وكما أنه لكل قصة فكرة نجد كذلك أنه أيضاً لكل فكرة قصة ، ومخاضهما قد يأتى فجأة وبطرق كثيرة ومختلفة ، وأخطرها تلك الفكرة أو الخاطر الذى يأتى ويمر على العقل كالشهاب الخاطف الذى ينساه الشخص بسرعة غريبة ، لذلك ليس عيباً أن يحمل الشخص ورقه وقلم فى جيبه لتسجيل ذلك الخاطر الخاطف حتى لا يهرب دون رجعة لأنه كنز يجب أن يحافظ عليه ، وهناك أفكار تقليدية قد تأتى كرد فعل لأفكار أخرى طرحها شخص أو كاتب آخر سواء كانت الأفكار الجديدة تشرح أو تدحض أو تضيف إلى ما قاله الكاتب الأول ، وأفضل تلك الأفكار هى الإستنتاجية والتى تربط بين وقائع الماضى بأخباره وأحداثه مع الحاضر وذلك إستشرافاً للمستقبل ، وكل مقالة يمكن إعتبارها قصة ويمكن إعتبارهما معاً صندوق مغلق يأتى مفتاحه فجأة ، فيجذبنى ويستهوينى إجابة السؤال كيف تولد القصص وتنبت الأفكار ؟! ، فميلاد رواية "الكرنك" للأديب الكبير نجيب محفوظ بدأت لحظات مخاضها الأول بشخص أبيض يدخل المقهى ، وهو غير معروف لمحفوظ ولا لرفاق جلسته فهو غريب عن المكان ، يحيه "الجرسون" في المقهى بشكل يثير حفيظة محفوظ الذي يتسائل من ذاك الشخص ؟!، فيعرف أنه "حمزة البسيوني" قائد السجن الحربي فيما قبل ، والذي ما أن يمر أسبوعين إلا ويلقي حتفه في حادث غامض ، ويقدم محفوظ رائعته ، ومنذ أيام رصدت ميلاد فكرة لم أكتبها حتى الآن وقد جاءت الفكرة فجأة حيث كنت أسير فى شارع بإحدى المدن ورأيت سيارة "ربع" نقل صغيرة صندوقها الخلفى مُغطى وهذا النوع من السيارات معروف ويشمئز منه معظم المصريين ومكتوب على لوحاتها " قطاع عام " وعندما إقتربت السيارة وجدت مكتوب عليها " البريد المصرى " ، فقلت فى خاطرى ياااه لسه فيه ناس ترسل خطابات بالبريد العادى مثلما كان يحدث منذ سنوات قليلة ؟!، وتذكرت أننى كنت كل أسبوع أُرسِل على الأقل خطاب لأقرباء وأصدقاء فى بلاد الغربة ، وأنا أسير قلت فى نفسى طيب دا ممكن أكتب على مدونتى موضوع عن بعض القصص البسيطة التى تخص بعض الخطابات القليلة وغير التقليدية - بمعنى أنها بعيدة عن صلة القرابة أو الصداقة - التى أرسلتها وعدت لذاكرتى فظهرت أمامى قصص بسيطة ، فتذكرت قصة أول خطاب ورقى أرسلته لصفحة قراء إحدى الصحف ، وبعدها بأسبوع فوجئت بنشر ما أرسلته و بدأت أراسلها لفترة ورقياً ثم إلكترونياً بعد ظهور الإيميلات ، وتذكرت أول عملية نصب - بحوالى مائة وأربعين دولار - وقعت فيها بسبب خطاب أرسلته لشركة وهمية بالولايات المتحدة كانت قد أعلنت فى أكبر صحيفة مصرية عن وظائف خالية وطلبت المبلغ كرسوم للترشح للوظيفة وبعدها طلبت أموال أخرى فأيقنت أننى وقعت فى عملية نصب ! ، وكانت المفاجأة أننى تذكرت شىء قديم جداً وأنا فى الصف الثانى الإبتدائى على ما أظن حيث بدأت أكتب أول كلمتين فى أول مشروع خطاب لإحدى خالاتى التى كانت مع زوجها بدولة الإمارات ووقع ذلك المشروع الصغير فى يد أحد أشقائى الكبار وكان موقف ضحك منه الجميع إلا أنا وتهكم الجميع على فعلتى غير المسبوقة ، وخطاب أرسلته لإحدى الجهات وكان بعد فضل الله سبباً فى حصولى - دون واسطة - على وظيفتى والتى أعتبر حصولى عليها بدون واسطة ثامن معجزة دنيوية ! ، وبدأت أُفكر فى وضع عنوان للمشاركة الوليدة وجاء فى بالى رواية "البوسطجى" للأديب الكبير"يحيى حقى" وكذلك جاءت أغنية "البوسطجيه إشتكوا من كتر مراسيلك" للمطربة ( رجاء عبده ) وقررت أن يكون العنوان شبيهاً لتلك الأغنية الشهيرة وبدأت أحاول أن أحصل على مقابل مناسب لكلمة "إشتكوا" لأنها الكلمة الوحيدة التى "زرجنت" معى فوصلت إلى عنوان "البوسطجيه فرحوا من قلة مراسيلى" ودائماً ما أحاول أن أصل لأدق كلمة لأضعها فى مكانها المناسب ما دامت المشاركة لم تُنشر بعد ، وغيرت فى العنوان مرة أُخرى ليصبح وحتى هذه اللحظة " البوسطجيه إرتاحوا من قلة مراسيلى " ، وها أنا عدت من مشوارى الذى لم يستغرق أكثر من نصف ساعة بمحاولة كتابة موضوع معين وإذ بى أكتب - عاجلاً - موضوع آخر بالإضافة للموضوع الأصلى الذى لم أكتبه بعد ! .
التعليقات (0)