الخلاص
كثيرا ما يقف سوّاد في شرفة شقته مشغول الفكر في هذا المبنى، فأصباغه كما هي دون صيانة فيه، ومع ذلك كثير ما تسمع.. الحمد لله فمبنانا راسخ الأساس له تاريخ عريق وهو قبل غيره من المباني المحيطة به التي جرى عليها التغيير.. ويكفي ما تراه في الخارج فأصباغها تتغير حسب فصول السنة.. وتسمع صوت الاحتفالات بين فترة وأخرى ..
في صباح باكر أحد الأيام أطل قاطنو المبنى من شرفات شقتهم وإذا بمبناهم قد أحاطت به قوات أمنية غريبة الملابس .. وما إن مسح بعضهم عينيه حتى اكتشف أمرا جديدا وهو أن هيأتهم تختلف عن قوات أمنهم وأمن المباني المحيطة بهم ..
قال سوّاد لزوجته :
- من هؤلاء ؟!
- وما يدريني ؟
- كيف وصلوا إلى مبنانا بهذه السهولة دون أن نحس بهم، أو يحس بهم جيراننا ؟
- جيراننا .. جيراننا ( قالتها بتهكم ) .. ثم إن هذا الأمر لا يهمني في شيء
- وما الذي يهمك إذا ؟!
- ألا يدخلوا شقتنا ويفسدوا ترتيبها ..
- وهل تتوقعين البواب يسمح لهم بالدخول ؟
- ضحكت .. ونظرت نحوه محركة رأسها بضجر ..
لم يفهم سوّاد كنه نظرتها .. وربما ضجرها ..
بينما ينظران وإذا بضوء مشع قد توجه من القوات الأمنية اتجاه المبنى .. ثم تحدث أحدهم بمكبر الصوت
- هناك شقة في مبناكم تريد أن تقضي عليكم.. ونحن نريد الخلاص لكم .. فعليكم التزم الهدوء لنتمكن من خدمتكم ولنوضح الأمر لكم سنطلب ثلاثة منكم ليتأكدوا بأنفسهم من صدق كلامنا..
- نوّال
- سوّاد
- مجّاد.. عليهم الحضور
خرجوا - وهم متعجبون من معرفة هؤلاء بهم - والبواب ينظر ببلاهة واستكانة، وعلى عكس كل مساء من عدم السماح بالخروج لأحد بعد منتصف الليل..
عندما نزلوا يقول نوّال:
اقترب أحدهم وكان متأنقا وهادئا وأدخلنا في سيارة كبيرة و تفاجأنا بما تحويه من أجهزة وشاشات وموظفين يخرجون ويدخلون .. قال المسؤول :
اخترتكم لأوضح لكم الأمر وهو أننا سندخل الشقة الثامنة عشرة لوجود تحركات غريبة لا يعلم بها البواب ولكن لمبدأنا بأن نحافظ على سلامة الآخرين أردنا خدمتكم .. فعليكم استقبالنا بالورود .. تعالوا هنا
انظروا لهذه الشاشات، ماذا ترون ؟
فبادر مجّاد : عائلة تلف أشياء صغيرة بورق لماع .
المسؤول: وهل تعرف هذه العائلة؟
مجّاد:يبدو أنها العائلة التي تقطن الشقة الثامنة عشرة.
المسؤول: هل تعرفون ما هو ؟
مجّاد: يبدو أنه سكريات وتلفها هذه العائلة ليبيعها أبناءهم نظرا لحاجتهم المادية.
المسؤول : كم أنتم بسطاء .. هذا ما قيل لي عنكم.
نوّال: وما الذي قيل لك يا سيدي ؟
المسؤول : أصحاب هذا المبنى بسطاء لدرجة السذاجة .
مجّاد: وما السذاجة في الموضوع ؟
المسؤول: أن تحكموا على ظاهر الأمور..
سوّاد: لأن الأمر لا يحتمل أكثر مما يحتمل..
المسؤول: أيُّها السيد ما تراه سكريات مسمومة
سوّاد: ماذا ؟!! وبدا العجب والاستغراب على نوّال ومجّاد
- نعم ..
فقاطعه مجّاد: ولكن أبنائي يتناولونها
سوّاد: وكذلك أبنائي
المسؤول: ولذا لم نكن لنتدخل لو لم يكن الأمر خطيرا.
المسؤول: إليكم الدليل أيها السادة.. فأشار بنظرة لأحد الجنود فذهب ولم تمض سوى ثوان معدودات حتى رجع بكلب جميل. ثم أخرج المسؤول قطعة ( سكريات ) تشبه ما رأوه ومسح بها قطعة لحم وأعطاها الكلب ..
وإذا بالكلب يخمل وينزوي على نفسه .. ثم بدأ بأنين حزين .. ثم يغمض عينيه .. ويسكن نفسه .. وسقطت دمعة من المسؤول وعقب بقوله: إنه كلبي العزيز ولكن لأثبت لكم..
نوّال: وكيف الخلاص ؟
قال المسؤول بثقة : دعوا الأمر لنا ..
..
التعليقات (0)