كم شعرت بحرارة الشمس في هذا ألوقت التي كانت فيه نوبتي لتحضير شاي المساء عندما خرجت إلى ساحة البيت تاركة أمي واخوتي يستمتعون بنومهم منذ قيلولة الظهيرة ، ملأت ابريق الشاي وهممت بدخول المطبخ اعتقدت اني رأيت من بعيد شيئا يزحف خلف السور ، نعم كان هناك ولد صغير باسمال بالية . رفعت صوتي أناديه لماذا تختبيء هناك ايها الصغير تعال دعنا نراك . قفز عن السور ووصلني كانت تبدو في عينيه إمارات الخوف والفزع مني فطمأنته وشجعته على الكلام وسألته عن اسمه فقال بعد تردد : إسمي كيفا ... كيفا كازانا ، رددت وانا شاردة الذهن كيفا اهلا بك ايمكنك أن تدخل بيتنا وتساعدني في إعداد الشاي فراح يجمع بعض الحطب وبدأت بإشعال الموقد ، فجاء على خجل وجلس على عتبة الدار في ذلة وانكسار فسألته : من أين جئت يا كيفا وأين تقيم ؟ فهمس بصوت لا يكاد يسمع : انا لا مسكن لي ، فقلت لا مسكن لك ! هذا هراء طبعا لك مسكن ، إن لكل إنسان بيت حيث يعيش أبوه وأمه وإخوته ،أين يعيش امك وابوك ؟ اجاب : ليس لي أم واب ، إنهما... كانا ... ادركت من لهجته أن هذا الحديث يتعسه اكبر تعاسة فأمسكت عن الحديث وقلت له : لا تهتم لذلك ألآن ، وكان الماء قي ألإبريق قد بدأ يغلي فقلت حسنا يا كيفا سأذهب أنا لإعداد الشاي ، ولاحظت أنه ينظر إلى ألإبريق بلهفة فقلت له اني سأسكب له كوبا من الشاي وخطرت ببالي فكرة ربما كان جائعا واقترب من بيتنا على أمل الحصول على بعض الطعام واقتربت منه ، يا إلهي كم كانت رائحته منفرة .
مالت الشمس للغروب ورايت انها متعة لو أننا تناولنا الشاي في الخلاء خارج البيت فأحضرت حصرا وفرشتها تحت الشجرة وحضرت ما يلزم وعدت إلى البيت . وقلت لأمي : لقد أعددت الشاي يا امي ، وهناك غلام صغير جائع يروع منظره من رآه ويقول انه جائع شريد لا مأوى له ويتيم ألأبوين ، ردت ألأم حسنا فلتشكري الله الذي ابقى لك أباك وأمك . اسرعت عائدة إلى المطبخ ولما أصبحت على مقربة منه سمعت صوت شيء يتحطم على ارض المطبخ ، اجفل كيفا ثم وقف يواجهني وقد بدا الخوف والرعب على وجهه لقد كان يلحس بقايا وجبتنا ألأخيرة عن سطح الطبق ، تظاهرت اني لم ارى شيئا وطلبت منه ان يغسل يديه ويحضر لتناول الشاي ، فرد بخوف : لا اظن بحق اني احب الشاي ، فسألته : ولم لا ؟ وأنا أتبع نظراته إلى مدخل البيت حيث كانت أخواتي الثلاث قد خرجن ، قفلت له لا تهتم بهن فهن أخواتي ، رد ولكنهن كبيرات وربما يضربنني كما يفعل ألآخرون ، فقلت : تعال لن يجرؤ احد على ضربك بحضوري فأنا اختهن الكبرى ، قال : ولكن ألأخرون ضربوني لأني أكلت طعام كلابهم ، قلت أنت أكلت طعام كلابهم ؟ قال لم تكن الكلاب تريده وأنا كنت جائعا ، قلت : حسنا قد يكون هذا هو الواقع ولكن اخواتي لن يضربنك ,سترى . تقدم وجلس على بعد عشرة أمتار منا ، واتجهت إليه انظار الجميع فسارعت لأشرح لهم ان اسمه كيفا كازانا وأنه جائع وشريد ولا مأوى له وليس لديه أم ولا أب . همست نورا مستفسرة : وفي أي كوب سيتناول الشاي فأجابت ماري وهي تنظر إلى أسماله البالية افضل ان يكون في قدح ( جونيت ) القطة ، وصاحت امي قائلة : قدح جونيت ماذا ؟ يشرب الشاي من قدح القطه أسرعي يا نورا واحضري كوبا من اكواب الزائرين ، وصحنا بصوت واحد مستهجنين أتقولين بأكواب الزائرين وهنا ظهر اخي ميناويل وقال وانا اعتقد انه يمزح : من أين جاء هذا الغلام القذر ، اغرب عن وجهي قبل ان يوسوس لي الشيطان فادوس عليك ،فإني أريد ان أتناول كوبي من الشاي دون منغصات . صحنا فيه غاضبين جميعنا ، ولكن الغلام كيفا كازانا هب واقفا وركض كالسهم متجها إلى مرعى الفيلة الكثيف خارج ألأسوار وجرت خلفه اخواتي الصغيرات يطلبن منه ان يعود ويتناول الشاي كانت صيحاتنا كيفا كازانا يتردد صداها في الغابة وعبر الحقول هابطة إلى الوادي وانا اردد بجزع متشرد جائع ولا مأوى له ولا ام ولا اب ، كن معه يا ألله .
التعليقات (0)