القصة (2) الحقيران
(1)
في كل صباح أسير كالمعتاد من سكني إلي مستشفي البركة التي أعمل بها أنتقل من جهة الغرب إلي جهة الشرق حيث قرص الشمس المشرقة قد ارتفع سراجاً وهاجاً في الأفق بعد نومه العميق في مياه الخليج العربي، أقطع مسافة قدرها ألف متر في خط مستقيم (الشارع الأول )مشيا علي الأقدام .
(2)
وفي منتصف الطريق أقابل ذلك الرجل الثلاثيني والذي يحمل شنطة سوداء بحزام معلق علي كتفه الأيمن ،يبدو لي أن بداخلها لابتوب وماجذب انتباهي لهذا الرجل -الذي يبدو من ملامحه أنه هندي الموطن –أنني حين أنظر إليه وأنا في أول الطريق أجده يمسك بإصبع موز كبير يبدأ في التهامه بشغف قطعة قطعة وهويتلذذ بطعمه حينما يلوكها في فمه ثم يبلعها مغلقا عينيه كما تغلق المرأة عينيها من نشوة القبل محاولة لتعطيل حاسة النظرمن اجل زيادة التركيز في حاستي اللمس والتذوق
(3)
الغريب في الأمر أنه في كل مرة يبدأ في التهام الموزة عند بداية الحد الشرقي لمستشفي الدكتورفخري وماأن يصل للحد الغربي لها في تقاطع الشارع الأول مع شارع السويكت يكون قد أتي علي إصبع الموز فلم يبقي منه ولم يذر إلا القشر
(4)
هنا لاتفصلني عنه سوي مسافة قدرها سبعة أمتار هي عرض شارع السويكت وإذا به كعادته يرمي بقشر الموزة علي الأرض بعد أن التهامها في منظرمستفز ومثير للاشمئزازلايفوقه في الحقارة سوى منظررجل خمسيني يرمي بزوجته بعد ربع قرن من الزواج لأنها لم تنجب له الولد
(5)
وفي كل مرة ينظر العامل البنجالي لهذا المستفز شذرا ولسان حاله يقول ماهذا الرجل المهمل الذي يجهل أدني أساليب التحضر؟!
(6)
أصبح رجل الموز الآن خلف ظهري منطلقا إلي عمله وهوفي نشوة مابعد التهام الموز غير آبه بما اقترفت يداه من فعلة تعد جريمة نكراء في البلاد المتحضرة وسلوكا مشينا يدل علي سوء خلق صاحبه وافتقاره لأدني درجات الذوق العام لايفوقه في الحقارة سوى منظررجل خمسيني يرمي بزوجته بعد ربع قرن من الزواج لأنها لم تنجب له الولد ناسيا أومتناسيا الحب أو المودة أو العشرة أوالقرابة أوحتي الإنسانية
(7)
وعامل النظافة البنجالي الأنيق في زيه البرتقالي القشيب أمامي يضع قشرة الموز في سلة القمامة وهويبتسم لي وأنا ألقي عليه تحية الصباح التي نسي رجل الموز أن يخفف من فعلته الشنيعة حتي بتحية للعامل الذي يجعل المكان نظيفا وممتعا لايفوقه في الحقارة سوى منظررجل خمسيني يرمي بزوجته بعد ربع قرن من الزواج لأنها لم تنجب له الولد ناسيا أومتناسيا الحب أو المودة أو العشرة أوالقرابة أوحتي الإنسانية وأنها قامت برعايته والعناية به دون مقابل أوحتي كلمة شكرمنه في نهاية الخدمة كأنها خيل حكومي
المسودة الأولي 4/4/2012
المسودة الخامسة 8/4/2012
التعليقات (0)