قصة الهرم الأزرق من مجموعة يمامة فى أمان الله

(3) قصة الهرم الأزرق
يقول أينشتاين مشكلتنا الكبرى هي مثالية الوسيلة وغموض الغايات.
(1)
فى نهاية المكالمة اتفقنا أنها ستكون الأخيرة بيننا وهكذا ينزل الستار وتوضع النهاية لقصة حب لم يكتب لها أن تكتمل
رأتنى أختى أميرة
مباشرة بعد انتهاء المكالمة وكانت تعرف القصة منذ بدايتها لأنها أقرب شخص إلى قلبى ولا أكتم عنها سرا من أسرارى
سألتنى أميرة عن سر الحزن الذى انتابنى بعد وضع سماعة التليفون
قلت لها إن حبيبتى أرادت أن نكمل قصتنا كصديقين لا حبيبين
قالت أميرة وما سبب ذلك أجبتها لأن حبيبتى من مواليد برج الحمل
ضحكت أميرة وقالت هل أنت جاد فيما تقول
قلت لها لم أكن جاد فى وقت من الأوقات مثل هذه اللحظة
ولكنى سأشرح لك شخصية حبيبتى والتناقض الذى ينتابها من وقت لآخرفهى كموج البحر دوما بين مد وجزر –
فحبيبتى لا ترضى بجفاف العاطفة و شح المشاعر بل على العكس تحلم بالحب وتتخيل باستمرار أجمل المواقف الشاعرية حتى لو لم تنجح في تجسيد ذلك فسر السعادة عندها هو أن تعجب بشيء دون أن ترغب في اقتنائه. ومع ذلك فالحب هو قضيتها الأولى و سر وجودها
قاطعتنى أميرة وهى تقول كلامك يشبه كلام كتاب حظك اليوم قلت لها لم أومن يوما بالأبراج ومع ذلك لوحدث واتفق كلامى مع كلامهم فذلك من قبيل الصدفة
دعينى أكمل
قبل أن تكمل هل تعرف لونها المفضل؟
نعم اللون الأزرق لكن ماعلاقة ذلك بحبيبتى
يا أخى اللون المفضل يعبر عن شخصيتك
دعنى لأخبرك ببعض صفاتها
الأزرق الفاتح والانطلاق بالكلام هو لون التعبير عن الذات، م
الأزرق الغامق والبحث عن الحقائق وهو لون الليل والسكون والهدوء
الذين يفضلون هذا اللون .. هم يتمتعون بشخصية جادة حساسة محافظة، تراعي ضميرها في المقام الأول
والأزرق رمز الصداقة والحكمة والخلود، ويعتبر اللون الأزرق أكثر الألوان جاذبية،
وهو يرمز إلى البحر والسماء اللذين يمثلان فضاءات واسعة،
ويعتبر رمزا ملازما للملكية والطبقات الاجتماعية العليا، لأنه معروف بتكاليف إنتاجه الباهظة وصعوبة صناعته.
والأزرق يوحي بالثقة والسلطة، ولأن اللون الأزرق يعكس الاستقرار والأمان والولاء، فإنه كثير الاستخدام في الأعمال البحرية على الزي الرسمي للجنود والإشارات التي تجسد الثبات و الاستقرار
وللون الأزرق كذلك قدرة على تخفيف الألم
لــيرحـل مـن يـرحـل ويـبـقـى مـن يـبـقـى فـى حـيـاتـى فـانـا لا الـتـفـت ابـدا لـلـوراء فـالحـب لا يــأتـى بـالـتـوسل والـرجـاء وغـرور مـن امـامـى زادنـى كـبـريـاء ومبدئى أن كـرامـتى فوق كل شئ

تفضل وأكمل
(2)
لعل أهم صفة تغضب الرجل الشرقى من حبيبته هى .
طبيعتها المستقلة الانفرادية التى تتيح لها الاتكال على نفسها في مختلف الأعمال و الواجبات اليومية كأن الرجل ليس هنا وتكرارها المستمر لعبارة" لــيرحـل مـن يـرحـل ويـبـقـى مـن يـبـقـى فـى حـيـاتـى فـانـا لا الـتـفـت ابـدا لـلـوراء فـالحـب لا يــأتـى بـالـتـوسل والـرجـاء وغـرور مـن امـامـى زادنـى كـبـريـاء ومبدئى أن كـرامـتى فوق كل شئ"
ويغضب أيضا عندما تشعره حبيبته أنها العنصر الأقوى فلا تتورع عن مصارحة الرجل بحقيقة شعورها و خصوصا إذا بدا من النوع البطيء المتردد وهو ما لا يحبذه الرجل الشرقى وأنا واحد منهم. ويظهر التناقض والجذرالانسانى فى سلوكها
عندما تأتى المبادرة منه فلا يستبعد أن تطلق ساقيها للريح لا كرها له بل خوفا منه على نفسها من سأم أو عبودية قد يهددانها في المستقبل وتتمثل قول فيكتور هيجو "هناك لحظات تكون فيها النفس جاثية على ركبتيها مهما كان وضع الجسد." -
.
(3)
قالت أميرة هذا هو الجذرالانسانى فى سلوكها فأين المد
مد حبيبتى يكمن فى أنوثتها المكتملة وقدرتها الهائلة فى أن تحاور و تعاتب و تداعب و تبكي بحرقة إذا لزم الأمر ,.من أفضل صفاتها الصدق و التفاؤل و الإخلاص و الإيمان بالغد ولن أنسى حكمتها وفلسفتها ونظرتها الخاصة للحياة
قاطعتنى أميرة هذا مد حبيبتك وجذرها وأستيطع أن أتفهمه لأننى أيضا من بنات حواء
لكن كيف تعاملك حبيبتك؟
أجبتها بجواب عله أن يكون شافيا وافيا
حبيبتى يرضيها من آدم اعتدال العاطفة . لا تتمناه باردا كالثلج ولا متيما فاقد الكرامة . تمنحه احترامها إذا استحق دون أن تسمح لشخصيتها أن تذوب في بوتقته فهى تكره النفس الجاثية
تطلب من حبيبها الكثير وأول ماتطلب هو الأمان و تعطيه أضعاف ما تنال . سخية بمالها و وقتها , بخيلة إلى درجة الشح متى تعلق الأمر بمن تحب . تأبى أن تفرط فيه أو أن يشاركها فيه أحد و لو بنظرة فهى تغار عليه حتى من نسمة الجنوب كمايقول الهادى آدم .
سكتت أميرة كأن كلامى جاء على هواها وتريد أن تسمع منه المزيد

(4)
فأردفت قائلا
حبها رهن برضاها . إذا مس شىء كرامتها تحولت نارها إلى صقيع و لهفتها إلى جليد . إلى جانب ذلك تفضل أولاد آدم على بنات حواء , و يسعدها التفاف المعجبين حولها دون أن تسعى لذلك. و لا يعني ذلك إيمانها بالتحرر أوأنها ترضى بأن تفرط فيمن تحب , فهي مخلصة صادقة و مندفعة في حبها لا تدفع حبيبها إلى الشك أو الغيرة .

(5)
الان يظهر صوت أميرة مرة ثانية متسائلة مايضيرك فيما سبق
فحبيبتك ليست بدعا من بنات حواء فكلهن على هذه الشاكلة
لكن السؤال المهم الان : هو هل كل متاعبك معها تنبع من شخصيتها المتقلبة ومزاجها المتقلب كموج البحر بين جزر ومد؟
أجبتها : على العكس بالرغم من كل ما سبق فصفاتها الجميلة تغلب
فهى تستطيع أن تبرز في مختلف الحقول و الميادين . تحب عملها بشدة متى آمنت به و اعتادته أصبح من الصعب عليها أن تتركه حتى في سبيل من تحب
. قالت أميرة فى محاولة منها لتلطيف جو الحوار المتوتر
وأين المطبخ فى حسابات حبيبتك؟
هى ربة بيت ممتازة تجيد جميع الأعمال المنزلية إلا أنها تعتبر عملها هذا واجبا لا أكثر , وإن كانت تعتقد أن هدفها في الحياة يتعدى ذلك إلى ما هو أنفع و أجدى تريد الصعود إلى أعلى درجة على سلم أبراهام ماسلو
رفعت أميرة يدها كالتلميذ المؤدب قائلة ممكن أسأل سؤال كلا بل سؤالين من هو أبراهام ماسلو؟ وماذا تمثل أعلى درجة على سلمه ؟أبراهام ماسلو هو عالم النفس الأمريكى الأشهر صاحب نظرية الدافعية الإنسانية وهرمه يسمى هرم الحاجات البشرية مكون من خمس درجات أعلاها الدرجة الخامسة والتى تسمى تحقيق الذات .
وهنا ترتفع يد أميرة مرة آخرى بسؤال جديد أين حبيبتك الآن أقصد على أى درجة من درجات هرم ماسلو تضع رجليها؟
وماذايعنى ذلك
أجبتها حبيبتى تضع رجلها اليمنى على الدرجة الأولى ورجلها اليسرى على الدرجة الثانية ويدها اليمنى تمتد لتتحسس الدرجة الثالثة وعينيها على الدرجة الرابعة
قالت أميرة مطلوب شرح مفصل لأن أختك ضعيفة فى علم النفس
حبيبتى تضع رجلها اليمنى على خانة الآنسات والتى لم يحالفها النصيب حتى الآن فى تغير تلك الصفة التى تحبها ويكرهها المجتمع المحيط ورجلها اليسرى على درجة الأمان بكل أشكاله وبالمناسبة فالنسبة الغالبة من الناس فى بلادى يبدو أنهم غير قادرين على تجاوز هذا المستوى من الحاجات.
وذلك مرجعه لظروف خارجة فى معظم الأحيان عن إرادتهم الضعيفة
ردت أميرة تقصد ظروف من صنع الحكام
نعم تماما لا فض فوك فالحكام وخصوصا الضغاة منهم يريدون لشعوبهم أن تبقى على الدرجة الأولى لهرم ماسلو وربما ركلوهم بعيدا عن الهرم البشرى ليعيشوا بلا هرم أو ينافسوا الحيوان على هرمه
هذا تصريح لاذع جدا
نعم فقد فاض الكيل فالحاكم المستبد يلعب فى حاجات شعبه الأساسية كالطعام والشراب والسكن الذى هو أهم مستلزم من مستلزمات الزواج
ويلعب المستبد على حاجة أساسية آخرى وهى حاجة تجنب الألم فيستعمل زبانيته فى الترهيب والضرب وزيارات الفجر المشهورة
• وتنتشر زبانية المستبد على الدرجة الثانية من الهرم فتحفظ أمن الحاكم وتهدر أمن الشعب
لكن فى النهاية ما أروع الذى سمعته من حبيبتى وهى تعلق على هذا الوضع المشين "لا يستطيع أحد ركوب ظهرك , إلا إذا كنت منحنيا فالمصيبة ليست فى ظلم الأشرار بل فى صمت الأخيار"
تقول أميرة على ذكر حبيبتك دعنا نعود إليها فلقد انتظرت كثيرا
نعود لحبيبتى التى تركتها تمد يدها اليمنى لتتحسس الدرجة الثالثة من درجات هرم ماسلو الخمس باحثة عن الحب بنوعيه فترد أميرة فى عجلة من أمرها جميل أن يبحث الإنسان عن الحب ويتلو تعليقها سؤال عن نوعى الحب
هناك نوعين من الحب تبحث حبيبتى عنهما ولقد أطلق عليهما ماسلو
D-love & B- love
الحب الأول أو D-love
هو الحب الناشئ عن نقصDeficit or وفيه يبحث الإنسان عن صحبة أو علاقة تخلصه من توتر الوحدة وتساهم في إشباع حاجاته الأساسية الأخرى مثل الراحة والأمان وهذا النوع لا تعوزه حبيبتى بدرجة كبيرة فهى بحكم شخصيتها الودودة وعملها وسط الطلبة منحها فرصة لممارسة هذا النوع من الحب
أما النوع الثانى B-love
وفيه يقيم الإنسان علاقة حب صادقة وخالصة مع شخص آخر يحبه لذاته دون رغبة في استعماله أو تغييره لصالح احتياجاته هو.وهوتماما ماتبحث عنه حبيبتى وربما توهمت أنها وجدته معى فلما اقتربت لم تجد فى ما تريده كالظمآن الذى يحسب السراب ماء فلما جاءه لم يجده شيئا
وهذا ليس لعيب فىً بل فى عقل الناظروبصره
قالت أميرة تبقى الدرجة الخامسة والأخيرة وهى قمة هرم ماسلو
نعم
نعم
انتى مركزة يا أميرة
تلميذتك يا أستاذ
الدرجة الخامسة والأخيرة وهى قمة هرم ماسلو هى درجة تحقيق الذات وهى عبارة عن مجموعة من الحاجات أو الدوافع العليا التي لا يصل إليها الإنسان إلا بعد تحقيق إشباع كاف لما يسبقها من الحاجات الأدنى و تشمل درجة تحقيق الذات السعي نحو قيم وغايات عليا مثل الكشف عن الحقيقة.. وخلق الجمال.. وتحقيق النظام.. وتأكيد العدل..
قالت أميرة مداعبة لى وأين الدرجة السادسة فقلت وماذا تقصدين بالدرجة السادسة قالت درجة " البحث عن الذات "
فقلت لها تقصدين كتاب الرئيس المؤمن محمد أنور السادات
نعم كان السادات رجلا أريحيا وفلاحا مصريا أصيلا خبر الدنيا وعارك الحياة ونال منها كل مايريد ثم نالت منه فى الأخيرصعد من أسفل من حضيض الحضيض
إلى أعلى درجات المجد حيث النصر المبين فى الحرب وجائزة نوبل فى السلام
لكن الكثيرين من معاصريه انتقدوه ومنهم أمير القصة العربية يوسف إدريس فى مقالاته السبع التى يضمها كتابه الرائع البحث عن السادات ومع ذلك بقيت الذكرى للرئيس والأديب
قالت أميرة رحم الله الاثنين معا
وما أعذب ما أنشد أمية بن أبى الصلت الذى آمن لسانه ولم يؤمن قلبه
أشاب الصغير وافنى الكبير كرالغداة ومر العشي
اذا ليلة اهرمت يومها اتى بعد ذالك يوم فتي
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لاتنقضي
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة مابقي
(6)
قالت أميرة كل هذا رائع وجميل لكن هل تعانى حبيبتك من مشاكل صحية أو ضغوط نفسية؟
على العكس حالتها الصحية ممتازة فمازالت فى ريعان الشباب وتحافظ على تناسق قوامها دون حمية وقلما تشكو مرض أو تعب كعهدى بها
. لكن إن حدث لها شيء مكروه فإنها تتوقع من الآخرين – و خصوصا منى – العناية و الاهتمام والرعاية وهذا بعض حقها على وأعترف أننى قصرت فى هذا الجانب مرات عديدة
قالت أميرة محاولة تغيير هذه النقطة أعتقد أنها ستكون أما مثالية , ترعى أولادها و تعنى بنظافتهم و راحتهم , و تشاركهم اللعب و النزهات و الأحاديث والسمر, و لكنها ستفرض عليهم القوانين و الأنظمة ولن تبالغ في تدليلهم , وهكذا ينمون نموا صحيحا لا أثر فيه للفساد أو الميوعة قلت لها أنتى أدرى منى بذلك الأمر
لكنها تتحرق شوقا لتشبع غريزة الأمومة التى تعتمل بشدة داخلها
وعلامة ذلك هذا الكم الهائل من صور الأطفال التى تعلقها على حائط صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك
(7)
قالت أميرة بقى سؤال واحد لكنه أهم سؤال فى هذه الليلة
كل ماذكرته عن حبيبتك عادى وواقعى وممكن الحدوث لكن ما هوالحادث الجلل الذى استطاع أن يطفىء جذوة الحب المتقدة بينكما وينهى القصة قبل اكتمالها؟
كل ماسبق تحملته ولم أئن ساعة من نهارأو ليل تحت وطئته برغم من ثقله على نفسى وضغطه على أعصابى وتكديره لصفو حياتى ولكن القشة التى قسمت ظهر البعيرهى تقمصها المستمر والمتواصل لدور الحمل الوديع الذى يعتبر أولاد آدم كلهم ذئابا ضارية متأهبة لافتراسها فى أول فرصة تغفل فيها عن حراسة بوابتها
,وأنها لن تخلع درعها إلاعندما تشعر بالأمان التام ولن يتحقق هذا إلا عندما يقتل الفارس الملثم القادم على ظهر فرس أبيض بسيفه كل الذئاب
وهى لا تدرى أنه عندما يقتل فارسها كل الذئاب - أولاد آدم - فلمن تخلع درعها ومتى تشبع حاجاتها وتضع رجليها فوق قمة الهرم الملون بلونها المفضل
المسودة الأولى 7 مايو2011
المسودة الثانية 8 مايو2011
نشرت على موقع إيلاف