مواضيع اليوم

قصة في ادب الحوار

قصة في أدب الحوار
بقلم محسن الصفار

يحكى أنه في قديم الأيام كان هناك رجل حكيم معروف بحلمه وصبره على من يتكلم معه لا يغضب من أي قول ولا يفقد أعصابه من تطاول أي سفيه سواء كان قولا او فعلا و كان يخرج من كل حوار أو نقاش منتصراً بحلمه الغير طبيعي وكان كلما هاجمه الطرف الآخر وإنتقص منه ردّ عليه بإبتسامة غير متكلفة ولم يقابل الإساءة بالإساءة بل بالحجة والمنطق والدليل فقط فكان خصومه إما يخرجون غاضبين مستائين لهزيمتهم أو إنهم يعشقون طبعه ويصبحون من مريديه وتلامذته وكان السلطان يحب هذا الرجل ويقربه منه وهو ما أثار حفيظة الحساد الذين كانوا يرون في هذا الرجل وحظوته لدى السلطان خطر كبير يهددهم ويهدد نفوذهم فعقدوا العزم على كسر هيبته وتخريب صورته وإخراجه عن طوره حتى يغضب ويفقد الصفة التي إشتهر بها بين الناس ولدى السلطان في نفس الوقت وهي الحلم.
قرر أعداء الرجل أن يكون الزمان في احدى المناظرات التي يقيمها السلطان بين العلماء للنقاش في مسائل الدين والدنيا والفلسفة والشعر والأدب في مجلسه ولهذا الغرض جاؤو برجل وقح من مدينة اخرى كي ينفذ خطتهم الدنيئة .
أجلس السلطان الرجل الجليل إلى يمينه في مجلسه وجلس الاخرون كل حسب مقامه ورتبته وحظوته لدى السلطان وهنا قام أحد خصوم الرجل الجليل وقال:
- مولاي السلطان حامي الأوطان هناك رجل غريب جاءنا من بلاد أخرى قد سمع بشيخنا وحكيمنا الجليل ويريد أن يناظره بحضور مولانا وولي نعمتنا السلطان فهل تأذن له؟
أشار السلطان برأسه كعلامة للموافقة فنادى الحاجب على الرجل وادخله إلى المجلس وإنحنى إحتراماً للسلطان وسلّم على الحضور وتوجه إلى الحكيم بخطابه وقال:
- أيها الحكيم الجليل قد فاقت سمعتك ديارك ووصل إسمك إلى آخر المعمورة وقد أصبح حلمك وصبرك وتغاضيك عن الإساءة مضرب الأمثال وحديث الرجال.
ردّ عليه الحكيم قائلاً:
- الحمد لله الذي جعل إسمي بين عباده طاهراً نظيفاً والحمد لله الذي جعل سمتي الحلم وهي صفة أوصى بها الرسول (ص)
- لهذا جئتك بسؤال لا يقوى على الردّ عليه أحكم الرجال وان أنت أعطيتني المجال طرحته هنا في التو والحال.
- تفضل يا أخي فإني سامع لك وساجيبك بما اقدر عليه ان شاء الله .
- أريد أن تجيبني كيف طعم الخرؤ ( الغائط)!!!
إنتفض السلطان غضباً من هذا السؤال الوقح وهمّ بطرد الغريب ومعاقبته ولكن الرجل الحكيم إستأذن السلطان في الردّ على السؤال وقال:
- أيها الغريب ساجيب على سؤالك فطعم الخرؤ حلو.
أجاب الرجل الغريب بإصرار وإستفزاز:
- هل تذوقته أيها الشيخ الجليل؟
عندما طرح الغريب السؤال فرح كارهي الرجل الحكيم وإستبشروا بأنه حتماً سيغضب لهذه الإهانة الوقحة ولكن الرجل احكيم أجاب بهدوء وقال:
- لا ولكن الخرؤ حالما ينزل على الأرض يتجمع حوله الذباب والكل يعرف أن الذباب لا يحوم سوى على ما هو حلو الطعم.
وهنا أسقط في يد الحساد وغيرهم الذين جاؤوا به وفقدوا الأمل في إغضاب الرجل الحكيم وهمّ الغريب بالخروج عندما إستوقفه الرجل الحكيم قائلاً:
- إصبر يا أخي فللحديث بقية.
- وما هي؟
- بعد مدة يصبح طعم الغائط حامضاً.
- وكيف عرفت أيها الشيخ هل تذوقته؟
- لا ولكن بعد مدة ترى البعوض يحوم على الغائط والكل يعلم أن البعوض يبحث عن الأشياء حامضة الطعم.
مرة أخرى كانت الخيبة نصيب الحساد ولكن الرجل الحكيم أكمل:
- وبعد ذلك يصبح طعمه مراً.
- ومن أين لك أن تعرف هذا أن لم تكن قد تذوقته؟
- لأنه بعد مدة ترى الدود قد تجمع حوله والدود لا يستسيغ إلا ما طعمه مّر.
- وبعد ذلك ؟
- بعد ذلك انت لاعلم لي وان شاء احد الفضلاء في هذا المجلس ان يجيبك فلا مانع عندي فهم اعلم مني في هذا المجال واشهد لهم بذلك !!
خرج الغريب الوقح مهزوماً مكسوراً وفشلت خطة الحساد وزادت مكانة الرجل الحكيم عند السلطان وزاد كارهوه بعداً عنه والعبرة أن المحاور الذكي يمكنه أن يهزم خصمه بالحكمة والذكاء مهما بلغت وقاحة المحدث وتطاوله في الحوار.
هذه القصة سمعتها وانا صغير واعدت صياغتها ولا ادري ان كانت حول شخص حقيقي او مجرد خيال




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات