{آخر ايام العطلة الصيفية }
يوما بعد يوم أخذت شخصية الملا قاسم تترسخ في عقلية بطلنا جاسم وأصبح من المواظبين على الصلاة خلفه ومجالس القاء العضات ,كان جاسم مدركا ان الملا قاسم يرى ما لا يستطيع الآخرون رؤيته لانه رجل رصين ورع تقي له تجربة حياة طويلة ودراسة في بحور الفقه والدين ..هو في الحق لا تأخذه لومة لائم والدليل هو هجومه القوي على الحكومة وهو يعلم يقينا خطورة مثل الأمر ..أيضا هو لا يملك من الدنيا سوى حطامها وهذا البيت الطيني المتواضع الذي يسكنه ويجعله اشبه بمسجد القرية ورداءة فرشه دليل اخر على حسن ظن جاسم بالملا قاسم ..
أخيرا انقضت العطلة الصيفية وحزم جاسم أمتعته وقرر السفر لمواصلة دراسته وانه أصبح في الدراسة الإعدادية ..ظهرا ذهب جاسم لأداء الصلاة خلف الشيخ قاسم والذي اخبره ونصحه بالسعي الحثيث في الدراسة والجد والاجتهاد وعدم الجدل والخوض في امور السياسة مع ايا كان لان الجميع هنا جواسيس وعيون للحكومة اللعينة .اما طريق التغيير فله رجاله الأشداء الماضون بدربه ..على حد تعبير الشيخ قاسم وأضاف:
أنهم اي المجاهدون ماضون بكل عزم لتحقيق التغيير وعودة الحق الى نصابه مهما كانت المطبات والحواجز التي في الطريق ..
ودع جاسم الشيخ قاسم وهو حزين باكي متباكي على فراقه وعلى ندمه لانه لم يعرفه الا قبل فترة قليلة جدا..
عصرا ودع جاسم رفاق الحي والمرعى وخصوصا خليل وبدر وسلم على ابي خليل وليلا كان في أحضان امه ترنم له ترانيم الأمهات كأنه طفل رضيع وتتمنى له اجمل الامنيات الحارة بالنجاح وان حلمها وباقي حياتها الباقية هو ان تسير ذات يوم في طرقات العاصمة لتقرءا عبارة أنيقة خطت بخط جميل عيادة الدكتور جاسم للامراض القلبية والباطنية وغيرها ..
نام جاسم ليلته هانئا مرتاحا وفي الصباح غادر مع امه ومشوا مسافة العشرة كيلومترات حتى وصلوا إلى طرف القرية في منعطف طرق بمجمع طرقات القرية مع قرى القرى المجاورة ..
كانت السيارة المتهرئة بانتظارهم والسائق ذات السائق وركب الركاب وطارت السيارة ان صح التعبير ورأى جاسم أمه وهي تكفكف دموعها من وراء الزجاج المليء بالغبار والاتربة ..
طارت السيارة ام حطت حقا لا احد يدري لا احد يرى الارض من شدة الغبار المتصاعد من جوانب وخلف السيارة وامتلاءات السيارة بالغبار والأتربة حتى كان الركاب بالكاد يرى بعضهم البعض ..
{ رجال الحكومة ..يظهرون }
بعد مسيرة ربع ساعة مسيرا بالطريق الوعرة وصلت السيارة الى طريق معبد لكنه يا ريته ما كان معبدا فالسيارة تضرب الأرض بقوة بين الحين والأخر من شدة المطبات واحيانا ينحرف السائق بسيارته الى النزول عن الشارع ثم الرجوع اليه لتفادي مطبات وعرة كبيرة ..
أخيرا وصلت الى طريق فيه حواجز ترابية وعبارة كتبت على قطعة صفيح مطعجة ((قف للتفتيش سيطرة!!))وقفت السيارة او بالأحرى حطت أخيرا على الأرض واستقرت وهداء هدير وزعيق محركاتها .. وهدا الغبار الذي كان في المقصورة وأصبحت الرؤية يسيرة نوعا .
نظر جاسم الى الخارج كانوا مجموعة رجال مدججين بالأسلحة بعض يرتدي زي عسكريا كاملة وبعضهم زيا عسكريا لكن بدل القبعة العسكرية لف راسه بشماغ محلي واخرون بزي مدني انيق جدا وتسريحات وإكسسوارات واشكال مبالغ بها اشبه بنجوم السينما العربية ..
شعر جاسم بالخوف الشديد وتذكر كل أحاديث الشيخ قاسم عن الحكومة ورجالها .
.هذه السيطرة لم يكن لها وجود واليوم هي هنا ..لماذا ؟؟تسال جاسم مع نفسه .. وتسال ايضا .ماذا لو كانت كلمات الشيخ قاسم وصلت الى مسامع هؤلاء ..او كان احد المصلين يعمل جاسوس للحكومة ..
اخذ قلب جاسم يدق بقوة وعنف شديد ويكاد المذنب من الذنب ان يقول خذوني
اقترب رجل بزي مدني متمنطقا بمسدس في وسطه وهو حليق الذقن يتمايل بمشيته كانه طاووس ..اقترب من النافذة وتأمل بالوجوه بنظرة فيها الكثير من التعالي والاشمئزاز ,
وصاح بصوت مخنوق اشبه بالهمس المصطنع : انتم هوياتكم جميعا .
لاحظ جاسم ان الجميع هرع يستخرج هويته بكل سرعة ..
لكن الرجل ذهب صوب السائق وهمس شيء بإذنه
صاح السائق :نعم سوف أعود عصرا واجلب لكم ما تريدون ..
لم يجب رجل الدولة بل ضرب باب السيارة بإطراف أصابعه بهدوء كأنه يدندن مع نفسه بأغنية ما
انطلقت السيارة وأدار الرجل لهم ظهره وارجع جميع بطاقات الهوية وتنفس جاسم الصعداء
طارت السيارة مرة أخرى وعبرت الحاجز الترابي..
ثم سارت ورائ جاسم بضعة بيوتات منتشرة هنا وهناك ونخل وأشجار تظهر وتختفي لتظهر بعدها الصحراء ثم ترجع البيوت تظهر وتختفي وأخيرا أصبحت اعددها كبيرة جدا وكذلك أشجار النخل الباسق .ظن الجميع انهم وصلوا الى بر الامان .. وانهم وصلوا المدينة التي طالما كانوا يزورونها دنما تعقيد وتفتيش..
عند مدخل المدينة وسيطرة جديدة ورجال دولة جدد ..
ظن الجميع ان ضحك لهم سائقهم وابرزهم لهم اسناهه المتاكله سوف ينجح الامر..
رجل ذو قبعة حمراء يسمك بيده عصا بيضاء..يشير الى السائق اركن جانبا ..
ركنت السيارة ..
وقال لهم اانزلوا مع امتعتكم كلها ..
نزلوا وكانوا كثيرون معهم ركاب من قرى اخرى كان التفتيش بالدور واحد واحد حتى لو استغرق الامر باقي النهار ..
رجل يفتش الامتعة واخر يستجوب الركاب ويتاكد من هوياتهم ..
وصل الدور الى جاسم نفشت امتعته نفشا والحمد لله ليس فيها شيء يسيل له اللعاب
واخيرا لملم امتعته من الارض التي اكبها رجال السلطة ..
وجاء دوره مع اخر المحققين ..اخرج هويته.. استغرب المحقق منها وقال ماهذه ..انها قديمة جدا..
جاسم تلعثم وحاول الكلام لكنه فشل ..واخذ ينظر الى الركاب مستنجدا وانه اخرهم وانهم ينتظرونه..
جاء رجل ضخم الجثة وذو شوارب كثيفة الشعر قال بصوت اجش:ما المشكلة ومابه الاغلام ؟هل يحمل ممنوعات .
كلا سيدي لكن هويته منهية الصلاحية .اجاب المحقق..
الرجل الضخم : من انت ايها الفتى وماهو عملك ..
جاسم :اني طالب في الاعدادية واسكن عند قرية الفلانية وانا هنا....لم يكمل كلامه ..
صاح اخر هي انتم تعالوا لوقت الغداء والا برد..
رمى الرجل الضخم هوية جاسم في وجهه وقال : غدا اذهب لمدرسة وبدلها بوحدة جديدة وتجنب المشاكل فهمت ..
تلقف جاسم هويته وهرول مسرعا نحو السيارة والتي سارت مسافة قليلة حتى وصلت الى محطتها الاخيرة..في قلب المدينة..
وصلوا أخيرا الى المدينة وترجل الركاب وحمل جاسم أمتعته تجاه بيت أخته .............
{ في بيت اخته وزوجها }
أخيرا وصل جاسم الى بيت اخته الذي كان في زقاق ضيق وهو عبارة عن بيت قديم جدا ..
طرق الباب خرجت اخته وفرحت به وهللت لمقدمه وحملته أمتعته الى غرفته في السطوح ..
صعدى سلما عاليا ثم الى زاوية من السطح بقربها اكوام من الأثاث القديم وأعواد الخشب والصناديق الفارغة لقناني الببسي كولا ..وأخيرا وصولوا الى غرفة متواضعة في السطح هي مكان إقامة جاسم ..وقربها حمام ردئ ذي استخدام مزدوج اعد له خصيصا ..اي بناه له زوج أخته وهو بنُاء محترف ً
جلس جاسم يرتب إغراضه وأخته تسأله عن أحوال القرية وأمها وجيرانهم وعن زينب ..
جاسم يجيب على الأسئلة بينما كان البيت يضج بضوضاء الأهل .
كان لأخت جاسم مجموعة أبناء وهم يلعبون في البيت ويسكن معهم اي زوج اخت جاسم أخوه وأبوه وأمه واربع بنات هي أخوات زوج أخت جاسم ..
عصرا جاء زوج أخت جاسم وانزل جاسم الى باحة الدار وتناولوا اطراف الحديث وتسال جاسم عن سر السيطرة والتفتيش عند طريق المدينة ومدخلها ..
قال زوج أخت جاسم : كلما جاء مسوؤل جديد تبدلت اجراءات الدولة وزادت تعقيدا ولا نعلم سر وضع نقاط تفتيش في الطريق..
في الصباح التالي كان جاسم في المدرسة مع رفاقه .
.في المدرسة كان جاسم هادئا مؤدبا خلوقا محترم من الجميع عكس صورته المشاكسة في القرية ربما هو يسمع الراي القائل ..
يا غريب كون أديب ..
وأيام الجمع والعطل يذهب ليعمل مع زوج أخته في إعمال البناء كي يحصل على مصروفه من تعب جبينه دون ان يمن عليه احد.
الصفحة السابعة
عزام عزام/ادلايد/1999
التعليقات (0)