. أما ساكنو المخيمات، فليذهبوا إلى الجحيم ولا يهمنا شأنهم. فمن الأولى، إذن، بالتكريم والعناية؛ العائدون مؤخرا الذين لا نعلم نواياهم أم قاطنو مخيمات الوحدة الذين يعتزون بوطنهم وبمغربيتهم؟ مفارقة أخرى لا يوجد لها مبرر؛ وهي الطريقة التي يعامل بها الأسرى المدنيون الذين قضوا زهاء ربع قرن في سجون البوليساريو والجزائر. فهؤلاء اختطفوا من التراب المغربي عندما كانوا يزلون مهنهم في مناطق من أراضي الصحراء المغربية، ولما أطلق سراحهم عادوا إلى أرض الوطن، معتقدين أنها عودة من براثن القحط والجوع والتعذيب، ومنهم من أجهش بالبكاء، ومنهم من لم يصدق أنه أصبح حرا طليقا. المعاناة ابتدأت منذ أن وطأت أقدامهم المطار؛ حيث استقبلوا بجفاء وببرودة وكأنهم غير مغاربة، أو أنهم عالة على هذا الوطن. المهم عادوا ووصلوا إلى ذويهم، لكن المعاناة ظلت لصيقة بهم ولم تبرحهم قيد أنملة. أمثلة حية لـ 74 أسيرا مدنيا تتشابه ظروفهم من الإقصاء والحرمان. محمد أيت القاضي، واحد من المختطفين المدنيين، قضى سنوات في جحيم تندوف، وعاد إلى الوطن ووجد أمامه جحيما آخر من العذاب والحرمان؛ فبيته المبني من طين وخشب انهار عليه وعلى أسرته ذات مساء بفعل تهاطل الأمطار؛ ومنذ مدة، وهو ينتظر من يفرج كربته. فلماذا، إذن، لا تتم العناية بهؤلاء الأسرى؟ فبسهولة جدا سيتم التغلب على مشاكلهم نظرا لقلتهم ولبساطة مطالبهم، لكن مسؤولينا كعادتهم يفضلون الهروب إلى الأمام، وتجاهل هذه الشريحة المهمة من المغاربة. بل الأنكى من هذا هو انتزاع بعض الامتيازات على بساطتها من هؤلاء كبعض القطع الأرضية. هذه، إذن، بعض من نماذج المفارقات العجيبة في التعاطي مع قضية العائدين مؤخرا إلى أرض الوطن وقاطني مخيمات الوحدة والأسرى المدنيين في تندوف. تعاط يكشف ازدواجية خطيرة من شأنها تأجيج الأوضاع في الأقاليم الجنوبية في أية لحظة. فقد سبق لمجموعة من شيوخ القبائل بالصحراء وفعاليات المجتمع المدني أن نددت بهذه التعامل التفاضلي. وفي هذا الصدد، أكد مجموعة من سكان الأقاليم الجنوبية أن هذا التمييز هو من يدفع شباب هذه الأقاليم إلى الخروج في مظاهرات وحمل أعلام البوليساريو للحصول على هذه الامتيازات. كما أنه ليس مستبعدا أن تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه إذا استمرت هذه السياسة التميزية والإقصائية. كما ليس مستبعدا أن يتم إرسال هؤلاء الشباب العائدين مؤخرا لارتكاب أعمال تخريبية بهدف زعزعة استقرار المغرب.
ملايين العيون تصرف بتندوف
أرجع عدد من العائدين الذين كانوا قد التحقوا بأرض الوطن في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، مسؤولية استمرار البوليساريو، إلى الطريقة التي يتم بها تدبير ملف العائدين مؤخرا، والتي أبانت من خلال الحالات التي تم تسجيلها ــ ومن بينها الحالة موضوع الربورتاج ــ عن قصور كبير في معالجة هذا الملف، مستغربين كيف أن المسؤولين يسلمون مجموعة من المنازل والأموال لموجات العائدين الأخيرة، دون التأكد من نواياهم، في حين تم إقصاء العائدين الذين قضوا عشرات السنين بداخل الوطن دون الحصول على أي شيء يذكر، وحذروا من مغبة الاستمرار في هذه السياسة؛ نظرا لعواقبها الوخيمة على استقرار البلاد ووحدته الترابية، لأن ما يحصل الآن هو تمويل غير مباشر من طرف المغرب للبوليساريو، التي أصبحت اليوم لا تتردد في إرسال العشرات من رجالاتها إلى المغرب لحصد الملايين وحملها إلى "تندوف"؛ وهو الأمر الذي ترمي من ورائه كل من الجزائر وصنيعتها البوليساريو إلى إرهاق خزينة الدولة المغربية من جهة، ومن جهة ثانية إلى خلق جبهات داخلية متقدمة لضرب المصالح السيادية المغربية. هذا الأمر يستوجب، بحسب رأي هؤلاء العائدين، التدخل الفوري للتصدي بحزم لحرب الاستنزاف التي باتت تمارس من لدن أعداء الوحدة الترابية لبلادنا، مطالبين في ذات الإطار بضرورة خلق مؤسسة مستقلة لتدبير ملف العائدين بشكل عقلاني ومدروس، بعيدا عما هو معمول به حاليا؛ حيث التداخل والارتباك والفوضى، الشيء الذي جعل هذا الملف يخرج عن السيطرة، وبات يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وإذا كان هذا رأي العائدين الأوائل إلى الوطن، فإن معظم ساكنة الأقاليم الجنوبية ــ وفي مقدمتهم سكان مدينة العيون ــ تتفق مع هذا الرأي؛ إذ أصبحت تبدي مخاوفها بشكل صريح من موجات العائدين الجدد الذين لا يتم ضبطهم ولا معرفة نواياهم؛ حيث يجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها بقلب الأقاليم الجنوبية، ويصبحون على اتصال مباشر بالساكنة، وينجزون صفقات مشبوهة مع عدد منهم، يتم الكشف عنها بعد فوات الأوان؛ بعد أن يكون المعني قد غادر التراب الوطني والتحق مجددا بمخيمات تندوف، حاملا معه الملايين من السنتيمات التي يتم تحصيلها من خلال إنجاز مجموعة من الصفقات، خاصة بيع الامتيازات المختلفة التي يحصلون عليها.
"الصحراء الأسبوعية"
التعليقات (0)