قصة بقاء ووفاء
هذه قصة حقيقية لفتاة شاهدها زميلي ابو معاذ ولن اغير بكلماته ولا كلمه هي اولى حكاياته وقصصه ارجو ان نشجعه لعله يستمر ...عوني ظاهر
عند مفترق الطرق المؤدي إلى دخلة احد مخيمات اللاجئين، وبمحاذاة الشارع الرئيسي...كانت هناك ارض حمراء تربتها..خصبة أرضها...اعتاد أصحابها زراعتها بالخضار وبالتحديد الخيار، كان الوقت قبل عصر احد أيام أيار..كان الجو حارا..إلا انها كانت تهب نسمات باردة أحيانا تحت الظلال.
بجانب الحقل..حقل الخيار..وعلى حافة الطريق شجرة طويلة أظلت مساحة لا بأس فيها..تحتها وفي ظلها يترك ما يتم جمعه من حبات الخيار بعد أن يعبأ بأكياس بلاستيكية بيضاء.....في الحقل خمسة أشخاص قل أن ترى قوامهم منتصبين،لان جمع المحصول يتطلب الانحناء.....من بين عمال الحقل ميزت بوضوح،فتاة في ريعان شبابها...لا تقدر على الوقوف ودائمة الانحناء...تجمع حبات الخيار زحفا بين اتلام حقل الخيار... أدركت بكل يقين أنها معاقة في أرجلها.......ثلاثة نسوة في العقد الرابع من العمر تجمع الحبات...ظننت أحداهن الأم(ربة البيت) وأخرى أخت لها أو لزوجها والثالثة لم احدد فيها الخيار...وبين ثنايا الحقل لاحظته يستوي واقفا بين الفينة والاخري..وكأنه يعد الحبات..كان يختلس نظرات للسماء،ظننته يدعو الله أن يزيد حبات الخيار......
هناك.....حيث كنا تحت الشجرة في الظلال...وبين أكياس الخيار..شيء ما يتحرك..مفعم بالحياة رغم البؤس والشقاء..بدر في ليلية ظلماء...قطرة ماء بارد في عمق الصحراء..زهرة أقحوان نمت في المقابر لتحمل بياض الأكفان..وازدانت بتلاتها بحناء الأموات......أمعنت النظر..ابتسمت وصرخت في الأعماق..زهرة صغيرة لا أخالها بلغت سن دخول المدرسة ولا أخالها تعرف الرياض....نامت بين الأكياس وفي الظلال..هي وطني وكل دنياي...الحرب والسلم في الحقول..السعادة والشقاء بين الأكياس..هي فلسطينيتي في حلوها ومرها وكلها حلاوة كشهد عسل الجبال..من اجلها تعتلى صهوة الجهاد..وتستل السيوف عند الرجال.....غفت بين حبات الخيار..وتغلبت على برد النسمات بالتحاف أكياس بيضاء فارغة........كنت ارقبها عن قرب
وأدعو الله أن يصرف عن وجهها الأبيض الذباب لتفوز بغفوة ولو للحظات....أزعجها الذباب والنسمات،فنهضت الصغيرة ووضعت جسمها الصغير داخل الكيس...تمددت من جديد ، وصل الكيس إلى ما فوق كتفيها بقليل...وضعت كفيها تحت خدها الأيمن الرقيق..تحاكي محمدا صلى الله عليه وسلم في نهجه للنوم....أزعجها الذباب.. فأخذت تطرده بين لحظة وقليل.شعرت بشدة عدائي للذباب ..منع صغيرتي من ارتشاف ولو غفوة من سكينة السماء..............
غدا الأب يحمل دلوا مملوءا بحبات الخيار.. كان طويل القامة بلا إسهاب..حليق الذقن رغم الشقاء...أخاله في نهاية الأربعينات..بدا قويا متماسكا لديه قدرات..افرغ الحبات في احد الأكياس..لم يعر ابنته انتباه..كان جل همه انتقاء حبات الخيار الكبير عن سائر الحبات ليفوز بأعلى الأسعار..لا ليغنى ويركب فاره السيارات ولكن ليؤمن ثمن الإفطار...افرغ الحمولة ووقف منتصب القامة...وفي تلك اللحظات شعرت الصغيرة بحركة بالقرب منها...استرقت النظر من طرف عينها حيث طارت ذبابة..وأدركت أن أباها بالجوار..أطبقت رموشها لتغفو من جديد...انحنى الرجل والتقط زجاجة ماء...أخالها بارد ماؤها لقضائها وقتا بين الشفاه فاق الظمأ،انزل الزجاجة عن فمه...نظر للمحصول في الأكياس..رأيت الرضا في عينيه...أدار برأسه نحو الفتاة محدثا ..أخاله طلب منها شيئا.....نهضت من كيسها الأبيض المنقط بالأسود ...لونه الذباب...كانت صغيرة وحقا جميلة...شعرها اصفر كخيوط الشمس في لونه..مر زمن اقله يوما على الآفل لم يلامس المشط شعرها...جسمها رشيق جذاب،كانت ترتدي بنطالا أخاله كان جزءا من( بيجامة)..سكني لونه،بلوزة حمراء تدلت تحت خصرها...غيرت الأيام لونها فبهتت..أظنها كانت يوما لأحد إخوانها أو أخواتها....بحثت عن شيء تضعه في رجليها.....وسارت على حافة الطريق وبالكاد يدخل( بابوجها)الأصفر البلاستيكي مقدمة فدمها الصغيرة....دخلت بين أزقة المخيم.........وفي لحظتها حضر الباص الذي استقله في عودتي لبيتي.
ركبت الباص وكنت وحيدا...فرحت حيث لا من أحدثه أو يحدثني.... طغى على جل تفكيري مارأيت.... وقلبي وكل جوارحي تدعو للصغيرة أن يحفظها ربي ولا تدوسها السيارات بين أزقة المخيم.....دعوت أن تعود ولا تجد الذباب...لتغفو صغيرتي من جديد ويرتاح وجهها الصغير...سررت بلقاء أطفالي عند عودتي لبيتي ....وعلى أحر من الجمر انتظرت الغد...علي أرى فلسطينيتي في الغد.
اكتب الآن والموعد صباحا، وبفارغ الصبر انتظر موعد الرواح..عل روحي تعانق تلك الأسرة من جديد...لكن...في النفس غصة لان اليوم الخميس..وهذا يعني نهاية الأسبوع...لن أراها ليومين...يبقى أمل...أمل أن أراها بداية الأسبوع...خشيت أن لا أراها نهاية اليوم....وهذا ما لا استطيع....لا اعلم..خشيت عليها من المرض...من الذباب...من السيارات...من النسمات....حتى أني خشيت عليها من الزكام...لا أدري هل سينمو هذا الشعور،أم سيتلاشى مع الأيام.....هل نترك لمشاعر الرحمة في مكنوننا حرية الاختيار لتربو وتنمو.....أم الأحداث والهموم تختص بالاستئصال..ولا تسمح لبذور النبل بالإنبات.
نعم صغيرتي فلسطينية...تحيا في مخيم لاجئين...مخيمات العز والصمود..تجمعات البقاء لأجل حياة..ولكن ليس أي حياة....وتتوق النفس للآباء والأجداد..والعز والفخار...ودمج الماضي بالحاضر ...ليرتدي حلة التجديد مرصعة بأوسمة التاريخ..تاريخ العرب المجيد..ما زال في أمل أن أراها..........وأخشى أن تحرر الأرض المقدسة قبل ظهر هذا اليوم..... ويعود اللاجئون قبل رواحي ولا أراها...وهنا النكبة الجديدة في حياتي... لترحل دون رداء العز والفخار....ولم تكن قد أخذت مفتاح الدار....دار الآباء والأجداد.
انتهت
بقلم : خليل أحمـد صلاحات .
رئيس قسم التعليم العام .
مديرية تربية طوباس .
التعليقات (0)