قصة يسرا.
تتداول عدد من المواقع الإلكترونية في المغرب هذه الأيام رسالة كتبتها فتاة مغربية تحكي فيها تفاصيل مؤثرة من حياتها، وذلك تحت عنوان: "اعترافات يسرا التائبة ".
تتحدث يسرا عن قصة حب جارف جمعها بشاب ( عادل ) عندما كانت تدرس في المرحلة الثانوية، لكن هذا الحب تحول بعد ذلك إلى علاقة غير شرعية، بعدما اصطدمت رغبتهما بالزواج برفض قاطع من والد الفتاة الذي اغتال تلك الرغبة في بناء بيت و أسرة، واغتال معها كل الأحلام الوردية التي راودت يسرا، فما كان منها إلا أن استغلت أول فرصة سانحة للفرار من معتقلها في بيت العائلة لتسلم نفسها عن طواعية لعشيقها. و بذلك بدأت مرحلة جديدة في حياتها. فقد هاجر الحبيب إلى دولة أوربية بعدما وعهدها بإكمال ترتيبات الزواج عند عودته. لكنه قطع صلته بها بعد بضعة أسابيع، وعندما حاولت أن تستفسر عنه أكد لها بعض من معارفه أنه تزوج في بلد المهجر. و وجدت يسرا نفسها تائهة و وحيدة و هي حامل لطفل في بطنها من علاقتها غير الشرعية بعشيقها. و لأن المصائب لا تأتي فرادى فقد تعرضت للاغتصاب من أحد أقارب عادل الذي كانت تقيم معه و زوجته في انتظار عودة زوج المستقبل... و اضطرت أن تغادر البيت وقد اختارت بعد أن صدت الأبواب في وجهها أن تحترف الدعارة. لكن رحلة العهر انتهت إلى إصابتها بمرض العصر: الإيدز... و هذا ما دفعها تحديدا إلى كتابة رسالتها داعية كل من عاشرها إلى إجراء كشف طبي للتأكد من عدم الإصابة بالمرض...
هذه القصة هي واحدة من آلاف الحالات المشابهة في مجتمعاتنا، والتي لا نعرف عنها شيئا نظرا للتكتم الشديد الذي تفرضه ثقافتنا و عاداتنا و تقاليدنا حول هذا النوع من المواضيع. ربما امتلكت يسرا الشجاعة لعرض قصتها و الكشف عن تجربتها. لكن كثيرات غيرها لا يمتلكن هذه القدرة. و من تم فإن ما خفي كان أعظم. لا شك أن يسرا تتحمل كثيرا من المسؤولية في ما حدث لها. لكن هذه الواقعة تسلط الضوء على الوجه القبيح لبعض التقاليد التي تحكمنا. إن دور الأب في مصير الفتاة لا يمكن إنكاره أو التغاضي عنه. إذ - و استنادا إلى تفاصيل الحكاية - شكل رفضه ذلك الزواج نقطة تحول حقيقية في حياتها. حيث خطت مباشرة بعد ذلك خطوتها الأولى الخاطئة و القاتلة التي وجدت من يتربص بها من الذئاب البشرية. و بعد ذلك كان ما كان... فلماذا لا نفهم أن الإنسان ينبغي أن يكون حرا في اختياراته عندما يكون في عمر يؤهله لذلك؟. لماذا ننظر إلى المرأة نظرة دونية تجعلها قاصرة و غير مسؤولة؟. لماذا تكتسح هذه الوصاية كل شؤون حياتنا؟. لماذا لم تحترم رغبة يسرا في الزواج ممن وقع عليه اختيارها؟. حتى المشاعر أصبحت عرضة للمصادرة و الإغتيال باسم عادات و تقاليد بالية. لذلك فإن نتائج هذه الثقافة لا تخلو من كارثية كما هو الشأن في حالتنا هذه.
إن التربية تقتضي الوضوح و الإنصات لآمال و آلام الأبناء خصوصا عندما يبلغون مرحلة المراهقة و بداية النضوج العقلي و العاطفي. نعم من اللازم أن يراقب الآباء أبناءهم و يوجهونهم التوجيه التربوي الصحيح، لكن دون أن يعني ذلك مصادرة حقهم في الإختيار و التعبير عن ميولاتهم في كل المجالات. لأن الضغط وفق القاعدة الفيزيائية لا يولد إلا الإنفجار. و لا أعتقد أن أي أب حريص على أبنائه يرضى بمثل هذا الإنفجار الذي نسمع فرقعاته في قصة يسرا. محمد مغوتي. 01/12/2010.
التعليقات (0)