من الضروري والمفيد أن يتفحص القارئ العربي هذا الموضوع لما له من انعكاسات خطيرة على أمننا القومي منذ ما يزيد على النصف قرن. نلاحظ انه منذ أكثر من خمسين عاما ثمة التزام من الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض في واشنطن بمساندة الكيان الصهيوني على طول الخط. كل رئيس أمريكي-نلاحظ- وفي بهذا الوعد.الكنيسة في الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد الصهيونية والكيان الصهيوني. الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية يؤيد الصهيونية والكيان الصهيوني. مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية يؤيد الصهيونية والكيان الصهيوني. وزارة الدفاع الأمريكية(البنتاغون) قدمت للكيان الصهيوني من المعونات العسكرية- وعلى مدى نصف قرن- ما لم تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لأية دولة حليفة في العصر الحديث. وكالة الاستخبارات المركزية تتجسس وتتنصت على العرب وتتابع بأقمارها الصناعية العرب وجيوشهم وتفتح كل ملفاتها ومعلوماتها فقط للصهاينة وليس غير الصهاينة. لم تستخدم الولايات المتحدة منذ العام 1948 حتى الآن حق"الفيتو" في مجلس الأمن مثلما استخدمته لمساندة الصهاينة حتى لو أدى ذلك إلى عزلة تدريجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنظمة الدولية. لقد بلغ التأييد الأمريكي للصهاينة والصهيونية درجة بحيث لم يعد هناك- بالنسبة لنا- خطا فاصلا بين ما هو أمريكي وما هو صهيوني: نحن نتحدث عن"المؤسسات" الرسمية و"الإدارات" المتعاقبة وليس كل كاتب هنا أو هناك، نحن نتحدث عن"اتجاه رسمي" أمريكي راسخ في تأييد الصهيونية والصهاينة وليس عن حركات أو أحزاب أمريكية صغيرة عديمة الأثر على الاتجاه العام للقرار الرسمي في مساندة الصهيونية و الصهاينة. • بعض العرب يسقط في بحر السذاجة ليفسر هذا التأييد الأمريكي للصهاينة على أنه نتيجة طبيعية لنشاط"اللوبي الصهيوني" في الولايات المتحدة وأنه إذا أراد العرب"تصحيح" هذا الأمر لصالحهم فما عليهم إلا أن يغدقوا الأموال على أعضاء الكونغرس ومؤسسات الإعلام الأمريكي بغية تكوين"لوبي عربي" وأن هذه العملية ربما تستغرق عقود من الزمان لكي يتم بناء قاعدة سياسية واجتماعية أمريكية تؤيد العرب والحقوق العربية.
• بكل أدب نقول: الأمر ليس بهذه البساطة وإن مشكلتنا- كعرب- مع الأمريكان والصهاينة أعمق من ذلك بكثير وأعقد من ذلك بكثير، وهذا ما ننوي- في هذه الزاوية إن شاء الله- البحث فيه وتداول الرأي حوله.
المسافة الفاصلة بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني لا تقل عن خمسة آلاف ميل. الولايات المتحدة قوة عظمى عملاقة بالمعنى الاستراتيجي وفي النصف الغربي من الكرة الأرضية، بينما الكيان الصهيوني شريط جغرافي ضئيل في زاوية من زوايا الشرق الأوسط. الولايات المتحدة فيها وعاء سكاني يزيد عن ربع مليار نسمة بينما ليس في الكيان الصهيوني أكثر من خمسة ملايين نسمة. الولايات المتحدة تمتد جغرافيتها ما بين المحيط والمحيط(الأطلسي- الهادئ) بينما لا تزيد مساحة الكيان الصهيوني عن ولاية نيوجيرزي. بالرغم من هذه التفاوتات الجسيمة نشأت بين الطرفين(الولايات المتحدة والكيان الصهيوني) علاقات تحالف حميمة تحتاج لفحص واستقصاء علميين.
تنقسم الكتابات الصهيو-أمريكية التي عالجت الموضوع إلى ثلاثة أقسام: - القسم الأول: يعني بالجانب التاريخي للعلاقة متبنياً الروايات الرسمية والدبلوماسية منذ قيام الكيان الصهيوني 1948 حتى الآن. - والقسم الثاني يركز على جانب واحد كمحرك ومبرر للعلاقة مثل العامل الاستراتيجي أو اليهودي. - والقسم الثالث دراسات لا تخلو من الرومانسية والميول الأدبية والاستشراقية الكلاسيكية وهذا قسم لا يعتد بما صدر منه لفهمه التحالف الصهيو-أمريكي والغوص في تفاصيله.
مكونات التحالف وبداياته عديدة: المنظورات اليهودية والمسيحية المشتركة لمنطقة الشرق الأوسط من حيث هي مهبط الديانات السماوية، والعشق المسيحي الغربي للأراضي(المقدسة) التي تحيط بالقدس، وعقدة الذنب الغربية لما يقال عن الهولوكست النازي ضد اليهود في أوروبا، والمقاصد الاستراتيجية في العلاقات الصهيو-أمريكية. لكن حتى هذه العوامل غير كافية لتبرير وتفسير هذا التلاحم التاريخي الذي يزداد قوة مع مرور السنين. نعم إنها عوامل هامة لكن لا تبدو كافية لتفسير وتبرير الناجز في العلاقات الصهيو-أمريكية وهو كثير وخطير للغاية.
عندما وقف الإرهابي رابين في حديقة البيت الأبيض في واشنطن ظهيرة ذلك اليوم المشمس 13/9/1993 وصافح ياسر عرفات بشيء من المزاج البلغمي وسط تصفيق الحضور وعلق جورج بوش- الرئيس السابق للولايات المتحدة -والذي حضر ذلك(الاحتفال) على المصافحة قائلاً: "لولا عاصفة الصحراء 1991 في الخليج لما شاهدتم هذه المصافحة" واللبيب بالإشارة يفهم.
الدكتور: عبد الله النفيسي
التعليقات (0)