(اللهم صلي على محمد وال محمد)
انفض الاحتفال وهرع جميع الطلاب الى اللعب في الساحة ..اما جاسم فجلس حزينا في الصف .. وضع يده على خده ..واخذ يقلب أوراق كتبه القديمة ..السمراء اللون من كثرة القدم والاستعمال ..
أحس ان هناك من يراقبه من زملاؤه وهم يلعبون ..لكن هو لم يهتم لان ماهو مشغول بشيء اهم واكبر واعتقد انها قضية بلد بكامله!! ....
انتهى الدوام وجميع الدروس لذلك اليوم ودق الجرس الى الخروج وخرج الجميع ..
وصل جاسم إلى بيت أخته .. وصعد الى غرقته كئيبا مكتئبا .. ورمى كتبه وملابسه دون ترتيب ..نام على قفاه واخذ يقلب أفكاره ذات اليمين وذات الشمال ..
فجأة صاح الجميع اللهم صلي على محمد وال محمد ..
استغرب جاسم ما الأمر .. وماذا حصل ..حتى سمع صوت مكينة مزنجرة تدور بصعوبة ..
وشيء من هواء بارد لفح وجهه وألقى اليه بعض من عذوبة الجو ..
انها المروحة السقفية القديمة جدا همت أخيرا بالدوران ..بعد طوال نسيان !!
لقد جاءت التيار الكهربائي إلى المدينة لأول مرة بعد طول انقطاع..فرح الجميع وتراقصوا ..
لكن يا فرحة مادامت انقطع التيار الكهربائي مرة أخرى بعد دقائق من عودته الميمونة وطول غياب .
الجميع كان معتاد على الجلوس في الأماكن الحارة والأجواء الحارة أيضا
ثم حدثت حركة وقيام وقعود في باحة الدار وصاح الجميع اللهم صلي على محمد وال محمد مرة أخرى ..
نظر جاسم الى السقف ..فلم يرى ان المروحة تحركت مرة أخرى ..لم يسال عن السبب ولم ينزل إلى الأسفل لان أخوات زوج أخته ابو ناصر ..ربما كأنتن جالسات هناك ..
لكن الخبر الي بفلوس سرعان ما أصبح ببلاش .
صعد ابو ناصر زوج أخت جاسم وأخته معهم صغارهم الى غرفة جاسم وقالوا له لك عندنا بشرى سارة يا جاسم لانك قدم السعد علينا فعلا ..
جاسم ما الأمر ؟
أخته : لقد عينوا ابو ناصر موظفا كبيرا في الحكومة وسوف يرتاح من أعمال البناء تحت لهيب الشمس المحرقة ..
ابو ناصر : على رسلك يا امرأة ..فأنا لست موظفا كبيرا ولاهم يحزنون وكل ما في الأمر انه اليوم كنت اعمل في احد المباني الحكومية والمسؤؤل هنا مر .. وسألني عن أحوالي دخلي وعدد افراد أسرتي وربما رق لحالي وأمر بتعيني قاري مقاييس في دائرة الكهرباء .من باب الشفقة لا أكثر .
ام ناصر : اي كان السبب ف الله هو من سخر هذا المسؤؤل لك ولولا انك رجل صالح وصاحب حمل كبير من العيال ومعيشتهم لما رق لك هذا الوحش البشري من كبار رجال الدولة وعتاتها ..
ابو ناصر : لا يحق ل كان تقولي هذا الرأي في رجل أحسن ألينا ..حتى وان كان مسوؤلا في حكومة للكل يجمع أنها ظالمة ,المهم حتى ان مرتب الحكومة لا يكفي لذلك سأستغل الفرص واترك الدوام وفي أيام العطل والجمع سوف أمارس إعمال البناء .. وبالمناسبة هو أعطاني اي المسؤؤل الكبير إجازة لحين انجاز العمل في المؤسسة التي نبني فيها ..
بينما كان أبو ناصر زوج أخت جاسم يتجادل هو وزوجته حول هذا الأمر ..كان جاسم يتخيل شكل ذلك الرجل الذي حضر الى الاحتفال وصاح احد زملاء جاسم انه ابو نبيل صديقهم وزميلهم في المدرسة ..
أحس جاسم لا بل هو أصبح متيقن ان هذا الرجل هو من ساعد ابو ناصر وعينه في دائرة الكهرباء ..
ذهب خيال جاسم الى ابعد من ذلك بان نبيل ما غيره هو من كان يراقبه في الصف وكأنه يتساءل عن سر جلوس جاسم لوحده وابتعاده عن أصدقاءه .
{كل فولة ولها كيال ..}
أما الأحوال في القرية فهي على حالها ..خليل وأبناء القرية في المرعى طوال النهار والكبار في أعمالهم وام جاسم وزينب يعملن في امور صناعة السجاد ..وفي الليل الرجال يقضون أوقاتهم في مجلس ابو خليل .
في مساء احد الأيام انتهت ام جاسم وزينب من عملهن اليومي المضني .. وغادرت زينب .وجلست ام جاسم بعد تناول وجبة العشاء ..وطرق طارق الباب ..
فتحت له السيدة ام جاسم وكانت ام خليل ..ومعها حمل كبير من الحشائش التي جاء بها خليل من المرعى ووعاء كبير فيه كمية كبيرة من اللبن ..
استغربت ام جاسم من ا ن ام خليل هي بذاتها من جاء بالحشيش وأيضا كميته الكبيرة جدا هذه المرة .. وأيضا من اللبن الكثير على غير المعتاد أيضا ..
حاولت ام جاسم ان تأخذ عن ام خليل حملها لكن الأخيرة أبت وأصرت ألا أن توصل الحشيش الى مكان الزريبة حيث النعاج والعنزات .
شكرتها ام جاسم كثيرا ..
وجلست ام خليل قربها بل كادت ان تلتصق بها ..
وهي تكشر عن تكشيرة بلهاء هي تصورها لام جاسم على أنها ابتسامة او رسالة محبة .عرفت ام جاسم أن وراء هذا الحمل الكبير من الحشائش واللبن سر او أمر منا تود ام خليل معرفته ..
أهلا ام خليل كيف حالك أنت والعيال وأبوهم ..قالت أم جاسم .
أم خليل : أنهم بخير ويسلمون عليك كثيرا ....
ثم أخذت تسألها عن زينب وعملها وأخلاقها وعاداتها وطباعها ..
أم جاسم أجابت بكل ماهو خير ولائق وقالت قولا رائعا بحق زينب لكون زينب بالفعل تستاهل كل خير حسب رأيها ..
ثم أدارت أم خليل الحوار تجاه أمور أخرى وكأنها لا تريد ان تفصح عما يدور بخلدها او ما أرسلت له .
.ثم غادرت وطلبت من ام جاسم ان كان لديها طلب او مساعدة .شكرتها ام جاسم وأغلقت الباب بعد مغادرة ام خليل . وذهبت الى النوم ..
في صباح اليوم الثاني جاءت زينب ..الى عملها مع ام جاسم ..
وإثناء العمل سألتها ام جاسم ان كانت لها رغبة في الزواج ألان ..؟
أجابت زينب أنها تفضل إن يتقدم الى خطبتها رجل ميسور الحال من المدينة .. لا من القرية لان الزواج حسب رأي زينب هو وسيلة التغيير الوحيدة في حياة المرأة وهي لا تريد ان تقضي باقي ايام حياتها في القرية حتى أن تقدم لها اشرف رجالها
فهمت أم جاسم ما تريده زينب ..
وصمتت ولم تعلق على الأمر ..
ثم طرق باب البيت بقوة ودخلت ام خليل مسرعة .
وسلمت وجلست جوار ام جاسم ومقابل مكان جلوس وعمل زينب ..
كانت تتحدث في أمور عدة لكن عينها كانت تراقب زينب وتتأمل فيها مليا ..
من كل جانب وحدب وصوب ..حتى أحست الفتاة بشيء ما في رأس ام خليل ..
وهي لا تنفك تكشر عن بقية أسنانها المتبقية في فمها وتحسبها ضحكة مجاملة ..
وتردد اللهم صلي... اللهم أحفظ.... اللهم زد وبارك ..
ثم أخذت توجه بعض الأسئلة لزينب إن كانت تعرف الطبخ وأمور المنزل ..
وزينب أجابت بما تعرف.. وهي تتلقى هجمات عيون ام خليل بحيادية ..غريبة .. بل وكأنها لا تكترث لهذا الإعجاب المبالغ به
حتى انتصف النهار ومضت زينب لأهلها لتناول الغداء والراحة ..
وبقيت ام خليل مع ام جاسم وعملت نفسها تساعدها في أعداد الغداء .
.
وقالت لام جاسم ..أنهم يبحثون لخليل عن زوجة لأنها إي أم خليل كبرت وتعبت وما عادت تقوى على أدارة أمور البيت وواجباته الكثيرة .. ووقع رأيهم على زينب ..لأنها من أجمل واعدل وأكمل بنات القرية خلقا وأخلاقا وجمالا .. ودلالة وعلما وفهما ..وأدبا ..وشطارة في إدارة الكثير من الأمور ..
سالت ام جاسم : هل تظنين ان زينب ستوافق ؟
أم خليل : والحق أني احسبها سوف لن توافق لكن في ظروفنا هذه وأحوالنا الصعبة اعتقد هي ربما بعد إلحاح وإقناع ستوافق لان الزواج ستر للبنت وظل رجل ولا ظل حايط ..
ام جاسم : حائط او خليل ؟
ام خليل : ما به خليل انه أفضل وأشجع شباب القرية صحيح هو ليس بالجميل ولا المتعلم ولا يملك صنعة لكننا سنساعده ..بكل ما نملك ..
ام جاسم : حقا إني أتمنى لخليل ما أتمناه لجاسم والله يقدم ويعمل ما فيه صالح الجميع .هل تريدين مساعدتي في الأمر ؟
ام خليل نعم نريد مساعدتك والله أن جمال البنت قد وقع في قلبي انا العجوز اليوم عندما تأملتها ..يال هذا البياض الثلجي الرائع الذي لم يؤثر به سموم ولهيب الصيف الحارق . والعيون العسلية التي يتحول لونها الى الزرقة او الخضرة عندما يلمع يهما ضؤ النهار ..يال هذا القوام المرهف ..
وأخذت تعدد محاسن زينب الواحدة تلو الأخرى ..
قالت ام جاسم اخيرا :حسنا سوف ارجع لكم الخبر بعد ان أشاور زينب وأهلها ..
-العمالة {إعمال البناء }-
اتفق ابو ناصر وجاسم على ان يعمل جاسم غدا كونه الجمعة كعامل بناء مع أبو ناصر .
صحيح أن ابو ناصر أصبح موظفا في الحكومة إلا إن راتب لا يكفي لمعيشة أسبوع أو ربما أيام معدودة بسبب الأحوال الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد بأسرها ..
على الرغم من ان لأبي ناصر شقيق واسمه مسعود وهو يعمل بائع خضروات ومع ما يجلبه من مال ومن إعمال ابو ناصر في البناء ألانها ما كانت لتكفي ,فقط لجلب قوت يومي للعيال وقضاء حاجات البيت ولا يمكن ان يدخروا إلى ما نزر وربما يصرفونه في اليوم التالي ..
.وحاول جاسم النوم لكنه لم يقدر إلا بصعوبة ..بعد أن صاحت الناس جميعا اللهم صلي على محمد وال محمد مرة أخرى لان التيار الكهربائي جاء مرة ثانية ..
وأخيرا جاء الصباح وتوجه ابو ناصر وجاسم ومعهم عاملان آخران الى موقع العمل ..
وكان العمل في بناية حكومية, كانت مهمة جاسم حمل الطابوق ووضعه قرب ابو ناصر الذي يرصه مع بعضه البعض بعد خلطه بكمية من السمنت والرمل المخلوط مع الماء .. اما العاملان الآخران فاحدهما كان يخلط الرمل والسمنت والماء مع بعضه والأخر يحمله في وعاء خاص ليقدمه لابو ناصر ..
جاء وقت الضحى وجاءت سيارة حكومية وجلبت لهم الفطور والغداء والماء والثلج..
جلس جاسم ونزع كوفيته وهو يتصبب عرقا من شد ة التعب والحر والعطش ..كان الفطور عبارة عن صمون ابيض جيد ساخن وأيضا أبريق شاي كبير حار وقيمر وجبن وبيض بكميات كبيرة ..
على العكس في جميع أيام العمل السابقة التي عمل بها جاسم في أعمال البناء حيث كان الفطور المقدم لهم من أهل البناء وأرباب العمل ليس سوى شوربة في أحسن الأحوال وشاي رديء جدا ومر الطعم ..لان السكر غالي الثمن ونادر في السوق في تلك الأيام .
تناول الجميع الفطور الشهي وشعروا بسعادة تامة ..
سيما انهم علموا ان طعام الغداء ليس سوى دجاج مشوي ومع السلطات والبن وقناني مشروبات غازية مثلجة والخبز الحار ..
طار الجميع من الفرح ولهدا العمل الرائع وصاحوا جميعا انك يا جاسم فأل خير علينا ..لأول مرة نأكل مثل هذا الطعام الشهي ..
أخيرا كاد وقت العمل ان ينقضي ..
وحان وقت العصر والانصراف ..
واخذ الجميع يرتب أمره للعودة ..حتى أتت سيارة حديثة الصنع بيضاء اللون كبيرة نوعا وقفت وترجل مهنا رجلان الأول كان السائق وهو يمشي بسرعة إما الرجل الأخر ويقول تفضل أستاذ.. من هنا أستاذ... دير بالك أستاذ ...
وغيرها من كلمات التملق المعروفة ..
كان هذا سائق المسؤول هو رجل سمين جدا واسمر الوجه معكش الرأس وكريم العين {اعور } اسمه {كاظم } ويلقب باسم معروف بالمدينة باسم {كاظم تنك }
وخلفه كان رجل ابيض البشرة مصفف رأسه المصبوغ بالسود بعناية فائقة ويرتدي جلباب {دشداشة} بيضاء اللون وينتعل نعال جلدي أنيق وفاخر الجودة .. ويبده مسبحة أنيقة ..عرفه جاسم او كأنه كان متوقعا أن يكون هو المسوؤل أبو نبيل صديقه ما غيره وكان ظن جاسم بمحله ..
واخذ يطوف في إرجاء المبنى هو السائق ومعهم ابو ناصر ليستمع الى ملاحظات المسؤؤل .
اما جاسم ورفاق العمل فوقفوا يراقبون
شكر الجميع وتوجه نحو السيارة وترك {كاظم تنك } يعطي أجرة العمل لابي ناصر ثم هرول راكضه وهو يعاني من كبر { كرشه الكبير } ويجر مؤخرته الواسعة خلفه جرا
وصعد بالسيارة وانطلقت ..
كانت الأجرة المعتادة في ذلك الوقت لكل عامل هي ديناران ونصف في اليوم الواحد ..اما اليوم فكانت الأجرة خمسة دنانير كاملة وهو رقم كبير جدا يضاف اليه الغداء والفطور الشهي .
طار الجميع من الفرح وقبلوا جاسم مرة أخرى وقالوا له انك وجه السعد علينا
الصفحة رقم 9
عزام عزام/ادلايد/99
التعليقات (0)