-نهاية ليلة الرعب؟-
أنفضت ليلة الرعب وغادر دراكولا المرعب (( الملا قاسم ))
ورجع الجميع للرقاد وبقي جاسم يساعد صديقه خليل على لملمة مخالفات الليلة والفرشة والوسائد ومعدات القهوة وغيرها ..
ربما كان الرعب الذي ملاء قلب جاسم من حديث الملا قاسم هو من جعله يتظاهر انه يساعد كي يوصله خليل الى باب بيته بعدها .وكان يتعمد عدم الرؤية الى الظلام في زوايا المكان كي لا تتراى له صور الوحوش والحيات والعقارب ..كما سمع قبل قليل ..
أخيرا وصل جاسم الى بيته ووضع رأسه على الوسادة .. شعر بامان غريب فعلا ..احس بانه يخرج توا من لهيب ولظى النار .. ويشعر بنعيم الجنة ...او كمن خرج من قبر ..او سجن محكم الاغلاق ..
لم يفكر جاسم بالأمر بل ترك خاليه يفكر له ..ويصور عنه ..
لماذا هذا الإحساس الجميل ألان؟؟ وماذا حدث له ؟ وما غيره كل هذه الزاوية التي استدارت بمقدار 180درجة.
رب ضارة نافعة ...
اعتقد هو ان كلام الشيخ قاسم عن عذاب القبر لمجرد اكل بلحة دون علم صاحبه هو من فتح عينيه على تجنب المعصية وارتكاب الخطيئة ..والتي كان هو مقرر لها مجرد ان تحدث بينه وبين حبيبته سليمة خلوة في مكان ما ..المهم ان جلا الغشاوة عن بصيرته والأفضل له ان يهتم بدراسته والنجاح والمثابرة ساعتها سوف يقرر ممن يتزوج على سنة الله ورسوله وربما كانت من بنات الذوات ومن ذات الشرف والخلق والدين ..
ونام ليلته مرتاح البال أخيرا ..واطل الصباح..
نهض جاسم مهموما ومتثاقلا وبصعوبة حتى ا ناشعة الشمس آلمته كثيرا دون ان ينتبه ..
سمع ضربات على الباب وصوت خليل يصيح ..
(( ماذا بك يا جاسم اين أنت ..؟؟؟))
ترك فراشه بصعوبة وأسرف في غسل وجهه لعله يفيق وينتبه ..تناول فطوره وذهب مع رفيقه الى المرعى واخذوا مكانهم بين الرعاة ..
-بداية طريق الخير والصلاح-
جلس جاسم يفكر في عدة أمور أولها أخلاق(( خليل ))النبيلة معه ومع أمه ..
ثم فكر بسليمة وكيف تركها ..
ثم فكر بالدراسة ..حتى استلقى على قفاه أخيرا واخذ يفكر بشيء جديد هذه المرة.
اخذ بصره يتأمل في أغصان الشجر ثم خرقها تجاه السماء الزرقاء الصافية ..
عن خلق الأرض والحكمة من خلق الإنسان ... وحديث الملا قاسم ..
ولما كل هذا البؤس والشقاء والعوز الذي يشعرون به .. وكيف التخلص منه ..هل نذر النذور وتقرب القربان لأولياء الله الصالحين كما أفصح الملا قاسم هو الحل الأفضل لمشاكل القرية الأزلية ..
فجأة أحس جاسم , بتحفز غريب في كامل إنحاء جسمه وتهزه هزا .. ويقف شعر رأسه ..
انه مشغول ألان ومن ألان بهموم الكون ومشاكل الخلق ..أحس كأنه دون كيشوت الذي قرر ان يحارب طواحين الهواء ويتخيلها الأشرار في العالم ...
أسئلة كثير ة جدا دارت في راس جاسم الصغير ..
وتفتق بها ذهنه أخيرا وبلا مقدمات ..
هكذا بدأ جاسم أولى خطوات رحلته نحو الحق ..
ونحو الطريق نحو الإصلاح ..
كرحلة راهب في طريق الخير او كأحد المصلحين في هذا الزمان ..
كبوذا او كونفوشيوس العصر ..
لإصلاح هذا العالم المليئ بالخطايا والمغالطات وابتعاد الناس عن طريق الخير ..
لماذا يدرسوننا في المدارس ونضيع اوقاتا وسنوات في دراسة قانون الجاذبية لنيوتن ..والالة البخارية لجمس واط ..الجزيئة والذرة وافكار نيلز بور ورذر فورد وغيرهم من هؤلاء الكفرة الملحدين ..
بدلا من ان يضعوا لنا مناهج من أفكار علماء الإسلام توضح لنا كيفية صنع الخير وتوزيعه بين الناس ..زراعة جيدة ماء صالح للشرب ..حل لمشكلة التصحر .. انحسار الرقعة الزراعية ..يبدو ان احد لا يتهم بأمور الناس بل يضع مناهج فيها استعراض لعضلاتهم الفكرية والاطلاع على افكار الغير ..
وتاركينا تشارك الحيوانات علفها او بلاحرى نغتصبه منها عنوة بعد ان شح وعز علينا الكلاء والماء معا ..كما قال لنا الأستاذ عبد الجبار في حديث سابق وهو المثقف والدارس الوحيد في القرية وذو الراديو الوحيد ايضا والذي لديه بجامة مخططة وانيقة ولم يرى احد غيره يرتدي مثلها ..
ايضا تسال جاسم مع نفسه : ما الفائدة من دراسة مادة الإحياء وتشريح الجهاز الهضمي والعصبي وغيرها ومعرفة إسرارها وإمراضها ودورة حياة الدودة الشريطية والشصية والبلهارزيا وغيرها ..
والحل موجود والدواء لكل داء سهل ويسير وفي متناول الجميع انه مجموعة من الآيات القرآنية المباركة وكمية من الطلاسم والترانيم التي يعرفها ويصفها الشيخ قاسم ..
ايضا بركات السيد المبجل في القرية والذي بكلمة منه يشفي الأكمه والأعمى والأبرص والمجنون ويعرف السارق والمحتال واين خبا المال المسروق او الضائع ..وبثواني معدودات فقط ..
وأخيرا قفزت فكرة غاية في الخطورة الى بال جاسم وهي :
يبدو ان الحكومة تلهينا في أمور تسمى مجازا هي من أمور العلم وشؤؤنه كي تلهي الناس عن التفكير في حل لمشاكل المجتمع وبلاويه السود ..هل هي الحكومة ام هو الاستعمار كما يقول لنا أستاذ مادة التاريخ ان الاستعمار هو من احتل بلادنا في السابق ونهب خيراتها ويريد تركها بلاد صحراء قاحلة لازرع فيها ولاماء ..
كان جاسم يفكر ويفكر .. وقطع سلسلة افكاره صديقه خليل : جاسم هل تريد ان اخيط وارقع لك هذا الفتق الكبير البادي في ثوبك ..قبل ان ارجع الخيط والابرة الى الجراب ؟؟؟
-خطبة الجمعة-
رقع جاسم ثوبه بسرعه واعاد الخيط والابرة الى خليل وشكره على ملاحظته ..
تذكر جاسم ان اليوم جمعة والوقت ضحى وطلب من صديقه ان يعتني بالمشية لانه ذاهب الى صلاة الجمعة في بيت الملا قاسم .
وصل جاسم الى البيت واخذ مكانه بين المصلين وكان عددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين ..نظروا اليه نظرة شك اول الامر وصلى بهم الملا قاسم ثم اعتلى المنبر وتحدث في الامور الاسلام وبر الوالدين وغيرها ثم عاد وصلى بهم ورجع الى المنبر وتحدث عن الأمور الاقتصادية وتداعيتها عليهم وحث المصلين على اتباع(( التقية ))كي يتجنبوا كيد الاشرار .
كان الشيخ قاسم اليوم في خطبته هادئ ووديعا وحنونا جدا ..عكس خطبته او عظته ليلة البارحة حيث كان صوته جهوريا قويا هز اركان المكان وادخل الرعب والهبة في قلب من كائن من كان ..
هذه الخطبة كانت غامضة الى جاسم والأسلوب مخالف لما تعود ان يسمعه من الشيخ في خطبه النارية الكثيرة ..لماذا لم يتحدث الشيخ عن أمور السياسة وما هي هذه التقية وكيف تستخدم كي تقي الناس كيد الأشرار ومن هم الأشرار اصلا ؟؟
انتهت خطبة الشيخ قاسم وتوزع المصلون في ارجاء الغرفة اخذ كل واحد منهم كتيبا او مصحفا للتلاوة
واما جاسم فذهب الى احد إرجاء الغرفة واخذ معه كتيب في دعاء واخذ يقراء شيء منه ..
أحس وقع قدم آت قربه واحدهم جلس قربه وتربت على كتفه انه الشيخ قاسم :
أحسنت ايها الفتى بوجودك هنا لكن من انت وابن من ؟
جاسم : انا ابن فلان ابن فلان واسمي جاسم .
فقال له الملا قاسم نعم اني اعرف والدك رحمه الله حق معرفة كيف حالكم ؟؟وكيف حال أمك ..؟
جاسم انحن بخير بوجودكم يا سماحة الشيخ ..
الملا قاسم : اني اذكر كل شيء في القرية والدك كان جنديا في جيش الحكومة وخدم في مناطق شمال البلاد وهنا تعرف على عائلة كريمة وتزوج احدى بناتهم انها كانت اخت جندي من الشمال معهم في الجيش ..خطبها وتزوجها وجاء بها الى القرية ..
اخذ جاسم يصغي لحديث الشيخ وهو ربما أول مرة يسمع إن أمه من مناطق الشمال وهو ما يفسر سر جمالها المختلف عن باقي نسوة القرية ..
الملا قاسم أكمل حديثه :
كانت أمك نعم الزوجة المطيعة لزوجها وأنجبت له بنتا ثم بعد سنوات أنجبت ولدا واحدا ثم جاء خبر وفاة أبيك في إحدى المعارك ومع ذلك بقيت امك هنا وبنت بيت من الطابوق وهو امر نادر في هذه القرية حتى سيد القرية المبجل الثري ليس لديه بيت مبني من الطابوق ..
ثم ساله الشيخ قاسم : وماهو عملك يابني ؟
جاسم : اني اعمل بالرعي ايام العطل وايام الدراسة اقضيها في المدينة عند بيت اختي ويبقى جارنا وابنه خليل يعتنيان بامي واحوالها وغيرهم من الجيران والاقارب ..
تغيرت نظرات الشيخ قاسم للفتى وكانه يفكر بمكر خفي ويبيت او يضمر امرا ما ..لكن جاسم تغلب عليه إحساس حسن الظن بالشيخ قاسم
أخيرا قبل الوداع خرج الشيخ قاسم مع الفتى جاسم الى الباب مودعا له وقال له ..ارجوا لك التوفيق في حياتك ورعايتك لامك احملها على اكف الراحة لان الجنة تحت أقدام الأمهات ولا تترك الدراسة لأننا ..عفوا ارى انها خير وسيلة لبلوغ المراتب في هذا الزمن الصعب ولا تترك طريق الصلاة وعمل الخير لان كل اهل القرية يحبون الملتزمين دينيا سوى ذلك المدعو عبد الجبار
جاسم مستغربا : وما به الأستاذ عبد الجبار ؟؟
الشيخ قاسم : يصمت لبرهة ثم يقول انه لاشيء لا شيء وألان وداعا ..
للحديث بقية ...
الصفحة -5-
عزام عزام /ادلايد/99
التعليقات (0)