مواضيع اليوم

قصة (أين كنا نـــعيـــش ؟؟ثــم أين كنا نـــــعــيــش !!)..ص -8-

هاشم هاشم

2010-07-09 19:01:29

0

{  ليالي القرية حلبى بالاحداث }


رحل جاسم الصغير الجسم والعقل وهو لا يدرك ما هو اكبر من عقله وما لم يراه..


ليلا انتهى مجلس السيد ابو خليل ورجع الناس الى بيوتهم ..وغطت القرية بسكون غريب وسواد دامس وكان أخر اليقظين السيد ابو خليل الذي لملم فرشه وعدته واخمد نار كانونه ورجع لبيته وأغلق الباب عليه جيد ووضع خلفه جذع نخلة ..
دب سكون وهدئ وكانت الليلة ليست من الليالي المقمرة ..
هناك في أزقة القرية ..
رجل مسلح ببندقية حديثة ونظيفة من النوع المسمى ((كلاشنكوف نص اخمص)) يحمله فوق كتفه وملثم بإحكام لا يرى منه سوى العنينين ..ويرتدي جلباب بني داكن اللون اقرب الى السواد.
يتسلل بين البيوت على أطراف أصابعه .. وكأنه خائف من شيء ما ..
وصل الى الناحية الشمالية من القرية وخرج من بيوت القرية .. ولم يلاحظه احد .
هناك كان يقع بستان السيد المبجل او بلا حرى جنات عدن خلت ..
كان للسيد المبجل بيت في داخل البستان هو وعياله ,

وعند أطراف البستان قرب جهة الصحراء وبعيدا عن الجهة الأقرب الى القرية كانت لديه اسبه بديون او مكتب له لإدارة أعماله ..الخاصة بكشف الطالع وعمل الأحجبة والطلاسم وغيرها حيث يستقبل زواره زبائنه


كان هذا المكتب المبني من الطين عبارة عن غرفتان متجاورتان ومتدخلتان الأولى بالثانية بنيت بشكل الحرف(( (((Lباللغة الانكليزية ..
مدخل او بهو كبير هو صالة استراحة الزوار وتقود الى غرفة التي يجلس بها السيد ويكشف على زواره .. في نهايتها حاجز من القماش كأنه يخبئ وراءه شيء
للمكتب هذا بابان الأول داخل البستان ..

يقود الى بيت السيد العائلي وباب خارجي يقود الى جهة الصحراء..
توجد الكثير من كلاب الحراسة حول هذا المكان تحديدا
ويوجد رجل مسن احدب قزم القامة يعمل كحارس وسكرتير للسيد .. ويدير شؤؤنه وكاتم أسراره.. وهو شخصية غريبة فعلا..
وقف الرجل الملثم بعيدا عن البيت او مكتب السيد .. واختبئ في سواد الظلام .. وخلف إحدى الصخرات ..
أحست الكلاب به وبدأت تنبح ..
خرج القزم الأحدب ويحمل بندقية قديمة أطول منه بذرا عان ربما ,واخذ ينظر هنا وهنا؟؟
الرجل الملثم اخرج عود كبريت وأشعله في الهواء..
ثم أشعل ثاني ..
ثم الثالث..
هدأت الكلاب وأسكتها وجمعها الأحدب في مكان ..
وذهب تجاه الرجل الملثم واصطحبه الى البهو الذي ينتظر به الزوار..
بعد نصف ساعة حضر سيد القرية وجلس قرب الرجل ...

واما الأحدب اخرج جميع الكلاب خارجا وهو يرقب معها ..
انزل الرجل الملثم بندقيته الى الأرض وجعلها جنبه وهو يلهث من الخوف والركض المتعب..


أخيرا أزاح اللثام عن وجهه فإذا هو الشيخ قاسم بشحمه ولحمه ..
تحدثا عن أمور المال والأعمال وقلت ذات اليد والبحث عن مصادر تمويل جديدة ..


قال الشيخ قاسم خلال الحديث للسيد المبجل :قد حصلت على صيد ثمين !
السيد : وكيف ذلك وما هو الصيد الثمين ؟؟


الشيخ قاسم :انه شاب من القرية أبوه ميت وأمه تلك المرأة الشمالية واسمه جاسم وهو يدرس في المدينة وأيضا شاب أهوج مندفع يريد أن يغير العالم على هواه ..


السيد : وكيف نستفيد من شاب في المدينة ؟


الشيخ قاسم :أنت تعرف أن الأوامر هذه الأيام واضحة وصريحة لنا بان نساعد المجاهدين في إحداث اكبر قدر من العمليات الجهادية بأسرع وقت وإلا.....
قاطعه السيد قائلا:: نعم نعم اعرف وهم يلحون علي ويهددون حتى لكن ما هي فائدة هذا الشاب الذي تتحدث عنه ..


الشيخ قاسم : يجب ان ننفذ العلميات ضد الحكومة ودوريتها بعيدا عن قريتنا حتى لا نجلب الجواسيس الى هنا ,وننقل الساحة في القتال الى المدينة وضواحيها,لذلك نحتاج الى عيون لنا وإدلاء يخبرونا بكل صغيرة وكبيرة في المدينة عن رجال السلطة وأعوانهم وأماكن تواجدهم وأسلحتهم ..

ان هذه المهمة خير من يقوم بها هو جاسم ذاته لأنه منا وعلينا ولا احد يشك بإخلاصه ويدرس في المدينة ويتردد على القرية وهذا عز الطلب..
صمت السيد طويلا وتأمل ثم قال : لكن المجاهدين لهم أعوان في المدنية ومن أهلها.


الشيخ قاسم : نعم اعلم لكنهم يكلفون الكثير من المال ولا ينفكوا عن طلب المزيد وهم غير محل موضع ثقة ..جاسم أفضل والأفضل منه اننا سنطلب له راتبا من اليوم ولا نعطيه منه شيء ونجعله يعمل من اجل علاء راية الدين فقط !!..


السيد : ايها الماكر الخبيث ..تريد استبدال أهل المدنية برجل واحد قروي وتأخذ كل إتعابهم ..عموما لك هذا ونرى ان نفع جاسم هذا بشيء وتأكد ان لي نصف المكافآت وان فشلت ان وجا سمك فستتحمل العقوبة وحدك وتبعاتها ..


الشيخ قاسم :الرتب كله لي والمكافآت إنا وأنت النص بالنص موافق, واني اضمن جاسم هذا برقبتي..


السيد حسنا سأبحث الامر مع المجاهدين في اقرب وقت وان جاء بعمل جيد طلب له الأجر الكبير ..


ثم تحدثا عن أمور البيع والشراء وأموال دفعت وأموال صرفت حتى اقترب الفجر ..

أعاد الشيخ قاسم لثامه وحمل بندقيته وهرول خارجا ورجع السيد الى مهجعه..


{ام جاسم بغياب ابنها }

 


أما بالنسبة الى ام جاسم فهي بعد ان غادر جاسم القرية اتفقت مع زينب على العمل في بيت ام جاسم يوميا في صناعة السجاد اليدوي ..
كانت عندها كمية من الصوف غزلتها بواسطة مغزل يدوي ثم برمتها بمبرم آخر كي تصبح حبال الغزل أكثر قوة
جلبت ام جاسم وزينب صهاريج ضخمة((أوعية كبيرة )) وغلت فيها الماء ووضعت في كل صهريج دقيق او مسحوق من الألوان المستخدمة ..أصبح ذو لون خاص به دون سواه
ثم كانت تأتي بكمية من خيوط الغزل وتصبغها اي تضعها في الصهريج ذي اللون المراد صبغه حسب الكمية المطلوبة ونوع العمل كانت تضح الحزمة داخل الصهريج ثم تحرك الخيوط داخله بواسطة عصا غليظة جدا كانت بيدها
ثم تترك خيوط الغزل تبرد على السور حتى سال منه الكثير وصبغ السور بألوان عديدة أشبه بالأوان قوس قزح
دقت زينب أوتادا في الأرض , وربطتها بأوتاد جانبية فوق سطح الأرض وربطتها بكميات من خيوط الغزل حتى بدت كأنها القالب الذي سوف تصنع منه السجادة او هي ماكينة السجاد..


برد الغزل الملون ثم جلست زينب في جهة وام جاسم في الجهة القابلة للقالب وكانت تضعان قطع الغزل الملون وتربطانها بسرعة وترمي الواحد للأخرى مرة مدقة لتثبيت الخيوط مصنوعة من القير وفيها أسنان تشبه أسنان المشط في ادى نهايتها اما النهاية الأخرى فصنعت بشكل ممسك يمسكان به المدقة ..
والة أخرى يستخدم لقص الخيوط حسب الحجم المطلوب..

مصنوعة من الخشب حفر داخلها أخدود حسب حجم الخيط المراد قصه وربطه بالسجادة .
كانتا ماهرتان وتتحدثان اثناء العمل .وتسلي الواحدة الأخرى .

الذي يبدءا من الصباح حتى المساء وكانتا خلال يومان تنهيان صنع سجادة يدوية ترسلنها مع السائق ليعطيها لأحد تجار المدنية ويرسل لهم الصوف والأصباغ وأجرة العمل ..
اما نعاج وعنزات ام جاسم فكانتا في عهدة خليل جارهم الطيب..


{جاسم في المدرسة..}

 


غادر جاسم الى المدرسة ذات صباح والمدرسة هي عبارة عن بناية كبيرة بينت فيها الصفوف بشكل مربع ناقص ضلع وفيه تقع ساحة المدرسة الوسطى


كان اليوم هو احد ايام المناسبات الوطنية وزينت جدران المدرسة بشعارات وصور وملصقات تمجد حكام البلاد وسياساتهم ..
دق الجرس واخبرهم المعلمون بان يذهبوا الى الطابور الصباحي للاحتفال بهذا اليوم المجيد في تاريخ البلاد
وقف كل الطلاب في صفين اول وثاني في الساحة وكل حسب صفه وشعبته ..

وقف المعلمون وكانوا ذوو إشكال بائسة متعبة وملابس ذات موديلات قديمة جدا
خرج مدير المدرسة ...

كان يرتدي بدله زيتونية اللون فصلت وحيكت أشبه بالزي العسكري ويحمل تحت إبطه ببندقية ..
جاء مجموعة من كبار رجال السلطة واخذوا مكانهم في هذا الاحتفال البهي ..
سمع جاسم ان احد زملاءه يقول انه هناك انه ابو نبيل زميلنا ..انظروا ..
نظر الجميع الى نبيل الذي احمر وجهه واطرق رأسه الى الأرض خجلا وتواضعا ..


كان ابوه هو اكبر رجل في سلم السلطة في المدينة وهم يبدو ليسوا من سكانها بل من سكان العاصمة حسب هندامهم الأنيق وإشكالهم الجميلة المترفة واللكنة التي يتحدثون بها..


..قال لي جاسم اثناء روايته لقصته هذه الحق كان نبيل غاية في التواضع والأخلاق الراقية والجد والاجتهاد ويحب مساعدة الغير ..


صاح المدير : ثابت
صاحت المدرسة : يحيا الحزب الحاكم
صاح المدير :استاعد.
كرر الجميع :عاش الحزب
المدير استاريح :
الجميع :عاش القائد
صاح المدير : جماعة رفعت العلم الى العلم تقدم
خرجت مجموعة من الطلاب في طابور صغير وبخط سير هندسي جميل الى سارية علم البلاد ووقفوا تحتها ثم رفع حدهم العلم وألقى الجميع التحية
هنا حمل مدير المدرسة بندقيته وأطلق بضعة رصاصات في الهواء تحية الى العلم
ثم انشد الجميع النشيد الوطني ثم تبعه مجموعة من التلاميذ بأناشيد منفردة وعذبة ..

وقف مدير المدرسة في المتصف ووجهه تجاه رجال السلطة وخصوصا ابو نبيل ..المسؤؤل الكبير هنا ,


خطب خطبة طويلة قال فيها ..
نهنئكم بمناسبة العام الدراسي الجديد..الذي صادف اليوم ذكرى التاريخ المجيد لبلادنا الحبيبة ,انتم يا طلاب العلم ويا ابناء القائد المفدى والحكام الميامين ..كا ن لكم نعم الأب والقائد فكونوا له نعم الأبناء البررة بأمتكم وتاريخكم وتراثكم وأهلكم ووطنكم ,ومن نصر الى نصر.الحكومة هي من بنت هذه المدرسة ولولاها لكنتم اليوم بلا تعليم .الحكومة بنت المستشفيات وعبدت الطرق..وو..وو.الخ
لولا حكمة القائد الملهم وشجاعته وحنكته لأصبحت امتنا عبيد مسومة يشتري بها ويبيع الاستعمار كيفما شاء ..اظهروا حبكم لوطنكم وقائدكم فلولاه لحلت علينا لعنات اللاعنين وهجمات الحاقدين والطامعين ..

ان كل من يعمل ضد الحكومة وقائدها ولا يحبهم هو عميل وخسيس وقاتل مأجور باع شرفه وعرضه لقاء حفنة من الدنانير للأجنبي ..أنهم طغاة عتاة بغاة ظالمي أنفسهم ولهم خزي الدنيا وعذاب الآخرة..................


كان السيد المدير يطلق خطبة نارية والجميع يستمع بانتباه شديد,


اما جاسم فتذكر خطب الشيخ قاسم النارية المضادة للحكومة ..وما اشبه اليوم بالبارحة !!!


جاسم يفكر مع نفسه :من اصدق؟ المدير هذا ؟ ام الشيخ قاسم؟أنها حقا أمور محيرة فعلا,لماذا هؤلاء القوم أعداء أولئك القوم !!!وهم يحملون نفس الطراز الثقافي ونفس الكلمات ونفس التعابير ونفس الحماسة والحدة في الالقاء والطرح..؟؟ربما احدهم لا يعلم بالأخر .. او ربما يعلم كل شيء عن الآخر .. وكأن السيد المدير يرد على كل كلمة قالها الشيخ قاسم عنهم !!!وكل حرف !!!


وكل فريق يلقي هزائم الأمة وويلاتها على الفريق الأخر ويتهمه هو الطاغي والباغي والخائن !!!

فلولا الشيخ قاسم ومن يحمل أفكارا معادية للسلطة لما حل الخراب بالبلاد حسب رأي المدير في خطبته اليوم !!


ولولا رجال السلطة أمثال السيد المدير وغيره المتسلطين السارقين لقوت الشعب لما حل البلاء على البلاد حسب رأي الشيخ قاسم !!


كانت الأفكار تتصارع في رأس جاسم الصغير وكان شخصا ما يصرخ برأسه ليقول له رأي الفريق الأول ..ثم يقول له رأي الفريق الأخر الموازي له او المضاد له ..


من هو على حق ..؟؟ ومن على باطل ؟؟


ثم قفزت فقاعة تفكير أخرى في رأس جاسم أما كان الأحرى بي أن أبقى راعي غنم والهوا مع سليمة صديقتي بدلا من دخول عوالم وطلاسم لا افقه شيء منها !!

 

أخيرا انفجرت هذه الفقاعة ورجع الهدوء الى عقل جاسم بعد ان صاح المدير للخلف دور ..وانفض الاحتفال ..

 

 

 

 

الصفحة الثامنة

عزام عزام / ادلايد /1999

 

 

 






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات