بغداد/بلادي اليوم احد سجون النساء في العراق تجد ما لا تقوى على تحمله من قصص قتل وخيانة وسرقة، من قبل فتيات لا يتجاوز أغلبهن الثانية والعشرين من العمر، فهذه متهمة بقتل ابن زوجها وأخرى بقتل صديقها وأخرى بسرقة زوجها. وبالرغم من تعدد القصص وملابسات الحدث إلا أن السجن يبقى واحداً؛ ففي تلك الغرفة ذات الباب الأزرق تقبع تسع فتيات في مقتبل العمر؛ سبعة منهن متهمات وتنتظرن الحكم وإثنتان محكومتان. وإذا ما توغلت في الغرفة أكثر فأكثر وأمعنت النظر قليلاً لا تجد سوى ذكريات تلك الفتيات وأحلامهن الصغيرة معلقة على الجدران؛ فهنا صورة لطفل إحداهن وهناك صورة لعائلة أخرى ناهيك عن الكتابات التي تنادي بالخروج والحرية. أما الأكثر إيلاماً من ذلك هو رؤية عيون تلك الفتيات وقد امتلأت بالأمل في إعادة النظر في قضيتهن جراء إعادة فتح قصصهن من قبل الصحافة والإعلام وأغلبهن لا يترددن دقيقة واحدة في سرد قصتهن من الألف إلى الياء أملاً في الحصول على المساعدة والتعاطف وإعادة النظر في الملف. فهذه أنغام اتهمت قبل ثلاث سنوات بقتل صديق لها ولا تزال تنتظر الحكم، وبالرغم من رفضها في البداية ذكر اسمها إلا أنها قد وافقت بعد ذلك لعل وعسى أن يسمع صوتها ويبتّ في قضيتها إذ تقول: “لقد سلمني زوجي إلى الشرطة متهماً لي بقتل أحدهم بالرغم من معرفته الأكيدة أنني لم أفعلها لأنني كنت وإياه في زيارة لأهلي وقد رآني حينها العديد من الشهود لكنهم رفضوا مساعدتي والإدلاء بشهادتهم التي قد تبرئني”. وأنغام التي تبلغ من العمر الثامنة عشرة فقط، تزوجت وهي لا تزال طفلة صغيرة لم تتجاوز الرابعة عشرة من العمر وجوبهت باتهامات زوجها لها بعلاقتها برجل آخر غيره وهو ذات الرجل الذي قتل. وبحسب شكوك أنغام فإن زوجها هو الذي قام بقتل الضحية وإلقاء التهمة عليها خاصة أنه هو الذي سلمها للشرطة برغم من معرفته بحجة غيابها. وتشير أنغام إلى أنها كانت تتعاطى أدوية عصبية وهي ذاتها التي خدر بواسطتها الضحية ثم قتل بالسكين من الوريد للوريد ولهذا تم إلصاق التهم بها واحتجازها عندما قام زوجها بتسليمها. إلا أن أنغام وبالرغم من تواجدها لمدة ثلاث سنوات في السجن دون حكم لا تزال تتأمل بالخروج إلى الحرية وبأن يأتي أحدهم ويشهد لصالحها ويخلصها. أما تغريد فهي محكومة لمدة عشرين عاماً بتهمة الخيانة العظمى إذ تقول: “أنا كنت أعمل في مطعم ، ويوماً ما أخذت من قبل زميل لي دون علمي إلى احد الاشخاص «زبون « فاكتشفت أن هذا الشخص يعلم كل شيء عني وعن حياتي، وطلب مني ان اعرفه الى مجموعة بنات صديقاتي قد حدد اسمائهن ،مقابل مبلغ مادي لكنني بدلاً من تسليمه البنات قمت بتاعلامهم بذلك حتى يأخذوا حذرهم خاصة أني أعرفهم جيدا المعرفة وتنهي تغريد حديثها: “فوجئت بتوقيفي ومحاكمتي دون أن يتسنى لي حتى الدفاع عن نفسي وصدر الحكم بحقي بتهمة محاولة المتاجرة بالنساء”. وتستمر القصص والحكايات التي في كل منها نستطيع ملاحظة الغصة من جهة والتوق للحرية من جهة أخرى والتخلص من هذا الكابوس؛ ففي هذه الغرفة تتواجد تسع فتيات بتسع قصص مختلفة وبأحلام لا تعد ولا تحصى، وهذا ما تمنته إحداهن قائلة: “أنا سرقت وأعترف بذلك إلا أنني ندمت وأريد أن أكفر عن أخطائي وأتعلم شيئاً مفيداً أستطيع الخروج به للمجتمع كإنسانة جديدة غير تلك التي دخلت السجن”. ويبدو أن الفتيات قد ألفن المكان والسجانات وبعضهن البعض، إلا أنهن بلا شك يحلمن باليوم الذي يخرجن فيه خارج تلك القضبان الحديدية ولو بقي ذلك مجرد حلم ليس أكثر إلا أنه هو الذي يجعلهن متماسكات في ذاك المكان الذي مهما أطلق عليه من الأسماء فهو يبقى سجناً يحتجز حريتهن.
التعليقات (0)