موسيقى ((( ني نوا ))) وإشكالية إنتساب بين الماضي والحاضر
يحمل هذا الإسم عنوانا لمعزوفتين من أروع المعزوفات الموسيقية .
ولفظة ((( ني نوا ))) تتألف من مقطعين " ني " وتعني بالفارسية " ناي " أو " قصب " كما هو معروف في كلام الإيرانيين " ني شكر " ويقصدون به " قصب السكر " والذي يعمل منه الناي . والمقطع الآخر " نوا " هو أحد فروع المقامات الشرقية السبعة أو الأصح الثمانية .وهي أصل السلم الموسيقي في العالم أجمع . ويقال أن المقامات الأساسية كانت ((( 12 مقاما ))) فتركت أربعة وبقيت ثمانية لعدم توافق الأربعة المتروكة لأصول العبادة آنذاك . ومصدرها وإنبثاقها يعود للعهد السومري . حيث أكد كثير من الموسيقيين في الغرب وأمريكا أن ماينسب لفيثاغورس من أنه واضع السلم الموسيقي هذا محض تزييف وجهل حيث أن فيثاغورس كان طالب علم يجول البلدان لطلب العلم والمعرفة . فوجد عند السومريين أو البابليين هذا السلم الموسيقي أو المقامات الموسيقية .ويستدلون بذلك على وجود القيثارة السومرية وهي أقدم آلة موسيقية وترية في العالم . وهي على أشكال متعددة وجدت في أعمال التنقيب في آثار حضارة وادي الرافدين وهي موجودة في المتحف العراقي وأيضا موجودة في المتاحف العالمية .
على كل حال نأتي لقصة الموسيقى وإشكالها بين الآشوريين وبين واقع العمل الفني الذي جسده الموسيقار " حسين علي زاده "
الأولى ...
يعود زمنها إلى عصر الدولة الآشورية الثانية 700 قبل الميلاد في حضارة وادي الرفدين حيث وجدت بعثة آلمانية تعمل في التنقيب والآثار هذه النوتات الموسيقية على رقم طينية .
وقصتها تحكي أن شابا وفتاة من ذلك العصر كانا متحابين جدا ويعشق بعضهما البعض حد الجنون . حيث كان الشاب فقير جدا لكنه ذي معرفة وعلم واسع وكانت الفتاة جميلة جدا . فكانت مآساة عشقهما هو جمالها . والذي سمع عنه الملك الآشوري فقرر أن تكون إحدى زوجاته . فرح والد الفتاة كثيرا حيث أن مثل هذه الفرصة لا تحصل إلا لذي حظ كبير . تاركا وراءه جراح عشيقين . حينها جن جنون هذين العشقين فقررا أن يهربا خارج حدود الدولة الآشورية حيث لايمكن لملكها العثور عليهما . فبينا هم على ذلك إذ أحبطت محاولاتهم وباءت بالفشل .
فوصل خبر عشيقها للملك الآشوري فقرر أن ينفي ذلك الشاب ويعزله عن المجتمع .فرماه في غابة مخيفة لايستطيع العيش فيها إنسان إلا بمشقة وألم . بدأت من هنا قصة النوتة الموسيقية . حيث بدأ الشاب أن يكتبها على تلك الرقم الطينية وهو يعتصر قلبه ببكاء وحسرة . فكتب كل ماعاناه بين فراقه لحبيبته وبين عذابه وتحمله في تلك الغابة وقسوتها . فجسد كل مشاعره وأحاسيسه بتلك النوتات الموسيقية . وسماها ." ني نوا " ويقال أن هذه النوتات تم عزفها من قبل فرقة الأوركسترا الفرنسية عام 1932 . بعد ترجتها وقراءتها بالإسلوب الموسيقي المعاصر ؟؟؟ وبدأت تحاك عليها قصص وروايات وآساطير حول من يسمع هذه القطعة الموسيقية .!!!
الثانية ...
هي قطعة موسيقية قدمها الموسيقار الإيراني المعاصر " حسين علي زاده " وهي لوحة موسيقية جميلة قصتها مستوحاة من مآسي كربلاء الأليمة . وأيضا من مآسي الحرب العراقية الإيرانية وماخلفته من دمار وآلام وشجون في واقعها وذكرياتها .
ومن هنا بدأت إشكالية تلك الموسيقى بين الواقع وبين الإسطورة التي بناها الشعب الآشوري في سوريا والعراق من المعاصرين حول نسبة هذه الموسيقى . فالشعب المسيحي الآشوري المعاصر بنا في مخيلته نسيج من الأوهام حول هذه القطعة الجميلة الرائعة . فهو يفخر كل الفخر بأن أسلافه من الآشوريين القدامى كان لهم هذا العمل الرائع . حتى قامت الكنائس بتعليمها لأبنائهم المسيحين ورواية قصتها لهم فأصبحت جزءا من التراث المسيحي الآشوري حيث بات من الصعب التنازل عن هذه القطعة الموسيقية والتسليم بأنها معزوفة موسيقية من أعمال الموسيقار الإيراني " حسين علي زاده "
وسواء كانت للآشوريين أم للإيرانيين إلا إنها لغة لجميع بني البشر مهما إختلفت مللهم ونحلهم . فالموسيقى لغة لايبنى نطقها على اللسان ولا يترجمها أيضا . إنما لغتها وترجمتها كفيلة بالروح حيث تستشعر بها وتعيش تفاصيلها . وتهيم بسماعها لما تحتويه من روعة في تفاصيل حكاياتها المحسوسة من خلال الإستماع والإستشعار بها وفق معطيات كل نغمة وكل مقام من مقاماتها .فترى كل مستمع للموسيقى إن كان من متذوقيها . يهيم بسماعه لها ويسبح في نسج خياله وذكرياته .ويتعامل معها وفق ماتستميل إليها نفسه من إيحاءات مقبولة عنده وفق مورثاته الفكرية والإعتقادية والثقافية وبهذا يمكن لنا نحن الشيعة أن نستلهم من هذه القطعة الموسيقية مآساة كربلاء بكل أحزانها وتفاصيلها التي مرت على إمامنا الحسين عليه السلام وعلى أهل بيته وأنصاره ممن حضروا معه تلك الوقعة الخالدة .
وهذا ما أراده الفنان الموسيقار " حسين عليزادة " فحاله حال أي مؤلف في مجال من مجالات الفنون والأداب اللذين كتبوا لنا كتبا ورسموا لنا لوحات وأنشدوا القصائد وغيرها .
فهو أراد أن يحاكي شريحة معينة تستشعر وتستذوق حقيقة المعاناة من خلال هذا الجانب وبطبيعة الحال فموسيقاه تعدت المجتمع الشيعي والمجتمع الإسلامي عموما حتى وصلت المجتمعات الغربية بكل دياناتها وقومياتها إذن هي رسالة كباقي الرسائل التي تحاول إيصال فكر مذهب أهل البيت وماجرى عليهم من ظلم ومصائب بطريقة تتناسب مع جميع البشر وتلقى قبولا عند من يختلف معنا فالموسيقار حاول أن يجد ثغرة جديدة يخترق منها ليدخل في المجتمعات الآخرى
وأخيرا إليكم هذه التحفة الفنية الرائعة في أحد مقاطعها يمكنكم الإستماع إليه أو تحميله أرجوا أن تنال إعجابكم
التعليقات (0)