مواضيع اليوم

قصة ذاكرة مقلوبة بقلم د صديق الحكيم

الدكتور صديق

2011-08-09 20:02:53

0

قصة ذاكرة مقلوبة


بقلم د صديق الحكيم


انتبهت من نومي علي صوت طرقات منتظمة تُدوي بالخارج وتقتحم عليَ غُرفتي دون استئذان رغم أن شباك البلكونة مغلق ويتصاعد الصوت مقتربا في كريشندو ثم يتلاشي مبتعدا في ديكريشندو رائع ، جلستُ علي سريري ومازالت عيناي مُغلقتين أحاول فتح جفونها المتشابكة في وئام ولكن هيهات أن تطيعني ومع ذلك تتوسل إلي أن أتركها تنام بعد طول السهر في الليلة السابقة أمام شاشة الكمبيوتر مع أصدقائي علي الفيس بوك في محادثات امتدت حتي مطلع الفجر، ماهذا لقد تلاشي الصوت بالخارج ،تُراودني نفسي أن أعود للنوم مرة أُخري والفُضول يكاد يقتُلني لأعرف مصدر هذا الصوت الذي دوًي بعض الوقت ثم تلاشي كموجة وصلت مداها ثم تكسرت علي رمال الشاطئ ومكثتُ علي هذه الحال برهة من الزمن في صراع بين تلبية داع النوم الذي يُلح عليً بشدة لأغرق في نوم لذيذ وبين داع الفُضول الذي يشدني للخارج لأفتح شُباك البلكونة المُغلق وأبحث عن مصدر هذا الصوت قبل أن يتلاشي تماما أو أسأل أحد المارة في الشارع عنه وربما أجد المعلم فرج صاحب المقهي المقابل لمسكني جالسا كعادته علي الكُرسي المصنوع -صناعة عمولة - من جريد النخل المعشق في مدينة رشيد وأمامه ترابيزة من الحديد المطلي باللون الفضي وضعت عليها صنية صغيرة مصنوعة من النحاس الأصفر اللامع بحجم رغيف العيش البلدي عندما كانت البركة تصحبه قبل التخفيض والدعم
وعلي الصنية وضع كوب شاي قصير وكوب ماء طويل شفاف ويمسك المعلم فرج في يده بالخرطوم البلاستكيى المرن الذي تكسوه قطعة من قماش القطيفة الواصل بين برطمان الشيشة الزجاجي وشفتيه المكتزتين و يسحب النفس تلو النفس ليحدث مرور الهواء في الماء كركرة مميزة ينفث بعدها المعلم فرج زفيرا ملوثا بالدُخان الأسود المُحمل بذرات القطران الذي يتصاعد إلي السماء مُكونا في الغالب السحابة السوداء التي تُخيم علي القاهرة وماحولها وتجثم علي صُدور ساكنيها المساكين وينادي المعلم فرج بصوته الجهوري الأجش - الذي طير العصافير الآمنة علي سلك الكهرباء المار أمام بلكونة سعاد أجمل فتيات شارعنا - علي صبيه لملوم ليُغير له حجر الشيشة الذي خمدت نيرانه وتفتح سُعاد البلكونة لتروي شجرة الياسمين ذات الأفرع المتسلقة علي البرواز الخشبي الذي يصنع قوسا فوق رأس الواقف تحته وتنثرحبات القمح للحمام علي سور البلكونة وتختلس النظرة تلو النظرة وأنا لا أُعيرها أدني أهتمام وفجأة أضبطها متلبسة بالنظر نحوي فنتبادل النظرات والابتسامات والتنهيدات وتحيات الصباح المُعطر برائحة الياسمين ويمضي الوقت سريعا ولاأشعر بانقضائه إلا عندما تناديني أمي :الأكل جاهز يا سعيد فودعت سُعاد مُنسحبا داخلا غُرفتي في رشاقة راقصة الباليه أوليانا لوباتكينا علي أنغام الروسي تشايكوفسكي في بحيرة البجع وتُلوح سُعاد لي بيُسراها وفي يُمناها أعواد الياسمين ذات الزهور البيضاء وقد وضعتها بالقرب من قلبها
وأخيرا ينتصر داعي النوم علي داعي الفُضول لمعرفة مصدر الصوت بعد صراع طويل فعُدت للنوم علي سريري الدافء وأرجأت البحث عن مصدر الصوت حتي حين وتُكرر أمي النداء الفطور جاهزياسعيد وأسمعها وهي تدعو لي بالهداية وراحة البال والزواج من بنت الحلال وأصوات الملاعق والأطباق تحدث رنات مميزة عندما توضع علي طاولة السُفرة كأن أمي تُعد لعزومة كبيرة ،والشيخ محمد رفعت يرفع الآذان ، الآن تذكرت لقد عادت ذاكرتي التي كانت مقلوبة إنه شهر رمضان الكريم وطرقات طبلة عم مسعود المسحراتي وآذان المغرب بصوت الشيخ رفعت وعزوماتي أمي المعتادة للأهل والأحباب
كتبت المسودة الأولي في الخُبر الشمالية
9 أغسطس 2011




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !