مواضيع اليوم

قصة يمامة فى أمان الله

الدكتور صديق

2011-05-10 07:26:28

0

 

 

 

 

(1) يمامة فى أمان الله
بقلم د صديق الحكيم

(1)
قصدت مع زوجتى وطفلتى الصغيرة علا محلات الملابس والأدوات المنزلية بطريق الضهران أمام محافظة الخبروبالتحديد محل كل شىء وسنترالقرعاوى ومول الرحمانية وبعدما انتهت جولتنا التى استغرقت حوالى ثلاث ساعات واستنفذت الكثير من الجهد والمال وبعدها عدنا مرهقين إلى مسكننا فى التقاطع الأول مع شارع الأمير مشعل بن عبد العزيز وأثناء عبورنا شارع الأمير بندر بن عبد العزيز (السويكت سابقا)
رأيتها مع شاب يبدو من ملامحة أنه أحد مواطنيها وجذب انتباهى أكثرأنه يبدو فى أواخر العقد الرابع من عمره
لفت نظر زوجتى إليها وقلت لها هذه الفتاة تعمل معى فى مستشفى دار الشفاء
فقالت لى زوجتى ومن يا ترى يكون ذلك الرجل الذى يرافقها ويمسك بيدها بطريقة تدل على المودة والحب كأن يكونا مخطوبين أو حديثى عهد بحب
قلت لزوجتى وأنا أحمل طفلتنا علا لنعبر الشارع المزدحم بالسيارات : ربما يكون زوجها - مقدما بذلك حسن الظن على غيره لأن قربهم منى فى العمل أتاح لى معرفة الكثير من طباعهم الحسنة والسيئة على السواء ومن طباعهم المستهجنة بالنسبة لى اتخاذ الرفيق بدون زواج والمثلية
لكن لهم طباعا حسنة كالنظام وإنجاز الأعمال وتحمل ضغط العمل ناهيك عن شعرهم الأسود المسترسل والناعم كالحرير وهم يتباهون به
كانت أول معرفتى بها فى مطعم المستشفى حيث كانت أراها فى اليوم ثلاث مرات بعدد وجبات الطعام إفطار وغداء وعشاء وذلك فى الفترة التى كنت أعيش فيها لوحدى قبل قدوم زوجتى وابنتى من مصر ومن يومها وأنا ألقبها باليمامة وكان يرافقها باستمرار فتاتين جميلتين كوصيفتين لملكة متوجة كن يعملن معا فى قسم العلاج الطبيعى بالمستشفى ويعيشن فى سكن واحد مع مواطنيهم بالقرب من سكنى الحالى بشارع الأمير بدربن عبد العزيز

(2)

لا أعرف اسم اليمامة ولا اسم وصيفتيها ولم أحاول أن أعرف
ولا حتى لماذا اطلقت عليها لقب اليمامة او باللغة الانجليزية
Barbary Dove
ربما للون وجهها البنى الفاتح وقلة حجمها وخفة حركتها
وبعد قدوم زوجتى وابنتى من مصرانقطعت عن الذهاب لمطعم المستشفى والأسباب معروفة طبعا ولمن لا يعرف فإن أكل المطبخ المصرى لا يعلى عليه خصوصا إذا كان من يد زوجتى العزيزة
وبذلك انقطع الورد اليومى لرؤية اليمامة ثلاث مرات أثناء تناول واجبات الطعام فى مطعم المستشفى
ماعدت أراها غير مصادفة فى الطريق من المستشفى إلى السكن أو العكس
بل أكاد أكون صادقا إذا قلت أننى لم أرها فى الفترة الأخيرة نهائيا
لم أكن أعلم سبب ذلك قلت ربما ذهبت فى أجازتها السنوية المعتادة لموطنها أو ربما غيرت مواعيد عملها ومضت الأيام على ذلك الحال

(3)
لكن الصدفة جمعتنى بعد ذلك مع أحد وصيفتيها فى محل دار الاهتمام للتموينات الغذائية حيث تباع كل أنواع البقالة بالاضافة للخضروات والفاكهة
بعد التحية والتعارف بالوصيفة والتى كانت تعرفنى مسبقا وعرفتنى باسمها نور
سالتها عن صديقتها اليمامة صاحبة الشعر الحريرى الأسود بلون الليل المتوسط الطول المرسل الذى تجمعه عند قمع رأسها بمشبك ثم ترسله لينطلق كذيل فرس عربى أصيل يتأرجح على الجزء الأعلى من ظهرها كبندول الساعة يتحرك يمنة ويسرة مع مشيتها المميزة بالخفة والحيوية
عن اسمها وسبب اختفاءها فى الأونة الأخيرة
اخبرتنى الوصيفة أن اليمامة اسمها نور و أن سبب اختفاءها فى الأونة الأخيرة هو زواجها الشهر الماضى وذهابها مع عريسها لقضاء شهر العسل فى الفلبين وعندما حضرت بعد قضاء شهر العسل تركت السكن المشترك معنا إلى سكن مستقل مع زوجها محسن
الذى وصفته زوجتى عندما رأته معها أنه أكبر منها سنا وهى بجانبه بحجمها الصغير ووجها الطفولى كابنته الوحيدة المدللة
ولعل التغير الملحوظ على اليمامة نور بعد زواجها من محسن هو لبسها غطاء أسود شفاف لشعر رأسها وإن استمر ظهور جزء صغير من طرف البندول يتحرك يمنة ويسرة مع مشيتها المميزة بالخفة والحيوية

(4)
لم اكن اعلم من قبل أنها من مسلمى الفلبين فمعظم مواطنيها مسيحيون أو بلا دين
مما شجعنى وحرك بداخلى الفضول المحمود لمعرفة قصة الاسلام والمسلمين فى الفلبين هذا الأرخبيل المكون من سبعة الاف جزيرة
ورجعت بذاكرتى إلى الماضى البعيد حيث مضى عشرين عاما على هذا الحديث مع معلمى الأستاذ أحمد يعقوب مدرس اللغة العربية
حدثنى الأستاذ أحمد يعقوب معلمى فى المدرسة الثانوية الأزهرية والذى كان عائدا لتوه من الإعارة ضمن بعثة الأزهرالشريف فى الفلبين عن قصة الاسلام والمسلمين فى الفلبين
قال لى الأستاذ أحمد يعقوب عندما سألته عن قصة الاسلام والمسلمين فى الفلبين
قال لى معلمى إنها قصة تستحق بحق الكثير من الدرس والفحص منا نحن العرب
وبدأ حديثه كما تعودنا منه بالشعر وكان فى هذه المرة أبيات للشاعر الكبير محمود غنيم رحم الله من قصيدته الرائعة مالي وللنجم يرعاني وأرعـــاه
إنى تذكرت والذكرى مؤرقة مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه

ويْح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتوارى في زواياه

أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصًا جناحاه

كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفها وبات يحكمنا شعب ملكناه

(5)
وأردف معلمى قائلا هكذا وصف الشاعر حال الأمة بعد المجد التليد والفتوحات التى انتشرت فى رقعة واسعة من المعمورة وبعدما قادة لشعوب الأرض أصبحنا حيث تعلم
لكن ماذا عن الفلبين تحديدا
قال معلمى :يابنى وكنت وقتها فى الصف الأول الثانوى
هل تدرى ماهو اسم الفلبين قبل ان يغزوها قراصنة البرتغال ؟
أجبته بالنفى لأنى حقيقة لا أدرى
فاجابنى كان اسم الفلبين قبل ان يغزوها قراصنة البرتغال ( عذراء ماليزيا )
وهل تدرى من أطلق عليها ذلك الأسم؟
أجبته بالنفى أيضا لأنى حقيقة لا أدرى وأريد أن أستزيد من علمه ومعرفته
( عذراء ماليزيا ) هو ما أطلقه العرب عليها لجمالها وقربها من دولة ماليزيا الاسلامية
فى هذه المرة أخذت زمام المبادرة وقلت اباغته بسؤال منطقى
ما الذى غير اسمها من ( عذراء ماليزيا ) الى اسم الفلبين
فأجاب معلمى وهويبتسم ابتسامة ممزوجة بمرارة الحسرة

(6)
ان هو الحقد الذى ملء قلوب البرتغاليين ابي ان يبقي شيئا يربط تلك الشعوب المسلمة بماضيها الاسلامي فاختاروا لها اسما غربياَ هو ( الفلبين ) نسبة إلى ملك اسبانيا ( فليب الثاني ) ،
وأكثر من ذلك حرفوا اسم عاصتمها من ( أمان الله ) وهو الإسم الذى أطلقه عليها شريف عربى من مكة إلى (مانيللا )معتقدين أنهم بذلك سيمحون التاريخ و سيقطعون بذلك علاقة تلك المدينة العريقة بماضيها العربى والاسلامى
تنهدت تنهيدة سمعتها زوجتى ونحن نصعد الأسانسير إلى شقتنا
ومازال الحديث يرن فى أذنى وكلمات معلمى يتردد صداها فى جنبات عقلى
وصلنا الى الشقة فتحنا الباب ووضعنا المشتريات على الطاولة الكبيرة فى الصالة
ومازلت أفكر فى اليمامة وغيرها من مسلمى الفلبين وكيف نمد لهم يد المساعدة فى جهادهم لإقامة دولتهم على أرضهم و ليس فقط فى الجنوب على أرض شعب مورو كما يريد المحتل

(7)
وجدتنى ألفظ بصوت سمعته ابنتى هلا (شعب مورو) فقالت لى على الفور وبسرعتها المعهودة بابا ماهو شعب مورو جلست أشرح لها وهى مازالت خماسية
و مورو هو الإسم الذى أطلقه الأسبان على شعب الفلبين تشبيها لهم بالعرب السمر الذين فتحوا الأندلس وأقاموا حضارتهم عليها لمدة ثمانية قرون
أومأت لى علا برأسها انها فهمت وما أظن ذلك
لكنها على أى حال يشكر لها أنها قد أنصتت لى بصبر تصاحبه ابتسامتها الوديعة الصافية التى لم تعكرها هموم الحياة
هل كل هذا من أجل اليمامة نور التى طارت ثم رجعت إلى عش جديد مع وليفها والسعادة ترفرف عليهما وتملأ عشهما الصغير
ربما كان ذلك هو عين الحقيقة
لكن تبقى أمنيتى الطيبة
أن يعود اسم العاصمة من مانيللا إلى أمان الله
وأن تعود اليمامة و وليفها من رحلة البحث عن الأمان المالى فى بلاد الغربة إلى أمان الله بعد أن يرحل المحتل من حيث أتى وياخذ معه كل اسمائه الغربية وأذنابه

كتبت على شاطىء الخليج العربى
29 أبريل 2011
نشرت على موقع اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
http://alexandrie.yoo7.com/t1049-topic

من المجموعة الثانية للكاتب

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !