مواضيع اليوم

قصة الحريق من مجموعة عذراء ماليزيا

الدكتور صديق

2011-06-13 07:50:59

0

 


قصة الحريق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(1)
التاسعة مساء يوم الاثنين رائحة شياط تتسرب إلى أنفى وأنا جالس فى الصالة أمام التليفزيون أشاهد المسلسل المصرى الشهير أهل كايرو
تابعت المشاهدة
اشتدت الرائحة حتى أننى لم أستطع متابعة المسلسل بالرغم سخونة أحداثه وتصاعدها فى حفل زفاف صافى سليم على رجل من علية القوم
لابد من البحث عن مصدرهذه الرائحة توجهت إلى المصدر المتوقع
إلى المطبخ أرهفت حاسة الشم وجعلت أنفى قائدى يتحرك يمنة ويسرة ليعثر على مصدر الرائحة
المطبخ تمام لا وجود لحريق أو أى آثار وكيف يحدث ذلك وأنا لا أستخدم المطبخ إلا عند عمل كوب الشاى مرتين فى اليوم مرة بعد العودة من الغداء خارج المنزل ومرة آخرى بعد العشاء الذي أجلبه معى من المطعم المجاور للعمل
أصوات إطلاق رصاص وجلبة وهرج ومرج
صدرت عن التليفزيون
مازالت أحداث المسلسل تتوالى صاعدة إلى القمة يصحبها مزيج من التشويق والإثارة وتصل إلى القمة عندما يسرى نبأ مقتل صافى سليم
نسجها قلم المبدع بلال فضل
(2)
وتدوى أصوات سيارات المطافى فى شارع الأمير مشعل بن عبد العزيز كان صوتها مزعج للغاية لابد أن الحريق كبير خالفت تعليمات التشغيل حيث فتحت باب البلاكونة على مصرعيه وكان المكيف ما يزال مفتوحاً خرجت لأعرف مايدور من حولى
يا الله ما هذا !!!
سحب كثيفة من الدخان الأسود المتصاعد كأنه يخرج من فوهة بركان استيقظ بعد سبات طويل امتد لألف عام
السحب السوداء تملأ الشارع والناس فريقان :فريق يفر هربا من الدخان الخانق وفريق يتسرب إلى الداخل يحركه ولع طفولى لمعرفة ماحدث ويقوم بدور المفتش كورمبو للتعرف على الجانى المتسبب فى اشعال الحريق
يبدأ رجال الإطفاء فى العمل على إخماد النيران التى تركزت فى محل واحد هو (محل العُبيدى) الذى اشتهر ببيع جميع أنواع الملابس الجاهزة لكل الأعمار وكل الفئات
(3)
استمر الدخان الأسود يتصاعد إلى السماء وكلما صعد إلى أعلى تغير تدريجيا من الأسود إلى الرمادى الغامق ثم الرمادى الفاتح ثم الأبيض
وأسراب الحمام الأبيض يبدوا عليها القلق بعدما فقدت بعض أفرادها فأجمعت أمرها وقررت أن تهجر عشه الفخارى الأنيق وتطير بعيداً باحثة عن مأوى آمن أعلى شجر الكافور السامق المحيط بأطراف المدينة التى بدت مشوشة المعالم يعلوها طبقة كثيفة من سحب الدخان الأسود هكذا بدا المنظر فى عيون أسراب الحمام وهى راحلة
(4)
تذكرت وأنا أغلق خلفى باب البلاكونة حكايتى مع أحد العاملين بهذا المحل الشهيرالذى بات متفحماً عندما كنت أحاول لبس قميص انتويت شراؤه للتأكد من تطابق مقاسه مع مقاسى فجاء إلىّ هذا العامل الذى يبدوا واضحاً من هيئته ولهجته أنه من أهل اليمن السعيد لكنه كان غير سعيد بدأ الحديث بيننا هادئ ولكن مالبث أن تطور إلى نقاش حاد يصاحبه أصوات عالية تجمع على أثرها عدد من العاملين بالمحل لمناصرة زميلهم ولم أجد منهم رجل رشيد
خلعت القميص والقيته على الطاولة وانسحبت فى هدوء قبل أن تسوء العواقب ومن ساعتها أخذت على نفسى عهداً ألا أقرب هذا المكان بخير أوشر مردداً عبارة واحدة "حسبى الله ونعم الوكيل"
(5)
معاذ الله أن أكون الآن شامتا أو متشفياً فالأمور جميعها تجرى على قدر من اللطيف الخبير
توالت أحداث "أهل كايرو" فى الفترة التى خرجت فيها إلى البلاكونة
مازالت الصدمة تعترى الجميع وبدأ رجال البحث الجنائى تحت قيادة العميد حسن محفوظ بالحضور إلى مسرح الجريمة – الفندق ذو الخمس نجوم -
لمعرفة اسباب الحادث فى وسط الدهشة والغموض والارتباك
كل الحضور شاهد الحدث لكن لا أحد يتكلم مخافة أن يشتبه فيه
وتنتهى هذه الحلقة ولم تحدد بعد قائمة المشتبه بهم ولا الدوافع وراء ارتكاب هذه الجريمة النكراء من وجهة نظر البعض والعقاب المستحق من وجهة نظر آخرين لم يهدأ المشهد فى الشارع إلا بعد منتصف الليل حيث أنهى رجال الإطفاء مهمتهم على أكمل وجه
(6)
فى مساء اليوم التالى كنت فى طريقى إلى مول الرحمانية بطريق الظهران فمررت بمحل العُبيدى فوجدته أثراً بعد عين لقد جاءت النار على كل شئ فيه فلم تبقى منه ولم تذر حتى السيارات التى كانت واقفة بجواره حيث الأمان لم تسلم هى الآخرى من الأذى فنالها كفل كبير من ألسنة اللهب المتصاعد من الحريق ومازالت المحلات المجاورة مغلقة ويحيط بالمحل الشهير شريط أصفر كتب عليه منطقة مغلقة للبحث الجنائي ممنوع الاقتراب والتصوير

(7)
ويصبح "حريق العُبيدى" حديث الساعة بين كل سكان مدينة الخبر تلك المدينة الواقعة على شاطئ الخليج العربى والتى يمتد منها جسر الملك فهد ليربطها بمملكة البحرين
وتتناقل الألسنة فى المجالس الخاصة والعامة خبر"حريق العُبيدى" ومازال الفاعل مجهولا وسبب الحريق غامضاً لتنطلق التكهنات وتُؤلف الروايات ويُزج باسم الماس الكهربائي فى القضية ليحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ
وتظل الذكرى قابعة فى الأذهان يُستشهد بها كمثال على حريق كبير كحريق محل العُبيدى وعلامة فاصلة فى تاريخ مدينة الخبر ليقال بعد ذلك حدث الأمرالفلانى فى السنة التى حدث فيها حريق محل العُبيدى
(8)
ليس لأنه حريق تاريخى كحريق مكتبة الأسكندرية على يد يوليوس قيصر في عام ‏48‏ ق‏.‏م بعدما قام بحرق 101 سفينة كانت موجودة علي شاطئ البحر المتوسط أمام المكتبة بعدما حاصره بطليموس الصغير شقيق كليوباترا بعدعلمه أن يوليوس قيصر يناصر كليوباترا عليه، وامتدت نيران حرق السفن إلي المكتبة ا لتدمرها تدميرا
أو كحريق روما الكبير على يد نيرون الذى كان حريقا كبيرا دمر نحو ثلثي مدينة روما وذلك في سنة 64 ميلاديةِ
(9)
كما أنه ليس حريقاً سياسياً مدبراً كحريق القاهرة فى 26 يناير 1952
الذى خطط له الإنجليز مع القصر لإحراج النحاس باشا بعد إلغاء معاهد 1936 كما حكى لى جدى
قائلاً : أجمعت المصادر الرسمية وشهود العيان على أن الحادث كان مدبرًا وأن المجموعات التي قامت بتنفيذه كانت على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة، فقد اتضح أنهم كانوا على معرفة جيدة بأسرع الوسائل لإشعال الحرائق، وأنهم كانوا على درجة عالية من الدقة والسرعة في تنفيذ العمليات التي كلفوا بها، كما كانوا يحملون معهم أدوات لفتح الأبواب المغلقة ومواقد إستيلين لصهر الحواجز الصلبة على النوافذ والأبواب، وقد استخدموا نحو 30 سيارة لتنفيذ عملياتهم في وقت قياسي، كما أن اختيار التوقيت يعد دليلاً آخر على مدى دقة التنظيم والتخطيط لتلك العمليات، فقد اختارت هذه العناصر بعد ظهر يوم السبت حيث تكون المكاتب والمحلات الكبرى مغلقة بمناسبة عطلة نهاية الأسبوع، وتكون دور السينما مغلقة بعد الحفلة الصباحية
كل هذه التفاصيل يتذكرها جدى كأنها حدثت بالأمس بالرغم من مرور ستين سنة على حدوثها وضعف طبيعى فى ذاكرة جدى الذى تخطى الثمانين عاماً
يردف الجد "في نفس ليلة الحريق قدم رئيس الوزارة "النحاس باشا" استقالته، ولكن الملك فاروق رفضها، واجتمع مجلس الوزراء، وقرر مواجهة الموقف بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، ووقف الدراسة في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى.
وتم تعيين "النحاس باشا" حاكمًا عسكريًا عامًا في نفس الليلة، فأصدر قرارًا بمنع التجول في القاهرة والجيزة من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا، وأصدر أمرًا عسكريًا بمنع التجمهر، واعتبار كل تجمع مؤلف من خمسة أشخاص أو أكثر مهددًا للسلم والنظام العام يعاقب من يشترك فيه بالحبس.ومن يومها يابنى كتبت علينا الأحكام العرفية ومن بعدها قانون الطوارئ فدخلنا معها فى نفق مظلم طوله ستون سنة عجافاً لينتهى النفق المظلم على صوت أم كلثوم تغنى من كلمات الطبيب الرائع إبراهيم ناجى بعد وفاته بثلاث عشرة سنة
وإذا النُورُ نَذِيرٌ طَالِعٌ......................وإذَا الفَجْرُ مَطِّل كَالحَرِيق

(10)
وتخرج ثورة الشعب المصرى كالحريق فى الذكرى الستين حريق القاهرة الأشهر
لتحرق كل الأصنام والأوثان وتجلي نارها معدن الشعب المصرى النفيس
فيثور على الظلم والطغيان والاستبداد ويحرق عاصمة جهنم فى لاظوغلى ويحرق المقر العام لحزب الفساد على كورنيش النيل
شعر جدى بارتياح يجتاح كل ذرة من ذرات جسده النحيل المتهالك
عدت بعدها من حديث الذكريات مع جدي العزيز
إلى حديث الساعة عن حريق "محل العُبيدى "
ولا هو حريق موسمى كحريق المخازن الحكومية فى مصر فى شهر يونيو من كل عام ليفلت الأشرار بعده من قصة جرد العهدة المنهوبة وتقيد القضية ضد الماس الكهربائي كم أنت مظلوم أيه الماس الكهرائي
كم مرة تم استدعاؤك على عجل من أجل تبرير حدوث جريمة الحريق
كم مرة عوقبت على ما جنته يد البشرالآثمة
معذرة لك أيه الماس الكهربائي ذو القلب الكبيرعلى كل ما لحق بك من أذى بسبب طمع بنى الإنسان وتشيع الضميرالحى إلى مثواه الأخير
وواجب لك علينا أيها الماس الكهربائي رد الاعتبار والاعتراف بالجميل
هكذا كان حريق "محل العُبيدى" مجرد حريق كبير فى محل ملابس شهير وسط مدينة الخبر الخليجية متعددة الثقافات والجنسيات

كتبت المسودة الأولى 20 مايو 2011
عقب حريق محل العُبيدى بالخبر
كتبت المسودة الثانية 10 يونيو 2011
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !