(1)
قصدت مع زوجتى وطفلتى الصغيرة علا محلات الملابس والأدوات المنزلية بطريق الضهران أمام محافظة الخبر وبالتحديد محل "كل شىء "وسنترالقرعاوى ومول الرحمانية وبعدما انتهت جولتنا التى استغرقت حوالى ثلاث ساعات واستنفذت الكثير من الجهد والمال عدنا بعدها مرهقين إلى مسكننا فى التقاطع الأول مع شارع الأمير مشعل بن عبد العزيز وأثناء عبورنا شارع الأمير بندر بن عبد العزيز (السويكت سابقا)
رأيتها مع شاب يبدو من ملامحة أنه أحد مواطنيها وجذب انتباهى أكثرأنه يبدو فى أواخر العقد الرابع من عمره
لفت نظر زوجتى إليها وقلت لها هذه الفتاة تعمل معى فى مستشفى دار الشفاء
فقالت لى زوجتى ومن يا ترى يكون ذلك الرجل الذى يرافقها ويمسك بيدها بطريقة تدل على المودة والحب كأن يكونا مخطوبين أو حديثى عهد بحب
قلت لزوجتى وأنا أحمل طفلتنا علا لنعبر الشارع المزدحم بالسيارات : ربما يكون زوجها - مقدما بذلك حسن الظن على غيره لأن قرب مواطنيها منى فى العمل أتاح لى معرفة الكثير من طباعهم الحسنة والسيئة على السواء ومن طبائعهم المستهجنة بالنسبة لنا اتخاذ الرفيق بعد الرفيق بدون زواج وانتشارالمثلية بين ذكورهم
لكن لهم طباعا حسنة كالنظام وإنجاز الأعمال وتحمل ضغط العمل ناهيك عن شعرهم الأسود المسترسل والناعم كالحرير وهم يتباهون به
(2)
كانت أول معرفتى بها فى مطعم المستشفى حيث كانت أراها فى اليوم ثلاث مرات بعدد وجبات الطعام إفطار وغداء وعشاء وذلك فى الفترة التى كنت أعيش فيها لوحدى قبل قدوم زوجتى وابنتى من مصر ومن يومها وأنا ألقبها باليمامة وكان يرافقها باستمرار فتاتين جميلتين كوصيفتين لملكة متوجة كن يعملن معا فى قسم الرعاية الممتدة بالمستشفى ويعيشن فى سكن واحد مع مواطنيهم بالقرب من سكنى الحالى بشارع الأمير بدربن عبد العزيز
لا أعرف اسم اليمامة ولا اسم وصيفتيها ولم أحاول أن أعرف
ولا حتى لماذا اطلقت عليها لقب اليمامة او باللغة الانجليزية
Barbary Dove لقب خرج من القلب على اللسان فصار عنوان
- ربما بسبب لون وجهها البنى الفاتح وقلة حجمها وخفة حركتها-
وبعد قدوم زوجتى وابنتى من مصرانقطعت عن الذهاب لمطعم المستشفى والأسباب معروفة طبعا ولمن لا يعرف فإن أكل المطبخ المصرى لا يعلى عليه خصوصا إذا كان من يد زوجتى العزيزة
وبذلك انقطع الورد اليومى لرؤية اليمامة ثلاث مرات أثناء تناول واجبات الطعام فى مطعم المستشفى
ماعدت أراها غير مصادفة فى الطريق من المستشفى إلى السكن أو العكس
بل أكاد أكون صادقا إذا قلت أننى لم أرها فى الفترة الأخيرة نهائيا
لم أكن أعلم سبب ذلك الاختفاء قلت لنفسى ربما ذهبت فى أجازتها السنوية المعتادة لموطنها الأصلى أو ربما غيرت مواعيد عملها ومضت الأيام على ذلك الحال
(3)
لكن الصدفة جمعتنى بعد ذلك مع احدى وصيفتيها فى محل دار الاهتمام للتموينات الغذائية فى التقاطع الأول مع شارع الأمير مشعل حيث تباع كل أنواع البقالة بالاضافة للخضروات والفاكهة الطازجة
بعد التحيات والسلامات والتعارف بالوصيفة والتى كانت تعرفنى مسبقا وعرفتنى باسمها نورالهدى
سالتها عن صديقتها اليمامة صاحبة الشعر الحريرى الأسود بلون الليل الذى غاب عنه القمر المتوسط الطول المرسل الذى تجمعه عند قمع رأسها بمشبك ثم ترسله لينطلق كذيل فرس عربى أصيل يتأرجح على الجزء الأعلى من ظهرها كبندول الساعة يتحرك يمنة ويسرة مع مشيتها المميزة بالخفة والحيوية
عن اسمها وسبب اختفاءها فى الأونة الأخيرة
اخبرتنى الوصيفة أن اليمامة اسمها فاطمة و أن سبب اختفاءها فى الأونة الأخيرة هو زواجها الشهر الماضى وذهابها مع عريسها لقضاء شهر العسل فى موطنها وعندما حضرت بعد قضاء شهر العسل تركت السكن المشترك معنا إلى سكن مستقل مع زوجها المدعو تبارك الله
الذى وصفته زوجتى عندما رأته معها أنه أكبر منها سنا وحجماً وهى بجانبه بحجمها الصغير ووجها الطفولى تبدو كابنته الوحيدة المدللة
ولعل التغير الملحوظ على اليمامة فاطمة بعد زواجها من تبارك الله هو لبسها غطاء أسود شفاف على شعر رأسها وإن استمر ظهور جزء صغير من طرف البندول يتحرك يمنة ويسرة مع مشيتها المميزة بالخفة والحيوية
(4)
لم أكن أعلم من قبل أنها من مسلمى الفلبين فمعظم مواطنيها مسيحيون أو بلا دين أو ملة
مما شجعنى وحرك بداخلى الفضول المحمود لمعرفة قصة الاسلام والمسلمين فى الفلبين هذا الأرخبيل المكون من سبعة الآف جزيرة
ورجعت بذاكرتى إلى الماضى البعيد حيث مضى عشرين عاماً على هذا الحديث الشائق مع معلمى الأستاذ أحمد يعقوب مدرس اللغة العربية فى المعهد الثانوي الأزهري بإيتاى البارود
حدثنى الأستاذ أحمد يعقوب معلمى والذى كان عائدا لتوه من الإعارة ضمن بعثة الأزهرالشريف فى الفلبين عن قصة الاسلام والمسلمين فى الفلبين
قال لى الأستاذ أحمد يعقوب عندما سألته عن قصة الاسلام والمسلمين فى الفلبين
إنها يا بنى قصة تستحق الاهتمام و الكثير من الدرس والفحص منا نحن العرب
وبدأ حديثه كما تعودنا منه بالشعر وكان فى هذه المرة أبيات للشاعر الكبير محمود غنيم رحم الله من قصيدته الرائعة مالي وللنجم يرعاني وأرعـــاه
إنى تذكرت والذكرى مؤرقة مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه
ويْح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتوارى في زواياه
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصًا جناحاه
كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفها وبات يحكمنا شعب ملكناه
وأردف معلمى قائلا هكذا وصف الشاعر حال الأمة الإسلامية بعد المجد التليد والفتوحات التى انتشرت فى رقعة واسعة من المعمورة شرقا وغربا وبعدما أن قاد المسلمون شعوب الأرض أصبحنا نحن العرب حيث تعلم من التخلف عن ركب التقدم
(5)
لكن ماذا عن الفلبين تحديدا ؟
قال معلمى :يابنى وكنت وقتها فى الصف الأول الثانوى
هل تدرى ماهو اسم الفلبين قبل ان يغزوها قراصنة البرتغال ؟
أجبته بالنفى لأنى حقيقة لا أدرى
فاجابنى كان اسم الفلبين قبل ان يغزوها القراصنة البرتغال وأتباعهم من المرتزقة كان يطلق على الفلبين
( عذراء ماليزيا )
وهل تدرى من أطلق عليها ذلك الأسم؟
أجبته بالنفى أيضا لأنى حقيقة لا أدرى وأريد أن أستزيد من علمه الغزير ومعرفته الواسعة
( عذراء ماليزيا ) هو ما أطلقه العرب عليها لجمالها وقربها من دولة ماليزيا الاسلامية
فى هذه المرة أخذت زمام المبادرة وقلت أباغته بسؤال منطقى
ما الذى غير اسمها من ( عذراء ماليزيا ) الى اسم الفلبين
فأجاب معلمى وهويبتسم ابتسامة ممزوجة بمرارة الحسرة و الألم يعتصر قلبه
إنه الحقد يا بنى الذى ملء قلوب البرتغاليين أبي أن يبقي شيئا يربط تلك الشعوب المسلمة بماضيها العريق فاختاروا لها اسما غربياَ غريباً هو
( الفلبين ) نسبة إلى ملك اسبانيا ( فليب الثاني ) هذا السفاح الذى هلك فى سنة 1598، والذى بلغت محاكم التفتيش فى عهده ذروتها حيث أباد المسلمين فى الأندلس ونقل البلاط الملكى من طليطلة إلى مدريد وقتل ثلاثة ملوك هم عبد المالك والمتوكل وسباستيان فى معركة سميت بمعركة الملوك الثلاث
(6)
وأكثر من ذلك حرفوا اسم عاصتمها من ( أمان الله ) وهو الإسم الذى أطلقه عليها شريف عربى من مكة إلى (مانيللا ) معتقدين أنهم بذلك سيمحون التاريخ و سيقطعون بذلك صلة تلك المدينة العريقة بماضيها العربى والاسلامى
تنهدت تنهيدة سمعتها زوجتى ونحن نصعد الأسانسير إلى شقتنا بالدور الثالث بمبنى جواثا الشعوان
ومازال الحديث يرن فى أذنى وكلمات معلمى يتردد صداها فى جنبات عقلى كأنه كان يتحدث معى منذ سويعات قليلة
وصلنا الى الشقة فتحنا الباب ووضعنا المشتريات على الطاولة الكبيرة التى تتوسط الصالة
ومازلت أفكر فى اليمامة فاطمة وغيرها من مسلمى الفلبين وكيف نمد لهم يد العون والمساعدة فى جهادهم لإقامة دولتهم على أرضهم كلها و ليس فقط فى الجنوب على أرض شعب مورو كما يريد المحتل وأذنابه
(7)
وجدتنى ألفظ بصوت سمعته ابنتى علا (شعب مورو) فقالت لى على الفور وبسرعتها المعهودة بابا ماهو (شعب مورو) جلست أشرح لها وهى مازالت رباعية السن
مورو يا بنيتى هو الإسم الذى أطلقه الغزاة البرتغال على شعب الفلبين تشبيها لهم بالعرب ذوو البشرة السمراء القادمين من جزيرة العرب ومن شمال أفريقيا و الذين فتح الله على أيديهم أرض الأندلس ( الفردوس المفقود) وأقاموا حضارتهم عليها لمدة ثمانية قرون من الزمان
أومأت لى طفلتى الجميلة علا برأسها أنها فهمت وما أظن ذلك
لكنها على أى حال
يشكر لها أنها قد أنصتت لى بصبر تصاحبه ابتسامتها الوديعة الصافية التى لم تعكرها بعد هموم الحياة
هل كل هذا من أجل اليمامة فاطمة التى طارت ثم رجعت إلى عش جديد مع وليفها تبارك الله والسعادة ترفرف عليهما وتملأ عشهما الصغير
ربما كان ذلك هو عين الحقيقة
لكن تبقى أمنياتى الطيبة
أن يعود اسم الفلبين إلى أصله عذراء ماليزيا
وأن يعود اسم العاصمة من مانيللا إلى أمان الله
وأن تعود اليمامة ووليفها الرشيد من رحلة البحث عن الأمان المالى فى بلاد الغربة إلى أمان الله بعد أن يرحل المحتل من حيث أتى وياخذ معه كل اسمائه الغربية وأذنابه وتعود عذراء ماليزيا إلى رحاب الإسلام
كتبت على شاطىء الخليج العربى
29 أبريل 2011
نشرت على موقع اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
http://alexandrie.yoo7.com/t1049-topic
نشرت على مدونة الكاتب على موقع إيلاف
http://sedeeks.elaphblog.com/posts.aspx?U=6389&A=83999
التعليقات (0)