سواء سعيتَ إلى النجومية أو سعتْ إليك، وحلّقتَ في عليائها مغرّدا أو ناعقا، فعليك أن تكون على استعداد، لا للاستمتاع بمتعها ومغانمها وسحرها ووهجها فحسب،بل خصوصا للتحسب من أضواء الشهرة الحارقة. فالنجومية هبة ونعمة ولعنة ونقمة لأنها،بقدر ما تقود إلى منصة التتويج قد تقود إلى مقصلة الإعدام...قد تكون محاذير النجومية هوسا مبالغا فيه،لكني أرى أهوالها ماثلة،على الأقلّ،في ذات حال هذا الأسترالي "المنكود الحدّ" الذي يُدعى "جوليان أسانج"-Julian Assange
"أسانج" قاده "شيطان إلهامه" ومواهبه الخارقة إلى ما سماه "ويكيليكس" ليتحول الرجل من منطقة الظلّ إلى دائرة الضوء،حيث أصبحت تنعدم في حياته المسافة بين التألق والاحتراق وهو يؤسس لصنع "قنبلة" افتراضية على الشبكة العنكبوتية أثبتت أنها قادرة على الانفجار حتى في وجه أعتى قوة عالمية تتحكم في مصير العالم...إنّ ذكاءه اللامادي جعل من "ويكيليكس" منصة استدراج للتهريب والتسريب أغوت مختلسي المعلومات ذات الأهمية البالغة وقراصنتها إلى ترويجها بأوفر قدر ممكن من التكتم عن هوياتهم،وبأوفر قدر ممكن من حظوظ انتشارها السريع للجميع،دون استثناء، وفي أي مكان...فإذا هي،وفي غفلة من كلّ يقظ،تحولت إلى محطة استخباراتية رهيبة عملاقة تتجسس-ويا للمفارقة- على الدولة الأعظم التي أرست أضخم قاعدة استخباراتية دولية سخرت لفاعليتها كلّ إمكانات قوتها الضخمة التقنية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية...هكذا استطاعت "ويكيليكس" بفعل فردي من الذكاء والمكر والدهاء أن تفضح أسرار الجوسسة الأكثر عراقة والأشد تأثيرا وقدرة على الاختراق،وهكذا أوقعت الوقار الأمريكي بحصونه المنيعة وغرفه الخلفية المعتمة وأدواته الفائقة التطور ضحية هذا المغامر النزق "أسانج" الذي فعل-تقريبا-ما يفعله الساحر،فاستحوذ على لعبة صناع القرار العالمي بكلّ هيبتها،استحوذ عليها بوسائل بسيطة متاحة-تقريبا-للجميع قد تصلح لبرمجة لعبة أطفال افتراضية وبلغ به الأمر إلى أن يستأثر موقعه "ويكيليكس" على الاهتمام الواسع لدى شرائح عريضة من الرأي العام العالمي،فتتسابق للظفر بتسريباته المثيرة منصاعة أعرق وأعظم الإمبراطوريات الإعلامية...
واضح أنّ "أسانج" لم يُسعفه الحظ بأن تحتضنه أكاديميات العلوم الدبلوماسية والسياسية،هو من ذاك النوع الذي يسكنه جنّ مغامر،لا يفقه كيف يستفيد من جنونه،هو أحمق دبلوماسيا وسياسيا ،وإلاّ لاعتمد خطة أخرى غير تلك التي ورّطته في مواجهة القوة الأعظم في العالم - ربما - بسبب حرقه للمراحل وهوسه بالنجومية دون التحسب من الاحتراق بأضوائها...ماذا لو استمرّ صابرا مصابرا دون أن يقضم من ثمار الشجرة المحرّمة ورضي بما هو مسموح باستهلاكه من تسريبات لا تتسبب في كلّ هذا الإحراج والمضايقة للعملاق الأمريكي المنشغل بمتاعب عظمته وحروبه والمحكوم بنبيّه الجديد أوباما الذي بدأ ينفضّ من حوله الأتباع في الداخل والخارج بعد أن دبّ اليأس في نفوسهم وانعدم الأمل في رسالته التبشيرية غير الإسلامية –وفقا لتأكيده على هوية عقيدته ؟...
الصورة - كما نوجزها - تُهمل،عن قصد،افتراض نظرية المؤامرة،لا لاقتناع بالدعوة إلى إلغاء احتمالها،وإنما لغاية رسْم المشهد كما نراه فوق الركح،وهو يخترق حواجز المستور المحظور الذي يشغلنا عن كشف مستور "أسانج"...
لكن ثمّة في المشهد ما يدفعنا قسرا إلى عدم تجاهل المعلن من مستور "أسانج/ويكيليكس"...إنّ الرجل،بصرف النظر عن الدوافع التي قادته إلى هذه النجومية،سواء أكانت من أجل التشهير بفساد القيم التي تحكم العالم أو لولع منه باحتضان المفرقعات وتفجيرها في وجه من يصادف أو يُتّفق على أن يكون هدفها وضحيتها،فإنّه،على مستوى شخصي لا علاقة له إلا بحياته الخاصة الحميمية،متّهم -منذ صيف أوت المنصرم - بالتحرّش الجنسي والاغتصاب لامرأتين في السويد رمز الحرية الجنسية والإباحية...وكما تدلل عليه الروايات فالرجل النجم الموقوف على ذمة التحقيق بموجب مذكرة توقيف دولية صادرة عن الأنتربول لم ينكر العلاقة الجنسية التي كانت برضاء الطرفين،إلا أنّ الأنثى الشريكة ادّعت عدم استعماله للواقي الذكري عند خلوة إشباع...
ليست الغاية،طبعا،أن نسترسل في سرد حدث عاطفي جنسي لتحويله إلى نصّ أو رواية "إيريتوكية إباحية"...إنما لغاية الوقوف على أنّ القضية:هل صيغت في إطار تحرّش جنسي واغتصاب بمعنى المتعة الجريمة أم بمعنى المتعة الحلال التي أتاها طرفان اشتركا عن طواعية في طلبها؟..بل الغاية،أساسا،هي محاولة الربط بين "ويكيليكس" و"سيكس" هذا المطلّق "أسانج":هل هما محرّمان قانونا وعلى نفس الدرجة من الخطورة أم أنّ أحدهما يمكن أن يستفيد منه الآخر لتبرئة الرجل أو تجريمه ؟..
لنُعمل الرأي في المسألة من خلال محاولة الربط بين القضيتين،فلربّما نجد أكثر من وجه شبه بينهما...
إنّ المسلسل الذي تتداعى أحداثه بكلّ ملابساته وخفاياه يعد بمزيد من التشويق والإثارة...
والسؤال:هل أنّ الرجل بابتكاره أداة تسريب معلومات للمساعدة على كشف الحقائق مهما كانت خطورتها هو بذات الصنيع الذي يقدّم خدمة للإنسانية أم هو تحريض على القرصنة/الاغتصاب لهتك عرض أشرف امرأة وأجملها تعتلي بعفّتها وقار العالم وتصون بنبل رسالتها أخلاقه وقيمه ؟..تُرى هل خدعها "ويكيليكس" فضاجعها دون أن يستعمل الواقي،وما كان عليه أن يفعل؟..
لكن لماذا لم تستعمل سيدة العالم واقيها،وهي الأقدر على فعل ذلك؟..
تُرى هل هناك احتمال،في القضيّتين" أنّ طرفا يحمل "فيروس" فقدان المناعة؟..من هو يا ترى؟.. أيكون "أسانج" أم خليلته التي فضحته؟..أيكون "ويكيليكس" أم القوّة الأعظم؟..
لنفترض السلامة للجميع من خطر فيروسات الإيدز والفساد...وعليه،لا بأس أن نفترض إمكانية زيجة مباركة بين "ويكيليكس" والشرف الأمريكي قد يُفضي إلى إنجاب صالح للبشرية...لم لا لو صدُقت النوايا؟..وكما يقول رجال الإفتاء:"يجوز والله أعلم"،مضيفا ،وأمريكا-ربّما-تكون أظلم...
التعليقات (0)