لقد شهد المغرب عهد حكم آخر ثلاث ملوك تعاقبوا على العرش عدة صراعات سواء على الصعيد السياسي أو الإقتصادي والإجتماعي... ولاشك من بين ما ترك بصمته إبّان حقبة الملوك الثلاث هو الجانب السياسي وما يليه من صراعات وحروب داخلية من أجل الحفاظ على العرش أو منصب المسؤولية وهذا ناتج عن سلبيات السلطة المطلقة التي يمتاز بها حكام المغرب ومسؤولوه والعالم العربي بصفة عامة...؟ ولا يخفي على متتبع الشأن السياسي المغربي في سنوات خلت المعروفة بفترة - محاولة الإنقلاب - سنتي الواحد وسبعون والثاني وسبعون تسعمائة وألف المُدبرة من طرف جنرالات وكلونيلات وضباط سامون من أجل الإستولاء على الحكم والتي راح ضحيتها ضباط وجنود لا علم لهم بالعملية سوى أنهم طبقوا الأوامر كما هو منصوص عليها في القانون العسكري، وبأمر ملكي زج بهم في معتقلات سرية تحت وطأت التعذيب من ألعنها معتقل تازمامارت الذي وُصِف بقطعة جحيم ألقيت في المغرب... وهلم جرا من الأحداث التي عانا منها الشعب والمناضل المغربي ولازال من سياسات القمع والإستعباد الصادرة من القصر الملكي وحاشية السوء الموالية له.. وما هذا الذي أسلفت ذكره سوى مدخل لتسلط الضوء ولو شيئ ما من مُعاناة المواطن المغربي مع النظام الحاكم الذي يُعطي للعالم الصورة الفاضلة المُقنعة ديمقراطيا والتي تُخفي من ورائها مُعاناة شعب بأسره
في شهر أكتوبر خمسة وستون تسعمائة وألف، عرفت الساحة السياسية المغربية ألعن حدث في تاريخ المُضايقات السياسية التي تتمثل في إلجام الأفواه وممارسة التنكيل والتعذيب على بعض المُناضلين الرافضين لسياسة النظام أنذاك، فترة من الزمن عرفت إختطافات وإعتقالات تعسفية ومُحاكمات جائرة على شاكلة أحكام العرف..؟ حتى كان يوضع المُعارض في كيس محكم الإغلاق ويُلقى به في عرض البحر وهذا ليس بمُزايدة على عمل المخابرات المغربية المعروفة وقتها ب - الكاب واحد -، ولعل من أشهرها وألعنها هي قضية المُناضل والمُعارض المغربي المهدي بن بركة هذا السياسي المغربي المزداد عام عشرون تسعمائة وألف، كان قائدا للمُعارضة المغربية ومُدافعا عن قضايا العالم الثالث، أستاذ جامعي وواحد من مؤسسي حزب الإستقلال الذي يوجد على رأس الحكومة اليوم، كما أسهم أيضا في إقامة الإتحاد الوطني للقوى الشعبية، هرب إلى القاهرة بعد الحكم عليه مرتين بالإعدام من طرف النظام المغربي منها إلى جنيف ثم فرنسا ليلقي حذفه هناك...؟ ولحد كتابة هذه السطور لم يتسنى إلى أي كان معرفة الأحداث وملابسات النازلة رغم إختلاف القُصاصات وسيناريوهات القضية والشهادات من أفواه بعض الضباط سواء في الأمن أو المخابرات الذين عايشوا المأسات على حد تعبيرهم..؟ ولكن لا هذه الشهادات ولا تلك إستطاعة كشف المستور وإعطاء ولو صبيب من الضوء لتنوير العدالة لكشف اللبس عنها... ولما الإستغراب فالمُتورطون المُشار إليهم بأصابع الإتهام مسؤولون سامون لا زالوا يُمارسون مهامهم بمختلف أجهزة الدولة...؟ في مُفارقة عجيبة من يحكم على من...؟ ترجيحا لقول الشاعر : لمن أشكي فأنت الخصم والحكم
في غشت سنة ألفين وواحد كشف عميل المخابرات السابق أحمد البوخاري عن كيفية الإعداد لخطة خطف المعارض المغربي بن بركة وكيفية رجوع جثته إلى المغرب ومدى تورط المخابرات الفرنسية والمغربية في خطف وتعذيب وقتل هذا المعارض، وجاء في مُستهل حديثه عن النازلة سرد بعض الوقائع والأحداث عقب إختطاف المعارض وتعذيبه في فيلا بباريس بعدما قام الممرض التابع لجهاز المُخابرات - الكاب واحد - بحقنه بجرعة زائدة أدخلته في غيبوبة، حيث إختلف الفريقان المكلفان بالإختطاف الأول برآسة العشعاشي عميل المخابرات والمسؤول عن مكافحة التخريب والذي كان يُعارض تصفية المهدي بن بركة في باريس بل نقله حيا إلى المغرب، والفريق الثاني برآسة العقيد الدليمي أنذاك الذي يُريد تصفته في فرنسا، كان قدوم الجينرال أفقير قد حسم الموقف لصالح الدليمي فتم تصفية المعارض بفرنسا ونقله ميتا إلى المغرب حيث تم تذويب جثته بالمعتقل السري - دار المقري - بمادة حمض الكلور لإخفاء أثر الجريمة، وقع ذالك بعد قرار الإختطاف الصادر عن الملك الحسن الثاني يوم خمسة وعشرون مارس خمسة وستون تسعمائة وألف مباشرة بعد أحداث الدار البيضاء الأليمة التي راح ضحيتها الشبان المغاربة..؟ هذه فرضية، والثانية بعد مرور خمسة وأربعين عاما على إختفاء المعارض.. جاء على لسان رجل القوات الخاصة الفرنسية جورج فلوري أن بحوزته وثائق منذ حوالي خمسة وعشرون سنة تقول أن جثة المهدي بن بركة قد أحرقت في ضواحي باريس.. وأنه مستعد لتقديمها للمحققين القضائيين لإلقاء الضوء على إختفاء المعارض..؟ بعد هذا الكم الهائل من تضارب الأقوال والأحداث إلا أن رواية عميل المُخابرات البخاري أقرب للحقيقة لشيئ واحد أن المُخابرات الفرنسية لا تسمح بتصفية أي مُعارض على تُرابها وتوريطها في إغتيالات سياسية هي في غنا عنها...؟
في سنة ألفين وثلاثة وفي إطار ما يُعرف بالإنابة القضائية كلف قاضي التحقيق المغربي المعروف بولائه للمخابرات والمُعتمد عليه في القضايا المُفبركة المُسمى عبد القادر الشنتوف لدى محكمة الإستئناف في الرباط بطلب من القاضي الفرنسي بالإستماع إلى شهادت أحمد البوخاري العميل السابق لجهاز المخابرات بخصوص ملابسات إختطاف واغتيال المعارض بن بركة في أكتوبر خمسة وستون تسعمائة وألف، حيث لعب القضاء المغربي دوره الفعال في التمويه والمُغالطات وتضليل العدالة وكان أشهرها في أكتوبر ألفين وسبعة عندما أصدر قاضي التحقيق باتريك رماييل مذكرة بحت ضد المُتورطين في خطف المعارض الذين لازالوا يُمارسون مهامهم بالمغرب شملت الجنرال حسني بن سليمان قائد الدرك الملكي بصفته أنذاك مدير ديوان مدير المُخابرات، والجينرال عبد الحق القادري بصفته السابقة مدير المُخابرات العسكرية، والعربي الشتوكي منفد العملية، والعشعاشي المسؤول عن جهاز مكافحة التخريب.. ورغم أن بعضهم لازال يُمارس مهامه بمناصب رفيعة في المغرب إلا أن وزارة العدل نفت معرفة مكان سُكناهم أو عناوين إقاماتهم بعد طلب مُقدم من طرف القاضي باتريك للإستماع لهؤلاء الجلادين في تماطل صارخ يتجسد في تضليل العدالة...؟ ويجدر بالذكر أن القاضي باتريك رامييل هو عاشر قاضي تحقيق مكلف من طرف القضاء الفرنسي بالتحقيق في هذه النازلة..؟
بعد موافقة اللجنة الإستشارية لسرية الدفاع الفرنسية في أكتوبر المُنصرم رفع السرية عن وثائق طلبها قاضيان فرنسيان اللذان يُحققان في قضية المُعارض المغربي بن بركة المُختطف سنة خمسة وستون تسعمائة وألف وقضية كراتشي ألفين وإثنين... وبعد كل هذه الشهادات الصادرة من عملاء ومسؤولين عايشوا هذه القضية من ألفها إلى يائها.. إلا أنه من المستبعد كشف اللبس أو الغبار عن قضية عمرت أكثر من خمسة وأربعين سنة بدون معرفة مصير مُعارض لنظام طاغي ديكتاتوري..؟ قضية كان المُتورط الأول فيها القصر المغربي المعروف بالإغتيالات السياسية سواء عهد الحسن الثاني المُتمثلة في قضية بن بركة أو نجله محمد السادس في قضية هشام المنظري..؟ نظام ملكي طاغي إستحل دم المُعارضين الشرفاء الغيورين على وطنهم ومواطنيه.. فنظام كهذا لا يستحق أن يُتَّبع؟ وأجزم أن القضاء المغربي لم ولن يأتي بجديد بخصوص قضية المهدي بن بركة لأنه وببساطة ستفتح عليه باب جهنم كون القصر المغربي وبأمر منه أُختطف وعُذب وأُغتيل هذا المُعارض وهناك الآلاف من بن بركة ضحية هذا النظام النازي المغربي..؟ فبالرغم من هذا وذاك نرجوا أن يسري المنطق القانوني ويُوفق القضاء الدولي بكشف اللبس عن هذه القضية ويُحاكم كل من له يد في تعذيب أو إختطاف وٱغتيال هذا المناضل الشريف ولنا كل الثقة في القضاء الدولي والقاضي باتريك رامييل
التعليقات (0)