مواضيع اليوم

قصه من واقع الحياه

مجدي المصري

2010-06-03 18:20:40

0

لاأعرف ماذا أسميها حاولت أن أتخير لها إسما مستعارا فلم أستطع .. أبت الأسماء المستعاره كلها أن تعبر عنها فهل أسميها ظلم الإنسان لأخيه الإنسان أو أسميها ضحيه مجتمع أو أسميها المعذبه في الأرض .. مئات الأسماء والأوصاف مرت بخاطري ولكن لم أستشعر بأنها توفيها حقها أو تعبر عنها فهي ومنذ مولدها لم يكن لها أي حقوق مما نسميها حقوق الإنسان أو حتي الحيوان ..
فهل سبق أن رأي أحدكم إنسانه ولدت بغير أي حقوق للإنسان محرومه من الآدميه ؟؟
هي بنت بيئه الفقر والجهل والتخلف بل والتشرد ولدت في ليله عتماء ظلماء لأب يعمل فلاح أُجري أي باليوميه وأم نفس الشيئ وما هي الا سنوات قلائل من عمرها البائس حتي طلق أبوها أمها وخرجت محموله علي كتف أمها من الدار الصغيره وما هي بدار والتي كانت تسترها خلف جدرانها ..
لتبدأ مرحله أخري من حياتها .. لم يكن في دار جدها لأمها متسعا لامها في الأساس فكيف سيكون هناك متسعا لها .. كانت أمها تخرج في الصباح الباكر للعمل في الحقول ولا تعود الا بعد غروب الشمس .. فتره طويله كانت تقضيها بالكامل خارج الدار فلا أحد يريد رؤيه وجهها في الدار من أهل الدار .. كانت تتسول من الأطفال الآخرين لقيمات صغيره تسد بها رمقها طيله النهار وكانت خلالها تتعرض للكثير من الضرب من أطفال آخرين أكبر منها سنا بدون أن تجد من يذود عنها أو يحميها .. إمتلأ رأسها بالجروح الغائره وتركت العصي والأحجار آثارا لا تنمحي من نفسها قبل جسدها .. وكانت عوده أمها في آخر النهار وبالا أيضا عليها فهي لم تكن تكفف دمعها أو تداوي جراحها بل كانت تعنفها كثيرا وربما تضربها أيضا لأنها لم تأخذ حقها بيدها ممن ضربوها وأهانوها ثم تنشغل عنها ..
مرت أيام كثيره لا تعرف لها عددا لأنها كلها متشابهه حتي الأعياد كانت تأتيهم فيها بعض لحوم الأضاحي من فاعلي الخير وكان نصيبها منها الفتات ولكنه كان بالنسبه لها حلما صعب المنال .. حتي جاء يوما فوجئت فيه بأمها تلملم ملابسها وجاء بعض الناس الي المنزل إصطحبوا أمها وهي معها الي دار أخري وعرفت أن أمها قد تزوجت من صاحب هذه الدار وكان رجلا مسنا بحاجه الي من تقوم علي خدمته ووجد ضالته في هذه "العَزَبَه" وهي لفظه تطلق علي المطلقه أو الثيب في الريف ..
لم تختلف الأمور كثيرا في الدار الجديده سوي لأمها التي توقفت عن العمل لتتفرغ لخدمه الزوج الجديد أما هي فأيضا كان الشارع نصيبها وقدرها طيله النهار فهي الطفله الوحيده في الدار وهناك رجل مسن مريض بحاجه الي الهدوء وبالتالي فلا مفر سوي إطلاقها في الشارع ..
لم يهتم أو يفكر أحد في إرسالها الي المدرسه لتتعلم ولكن فكرت أمها عندما إبتدأ عودها في الإشتداد في تشغيلها في الحقول لتحقق من ورائها عائدا ماديا ..
لتبدأ مرحله جديده من حياتها وهي العمل المبكر .. كم كان العمل طيله النهار مرهق لها ولكنه كان أرحم وأهون من الشارع وكانت تأكل وجبه الغذاء مع قريناتها وكانت هذه الوجبه المجانيه هي الوحيده منذ أن تفتحت عينيها علي الدنيا المشبعه التي تملأ بطنها حتي الشبع والإمتلاء ..
الأيام متشابهه والليالي حالكه لا يميزها عن بعضها شيئا تعمل في الحقول وتساعد أمها في أعمال المنزل والطهي .. رويدا رويدا بدأت معالم الأنوثه تظهر عليها إستدار جسمها وظهر نهديها وإستطالت قامتها وتدلي شعرها حتي خصرها وبالرغم من كونها نحيله إلا أنها أصبحت أنثي ..
مما أغري إبن صاحب الدار إبن زوج أمها وهو رجل عمره مثل عمر أبيها متزوج وله أولاد ولكن كونها ليس لها أحد يحميها أو عزوه تصد عنها الطامعين .. أغراه أنها تحولت الي أنثي وكونه زوج وأب لم يردع حيوانيته وخسته ودنائته لتتغلب عليه طبيعته الحيوانيه ويدبر لها في الخفاء حتي تمكن من نهش لحمها ..
حاولت المقاومه .. دافعت بكل شراسه ولكن ماذا يستطيع هذا الجسد النحيل أمام جبروت ثور هائج .. مزق بكارتها وهتك سترها وذبح عفتها علي مذبح شهواته .. لم تجد من تحكي أو تشكي له .. إلتزمت الصمت .. أسكرتها آلامها النفسيه والجسديه .. تاهت .. ضاعت .. فقدت ما تبقي لها في هذه الدنيا وهو الشرف وهو الشيئ الوحيد الذي كانت تملكه في هذه الدنيا ..
تكررت كثيرا تلك الطقوس الشهوانيه علي مذبح هذا الثور الهائج دون مجير أو رادع ..
حتي سمعت ذات يوم من قريناتها أثناء العمل في الحقول عن فتاه تزوجت وإكتشف عريسها أنها ليست بكرا ليله زفافها فكان نصيبها القتل ..
إظلمت الدنيا في وجهها وأيقنت مصيرها المحتوم .. عرفت النهايه الآتيه ولا ريب فيها ولكن هي لم تسعي .. هي مجني عليها .. هي ضحيه .. فكيف للمجتمع الظالم أن يحاكم الضحيه ويحكم عليها بالموت لذنب لم تقترفه بينما يقف جلادها مزهوا بفعلته وهو علي يقين من أن أي عداله في الأرض لن تطاله ..
ليالي طويله لم يعرف النوم سبيلا الي عيونها بل كانت الدموع المدراره هي أنيسها ولكن تبقي لها شيئا يسيرا من الأمل في الحياه .. ترفض الموت مذنبه في جرم لم ترتكبه ترفض تجريس المجتمع لها .. ترفض أن تري هذا الثور الهائج يهنأ بفعلته ..
وأخيرا هداها تفكيرها الفطري البسيط الي تصرف وحيد لن تخسر شيئا فهي ضائعه ضائعه لا محاله فما المانع أن يكون الأمر بيدها لا بيد عمرو ..
كانت تعمل في الحقل كما هي العاده وقبل أن ينتصف النهار تركت العمل فجأه وسارت بخطي واثقه لم ترد علي نداءات زميلاتها ولم تستجب لصيحات ناظر الزراعه ولكن يممت وجهها شطر الطريق العمومي سارت أكثر من نصف ساعه حتي وصلت أخيرا الي مبتغاها الي نقطه الشرطه
لم ترد علي محاولات جندي الحراسه الذي حاول إستيقافها وسؤالها عن مبتغاها ولكنها صرخت في وجهه أريد مقابله الضابط ..
سمع الضابط صوتها من داخل مكتبه فصاح في جندي الحراسه ليتركها تدخل ..
دخلت ووقفت أمام الضابط بكل ثقه لم تخشي أو تخاف من أي شيئ حكت بالدموع كل شيئ لم تترك كبيره ولا صغيره الا وحكتها بكل جرأه وشجاعه ..
صدقها الضابط الشهم آمن بكل كلمه قالتها قرر أن يساعدها ويقتص لها بكل ما أوتي من قوه ومن سُلطه .. أخرج ورقه وقلم وسطر مأساتها محضرا جمع فيه كل ما تعلمه من فنون كتابه المحاضر وحمله بيده وخرج بنفسه ليعرضه علي النيابه بعد أن أودعها مكان أمين داخل نقطه الشرطه ..
لم يغب كثيرا عاد بقرار من النيابه بضبط وإحضار ذلك الثور الآدمي .. لم يذهب علي الفور للقبض عليه ولكن إنتظر حلول المساء حتي إختمرت الفكره في رأسه ووضع خطه التنفيذ للإيقاع بالثور الآدمي وإجباره علي الزواج بتلك الفتاه البائسه فهذا أفضل وأكرم لها من حبسه والذي لن تطال من وراءه شرفا ولا جاها ..
وفي المساء ألقي القبض علي الثور الآدمي وتمت الخطه بنجاح وأقر بفعلته وبدلا من الوقوع تحت عقوبه الإغتصاب وافق علي الزوج منها وتم الزواج في نقطه الشرطه ..
خرجت من نقطه الشرطه بعد الفجر زوجه رسميه مرفوعه الرأس شريفه عفيفه لا يستطيع أي لسان أن يمسسها بسوء تصاحبها إبتسامه من الضابط الشهم والذي إنكفأت علي يده تقبلها ولكنه دفعها برفق وأبي عليها أن تقبل يده ..
إستمرت زيجتها أسبوعين بالتمام والكمال تم فيهم تجهيز كل شيئ وتم العثور علي "عويل" ممن إعتادوا عدم العمل والبقاء عاله علي النساء لينفقوا عليهم من عملهم ليتزوجها ..
تم تطليقها وبمجرد إنتهاء عدتها تم تزويجها للعويل لتنتقل الي المعيشه معه في غرفه من الطوب اللبن في طرف القريه عباره عن أربعه جدران وسقف من بعض الأخشاب والحطب بها بناء من الطوب اللبن كهيئه سرير وبعض الأنيه الصدئه وموقد جاز فقط لاغير وكان حمامها الخلاء تستحم وتقضي حاجتها وتغسل الملابس كله في الخلاء ..
سنوات وسنوات لم تعدهم ولم تحصيهم قضتهم في هذه "العشه" أنجبت خلالهم بنين وبنات تخرج في الصباح لتعمل مره في الحقول ومره في المنازل ومره في المخابز ولا تعود الا في المساء مرهقه ولكن تحمل في معيتها طعام لأطفالها ودخان ونقود لعويلها وتطعم أولادها بعد أن تجمعهم من الشارع الموجودين فيه طيله اليوم وتلبي طلبات العويل ثم تذهب في سبات عميق إستعدادا لغد جديد لكنها مصره علي الحياه …
مجدي المصري




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات