مواضيع اليوم

قصة ذاكرتي المثقوبة بقلم د صديق الحكيم

الدكتور صديق

2011-08-09 13:33:12

0

قصة ذاكرتي المثقوبة


بقلم د صديق الحكيم


استيقظت من نومي علي صوت طرقات منتظمة تُدوي بالخارج وتقتحم عليَ غُرفتي دون استئذان رغم أن شباك البلكونة مغلق ويتصاعد الصوت مقتربا في كريشندو ثم يتلاشي مبتعدا في ديكريشندو رائع ،

جلستُ علي سريري ومازالت عيناي مغلقتين أحاول فتح جفونها المتشابكة في وئام ولكن هيهات فهي تتوسل إلي أن أتركها تنام بعد طول السهر في الليلة السابقة أمام شاشة الكمبيوتر مع أصدقائي علي الفيس بوك في محادثة امتدت حتي مطلع الفجر، ماهذا لقد تلاشي الصوت بالخارج ،

 

تُراودني نفسي أن أعود للنوم مرة أُخري والفُضول يكاد يقتُلني لأعرف مصدر هذا الصوت الذي دوًي بعض الوقت ثم تلاشي كموجة وصلت مداها ثم تكسرت علي رمال الشاطئ ومكثتُ علي هذه الحال برهة من الزمن في صراع بين تلبية داع النوم الذي يُلح عليً بشدة لأغرق في نوم لذيذ

 

وبين داع الفُضول الذي يشدني للخارج لأفتح شُباك البلكونة المُغلق وأبحث عن مصدر هذا الصوت قبل أن يتلاشي تماما أو أسأل أحد المارة في الشارع عنه وربما أجد المعلم فرج صاحب المقهي المقابل لسكني جالسا كعادته علي الكُرسي المصنوع من جريد النخل المعشق -صناعة عمولة - في رشيد وأمامه ترابيزة من الحديد المطلي باللون الفضي وضعت عليها صنية صغيرة مصنوعة من النحاس الأصفر اللامع بحجم رغيف العيش البلدي عندما كانت البركة تصحبه قبل التخفيض


وعلي الصنية وضع كوب شاي قصير وكوب ماء طويل شفاف ويمسك المعلم فرج في يده بالخرطوم البلاستكيى المرن الذي تكسوه قطعة من قماش القطيفة الواصل بين برطمان الشيشة الزجاجي وفمه الكبير الذي يسحب النفس تلو النفس ليحدث مرور الهواء في الماء كركرة مميزة ينفث بعدها المعلم فرج زفيرا ملوثا بالدُخان الأسود المُحمل بذرات القطران الذي يتصاعد إلي السماء مكونا في الغالب السحابة السوداء التي تُخيم علي العاصمة وتجثم علي صُدور ساكنيها المساكين

 

وينادي المعلم فرج بصوته الجهوري الأجش - الذي طير العصافير الآمنة علي سلك الكهرباء المار أمام بلكونة أجمل فتيات شارعنا - علي صبيه لملوم ليُغير له حجرة الشيشة الذي خمدت نيرانه

وتفتح سُعاد البلكونة لتروي شجرة الياسمين ذات الأفرع المتسلقة علي البرواز الخشبي الذي يصنع قوسا فوق رأس الواقف تحته وتنثرحبات الغلة للحمام علي سور البلكونة وتختلس النظرة تلو النظرة وأنا لا أُعيرها أدني أهتمام وفجأة أضبطها متلبسة بالنظر نحوي فنتبادل الابتسامات وتحيات الصباح المعطر برائحة الياسمين

ويمضي الوقت سريعا لاأشعر بانقضائه إلا عندما تناديني أمي :الأكل جاهز يا سعيد

فأُودع سعاد منسحبا داخلا غرفتي في هدوء وتُلوح هي الأخري لي ب يُسراها وفي يُمناها أعواد الياسمين ذات الزهور البيضاء وقد الصقتها فوق قلبها

وأخيرا يتغلب داع النوم علي داع الفضول لمعرفة مصدر الصوت بعد صراع طويل فأعود للنوم علي سريري الدافء وأؤجل البحث عن مصدر الصوت عندما أستيقظ وتُكرر أمي النداء الفطور ياسعيد وأسمعها وهي تدعو لي بالهداية وراحة البال وأصوات الملاعق والأطباق تحدث رنة مميزة عندما توضع علي السُفرة كأنها تُعد لعزومة كبيرة ،الشيخ رفعت يرفع الآذان ، الآن تذكرت لقد عادت إليّ ذاكرتي المثقوبة إنه شهر رمضان الكريم وصوت طبلة المسحراتي وعزوماتي أمي الشهيرة والنوم من السحور إلي الإفطار 
كتبت المسودة الأولي في الخُبر الشمالية
9 أغسطس 2011




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !